لطالما كان الحديث عن المياه محصوراً بالتحديات، لأن الأرقام العالمية فرضت واقعاً موجعاً يتكرر في تقارير التنمية والصحة والبيئة.. أكثر من ملياري إنسان يعيشون اليوم من دون مياه شرب مُدارة بأمان.. بينما يفتقر نحو ملياري شخص لمرافق أساسية للنظافة، في مشهد ينعكس مباشرة على الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي ومسارات النمو الاقتصادي في عدد من دول العالم.. وهذا الواقع يرتبط بإجهاد مائي متصاعد، وتفاوت جغرافي واضح، وعبء يومي تتحمله عدد كبير من الناس في كثير من المناطق حول العالم، مع استمرار اعتماد ملايين البشر على مصادر مياه سطحية ملوثة.. أمام هذه المعطيات، ملف المياه هو محور تنموي يمس مستقبل المجتمعات واستدامة الموارد.

وباعتقادي أن الابتكار اليوم هو المدخل المهم للتعامل مع ملف المياه بوصفه قضية مستقبلية تتقاطع مع الاقتصاد والتنمية والاستقرار في المجتمعات بشكل عام.. وهذا ما يحفزنا اليوم في ظل التقدم التكنولوجي على تبنّي حلول ذكية ترفع كفاءة الاستخدام، وتدعم الاستدامة، وتحوّل إدارة المياه إلى منظومة قائمة على البيانات والبحث والتقنية والاستثمار طويل المدى.. لذلك أرى أنه من الضروري الاهتمام بالتوصيات التي خرج بها مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025 في مدينة جدة الأسبوع الماضي الذي جمع الخبراء وصنّاع القرار لطرح حلول عملية قائمة على التقنية والمعرفة لأنه قدّم نموذجاً واضحاً لدور الابتكار في إعادة صياغة إدارة الموارد المائية عبر التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وتطوير تقنيات المعالجة، وربط البحث العلمي بالاستثمار، وهذه المحاور والحلول هي لب حاجتنا لصناعة مستقبل مائي مستدام قائم على الكفاءة التشغيلية، وتعظيم الاستفادة من الموارد، وبناء منظومات مرنة قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية والنمو السكاني.. هذا التوجه يعزز دور الابتكار كمحرّك للتنمية، ويضع المياه عنصراً استراتيجياً في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي طويل المدى.

المملكة اليوم تتعامل مع التحديات العالمية بواقعية كبيرة وبالحلول، وهذا عنصر محوري في مقاربة ملف المياه ضمن سياق تنموي شامل.. هذا التوجه يبرز عبر الاستثمار في الابتكار، وتبني التقنيات المتقدمة في التحلية والمعالجة وإعادة الاستخدام، إلى جانب تمكين البحث العلمي وبناء الشراكات الدولية..

المياه وتحدياتها عنصر مهم أرى أنه من الضروري أن يحظى بمزيد من البحث والتطوير والعمل المؤسسي المنظم، عبر سياسات تدعم الابتكار، وتربط المعرفة بالحلول التطبيقية، وتحوّل هذا الملف إلى فرصة تنموية تعزز الاستدامة، وتدعم الاقتصاد، وتؤسس لمستقبل متوازن ومستقر للأجيال القادمة.