عندما بدأ "حزب الله" اللبناني المشاركة في القتال العسكري في سوريا دعماً لنظام الرئيس السابق بشار الأسد، كانت هنالك آراء صريحة معارضة لهذا التدخل، حذرت من أخطاره والسلبيات التي سوف تترتب عليه. من الشخصيات البارزة التي انتقدت هذه المشاركة العلامة الراحل هاني فحص، متخذاً موقفاً أدبياً واضحاً، بناه على رؤية سياسية كانت لا تنظر إلى مجرد المبررات الآنية التي ساقها "حزب الله" وإنما كان يرمقُ العواقب التي ستنفجر لاحقاً! عام 2013 كتبتُ مقالاً بعنوان "طريق القدس لا تمر عبر دمشق"، نُشر حينها في موقع "العربية.نت" اعتبرت فيه أن "النقد لسلاح حزب الله في الداخل السوري هو في أساسه انحياز إلى الإنسان الفرد، وهو أيضاً مبني على رفض "عسكرة" الثورة، وإيمان راسخ بأن البندقية لن تقود إلى الحل"، وأكدت أن "لا مخرج من دوامة العنف إلا عبر حل سياسي". مرت السنوات وزاد منسوب العنف في سوريا، وشاركت مجموعات مسلحة من مختلف الاتجاهات دعماً لنظام الأسد أو معارضة له، وجاء المقاتلون من: لبنان، العراق، الشيشان، أوزبكستان، طاجيكستان، تونس، أفعانستان، باكستان... ودول أخرى، ما جعل الصراع يتحول إلى قتال هوياتي رفعت فيه شعارات طائفية وتكفيرية، واستغلته تنظيمات إرهابية آخذة حيزاً واضحاً في التجنيد، وتمويل العمليات التي راح ضحيتها آلاف المدنيين العزل. لقد كانت سوريا هي "الوحل" الذي غرق فيه "حزب الله" وجعله منكشفاً استخباراتياً أمام إسرائيل، ما مكن تل أبيب من جمع المعلومات الدقيقة عن الأفراد والأسلحة وآليات التواصل والعمل، بل من خلال المعلومات هذه استطاعت إسرائيل أن تبنى قاعدة بيانات ضخة، ربطت بين تفاصيلها وحللتها وطورتها بحيث تتوقع سلوك الأفراد والقادة و"الحزب" من خلال برمجيات متقدمة، وهذا بالتحديد ما أشار إليه تقرير مهم نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" في 29 أيلول/سبتمبر 2024، جاء فيه أن مشاركة "حزب الله" في سوريا اضطرته إلى الكشف عن "آلياته وهياكله التنظيمية وتوسيع قاعدة تجنيده بشكل كبير للقتال في سوريا، ما أضعف آليات الضبط الداخلي الصارمة التي كان يتبعها سابقاً". هذه التوطئة مهمة لفهم الصورة الأسوأ للمشهد في سوريا، وربطه بالفيديوات التي بثتها قناتا "العربية" و"الحدث" الشهر الجاري، والتي ظهر فيها بشار الأسد برفقة مستشارته الراحلة لونا الشبل، وهما يتجولان في سيارة يقودها الأسد في منطقة "الغوطة"، فيما الشبل تقول له إن "الجيش السوري تعلم خبرات وصار يدرسها وعنا صواريخ... وحزب الله كان يتفاخر بقدرته في حرب الشوارع، وفي الآخر ما سمعنا صوته"، فيما الأسد يضحك! جمهور "محور المقاومة" عموماً و"حزب الله" خصوصاً، عليه أن يقف أمام هذه الفيديوات بهدوء وروية، من دون أحكام مسبقة أو انفعالات، وبعيداً من الضغوط، وأن يراجع هذه التجربة ويقيمها بعقلانية وواقعية، ويتساءل عن النتائج والأكلاف، وما إذا كان دعم بشار الأسد قراراً صائباً أم خطأ استراتيجياً لم يكلف "الحزب" وحده أكلافاً باهظة فحسب، بل حتى بيئته الحاضنة ومئات العائلات التي فقدت أبناءها وهم في زهرة شبابهم، دفاعاً عن رئيس لا يحترم شعبه ولا الحلفاء! منطقة الشرق الأوسط تمر بتغيرات مفصلية، ولا تزال هنالك ارتدادات لها، وذلك يتطلب مزيداً من الوعي وكبح جماح العواطف، وأن تكون هنالك مراجعات عميقة وعلمية – حتى وإن كانت مؤلمة - تقود إلى تحصين المنطقة، وبناء دول مدنية حديثة أساسها المواطنة الشاملة وسيادة القانون؛ دولٌ بعيدة من المحاصصة الطائفية والفساد والمحسوبيات واستخدام الدين لأغراض سياسية، لأنه من دون ذلك ستتكرر الأخطاء ذاتها، وتعود دوامة العنف، وسيغرق الجميع من دون استثناء في بحرٍ من الظلمات!
- آخر تحديث :
















التعليقات