ميسون الدخيل

في الحوار العالمي الراهن حول حقوق المرأة، غالبًا ما تهيمن وجهات النظر الغربية على الخطاب، متجاهلةً أو مُسيئةً فهم تجارب وخيارات النساء المسلمات. وبصفتي امرأة مسلمة، يُحزنني أن أرى كيف تُصوَّر الخيارات الشخصية في كثير من الأحيان كرموزٍ للتهميش! هذه النظرة المُختزلة تُغفل تعقيد هوياتنا وخياراتنا، لا سيما في ظلّ الاختلافات الثقافية الشاسعة. يمثل الحجاب، بالنسبة لكثير من النساء المسلمات، ليس خضوعًا، بل خيارًا واعيًا متجذرًا في الإيمان والهوية؛ إنه تعبير عن استقلاليتنا، ووسيلةٌ لتأكيد سيطرتنا على كيفية تقديم أنفسنا للعالم، وفي مجتمعٍ تُستغل فيه أجساد النساء كسلعة، يصبح الحجاب رمزًا قويًا لرفض تحويل المرأة إلى مادة أو الأنكى من ذلك إلى سلعة، فالحجاب يُمكّننا من تعريف أنفسنا بما يتجاوز التوقعات المجتمعية والمعايير التجارية، فاختيار اللباس المحتشم يُتيح لنا التأمل والتركيز على جوهرنا الداخلي بدلًا من التركيز على المظهر الخارجي. غالبًا ما تتجاهل الروايات الغربية، التي تركز بشكل حصري على القمع المزعوم، الإنجازات التي حققتها المرأة في السياقات الإسلامية فيما يتعلق بالزواج والميراث وحقوق الملكية، وخلافًا لتصوير المرأة المسلمة كضحية سلبية، فإن الكثيرات منا يشاركن بفعالية في النقاشات حول حقوقهن، مستخدماتٍ الأطر التي يوفرها ديننا للدفاع عن المساواة في المعاملة؛ فعلى سبيل المثال، يمنح القانون الإسلامي المرأة الحق في امتلاك الممتلكات وإدارة ثروتها بشكل مستقل، وهذه حقوق استغرقت قرونًا طويلة حتى حصلت عليها النساء في الغرب، ولا تزال غير مُحققة للكثيرات منهن. من الضروري إدراك التباين في التعامل مع شيخوخة المرأة بين الشرق والغرب؛ ففي العديد من المجتمعات الشرقية، يُحترم كبار السن ويُقدّرون، وتُعتبر خبراتهم وحكمتهم أساسية للحياة الأسرية والمجتمعية، بالمقابل تلعب المرأة المسلمة أدوارًا محورية في الحفاظ على هذه الروابط الأسرية، ضامنةً رعاية كبار السن وتكريمهم كشخصيات مركزية، وكما نلاحظ يتناقض هذا النهج الثقافي بشكل حاد مع المواقف الغربية، حيث يُنظر إلى كبار السن في كثير من الأحيان على أنهم عبء، مما يخلق ازدواجية مقلقة تعكس قيمًا مجتمعية أوسع. علاوة على ذلك، دعونا نتأمل في التأثير الواسع لوسائل الإعلام في تشكيل التوقعات المجتمعية من المرأة؛ ففي الغرب، يُحتفى بالمرأة لفرادتها وقوتها، بينما تُقصف بمعايير جمال غير واقعية! التناقض واضح: قد تُعلن المرأة حريتها، لكنها تجد نفسها مكبلة بضغوط مجتمعية واسعة تُملي عليها كيف يجب أن تبدو وتتصرف، فغالبًا ما تُمجّد الإعلانات الشباب والجمال على حساب الجوهر والفكر، مُختزلةً المرأة إلى مجرد سلعة تُستهلك بصريًا! وبهذا المعنى، حتى أولئك الذين يدّعون أنهم مناصرون لتمكين المرأة يُسهمون في ترسيخ معايير قمعية. عند الحديث عن الحشمة، غالبًا ما تتجاهل الروايات أوجه التشابه الموجودة في الممارسات الدينية الأخرى. فالتغطية الإعلامية التي تحظى بها الراهبات ونساء مثل مريم العذراء (عليها السلام) غالبًا ما تكون جديرة بالثناء، وتُعزز سردية الالتزام الديني، ولكن في المقابل، يُساء فهم اختيار المرأة المسلمة لتغطية رأسها في كثير من الأحيان على أنه خضوع! يكشف هذا التقدير الانتقائي عن نفاق ثقافي أوسع، حيث تُحتفى ببعض مظاهر الإيمان وتُشجع، بينما تُشوه أخرى. ويطرح هذا سؤالا جوهريا: لماذا يُنظر إلى اختيار المرأة المسلمة تغطية رأسها على أنه قمعي، بينما تُحترم خيارات مماثلة لنساء من ديانات أخرى؟! لا يقتصر هذا المعيار المزدوج الثقافي على خيارات الملابس فحسب، بل يمتد ليشمل فهمًا أوسع للقدرة على الفعل والاستقلالية؛ تنخرط العديد من النساء المسلمات في نقاشات حيوية حول دلالات ديننا، متجاوزات الصور النمطية ومؤكدات على حقوقهن، وتُشكّل أصواتنا نسيجًا غنيًا من التجارب غالبًا ما يغيب عن أنظار من يركزون فقط على المظاهر الخارجية لديننا، متجاهلين عمق معرفتنا وقدرتنا على الأداء، إنّ تصويرنا كـ«ضحايا» فقط لا يعكس مشاركتنا الفعّالة في تشكيل حياتنا ومجتمعاتنا. إضافةً إلى ذلك، فإن العديد من النساء المسلمات يستغلّلن الفرص التعليمية لتعزيز مكانتهنّ في المجتمع؛ ويبرز هذا الأمر بشكلٍ خاص في الكثير من الدول ذات الأغلبية المسلمة حيث تتبوّأ النساء مناصب قيادية وتعليمية ومهنية. إنّ الاحتفاء بهذه الإنجازات من شأنه أن يُقدّم رؤيةً أكثر توازنًا لتجارب النساء المسلمات المتنوعة، بدلًا من تصويرهنّ بصورةٍ مُختزلة داخل كادر القمع. من المهم أن يتصدى الغرب لقضاياه العالقة وأهمها قضايا المرأة. فرغم التقدم الظاهري لمن لا يتعمق بدراسة مجتمعاتهم، لا تزال المرأة عندهم تواجه تحديات جسيمة، كالفجوة في الأجور بين الجنسين، والتمييز في مكان العمل، وحقوق الإنجاب، التي لا تزال تُؤرق العديد من المجالات؛ تُبرز هذه الصراعات المستمرة تناقضًا صارخًا بين مُثُل المساواة المعلنة والواقع المرير الذي لا تزال الكثير من النساء يواجهنه! إن التركيز على معاناة المرأة المسلمة، والذي غالبًا ما يُبالغ فيه لإثارة الجدل، يُشتت بدوره الانتباه عن هذه القضايا المُلحة، ولربما هذا هو المراد حتى يشغلوا مجتمعاتهم عن قضايا أهم كالتي تنخر في صميم تشكيلات الأسرة والتقاليد والأخلاق، فبينما ينخرط الغرب في حوار حول حقوق المرأة، من الضروري تحويل التركيز إلى أوجه قصوره بدلًا من الاستمرار في انتقاد الممارسات الثقافية في الشرق دون مراجعة ذاتية. أحث الغرب على الكف عن التركيز على خيارات المرأة المسلمة وينشغل بمعالجة قضاياه وهي كثيرة، وليلتفت لمن يشعل فتيل الكراهية بين الأديان والشرائح المختلفة المكونة لمجتمعاتهم، بمعنى من المستفيد من تحويل الأنظار عمن يتحكم ويوجه المجتمعات إلى الانحلال والتفكك! فعلًا بات حالكم كما جاء بالمثل الشعبي: «واحد مربي ذقنه والثاني تعبان فيها»!