قوّم أخاك قبل التفكير بالإطاحة بهِ مع آخرٍ لا يراكَ أفضل منهُ

 

لعل الكثير من كارهي داعش في دخيلة أنفسهم ممنونينجداً من وجود الدواعش، باعتبار أن داعش ذريعة الحرب على الغير، كما هي ذريعة الدعوة الى البحث عن سبل السلام، فمن يود محاربة الآخر واتهامه ليس له إلا أن يضعه بجوار داعش ليحاربه، ومن أراد التودد لخصمه ليس أمامه إلا الدواعش كملتقى لكل الأطراف، كما أن الكثيرممن يدعمون داعش هم أنفسهم من سيحاربونه ليتوددوافيما بينهم بعد أن كانوا أعداء الأمس، فضيلة داعش أنها مظلة واسعة تحوي تحت قبتها كل الأشرار والخيرين. 

وبما أن النظام والمعارضة في وارد التقارب فيما بينهم برعاية تركية روسية إيرانية، فما عليهم إلا أن يُجمعوا على عدو واحد يكون قادراً على لملمة الأطراف المتضادةمجتمعين، وإلا فكيف للأطراف المتناحرة سياسياً أو عسكرياً الاجتماع تحت خيمة واحدة، إن لم يخلقوا وهماً جديداً، عدواً حقيقياً أو متخيلاً، حتى يكون ذلك العدو محط التقاء هؤلاء الخصوم حتى الثمالة، والغريب في العدو ( داعش) الذي سيكون كعبة لقاء الأعداء السابقين، أن للنظام السوري حصة لا بأس بها في ذلك التنظيم من خلال دعمه وإدارته حسب عشرات التقارير، كما أن العديد من الفصائل الاسلامية كانت في الكثير من الأحيان تعوِّل على التقاطعات المنهجية والسلوكية بينهم وبين داعش، وكذلك الحال مع تركيا التي كانت قد اتُهمت هي الأخرىمراراً من قبل عدة منظمات و جهات دولية بأنها تموِّل،وتأمن ممرات آمنة لعبور الدواعش المستجلبين من بقاعالأرض للدخول عبر أراضيها بيسر الى سوريا، كما أنإيران الأخرى فلم يحدث أن أخطأ تنظيم داعش مرةً وقام بأي عمل ضد مصالحها في كل المنطقة، وكأن داعش في وفاقٍ دائم مع النظام الطاغي في طهران، إذن كل هؤلاء الذين تقاطعت أيديولوجياتهم أو مصالحهم مع داعش في مرحلةٍ ما، لن يجمع شمل جميعهم إلا جسد داعش نفسه، وما من أحدٍ قادر على أن يجمع المتنافرين لولاه، وهو التنظيم الأشبه بمومسة مثيرة زبائنها أرستقراطيين ومن وجاهات المجتمع فالكل عملياً يسعى ويرتجي وصالها في السر، ولكنهم في الجهر يناصبونها العداء، وقد يطعنون بكرامتها وسمعتها، وحين افتضاح أمرهم معها، فلا يجدون حلاً يُرضي الجميع غير التبرؤ منها، وهو ما قد يفضي بهم إلى التخلص معاً من ذلك التنظيم الذي أغرى كثيرهم ويعرف أسرار معظمهم.

ثم ولنفرض بأن تلك الأداة المثيرة داعش تم تصفيتها، فإن الأعداء الذين لم يتحولوا بعدُ إلى أصدقاء حميميين بحاجة ماسة الى قربان جديد ليحقق التقارب بينهم بشكل أفضل بعد التعمد بدم ذلك القربان، وفي المدى المنظور وحسب المعطيات فإن بعد داعش وجبهة النصر وروافدها ثمة جهة أخرى قد تحقق نفس المراد الذي حققه داعش في مجال التوحيد والاتفاق عليه، وهو من المحتمل جداً أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي مع أجنحته العسكرية والأمنية، باعتبار أن أولئك الأعداء المفترضين لدى كل واحد منهم سببه الخاص للطعن بحزب الاتحاد الديمقراطي أولاً، ومن ثم إعلان الحرب عليه ثانياً، كما هو الحال مع داعش بالضبط، إذ أن الفصائل الإسلامية بمجملها قد تقبل الأسد صاغرة مكرهة ولكنها في الجوف لا تقبل الاتحاد الديمقراطي بكونه أولاً حزب مزيج من العلمانية والماركسية،وثانياً محسوب على الكرد الكفرة، وهذين السببين كافيين لإعلان الحرب على الحزب من قِبلهم، فيما إيران التي يومياً تُعدم عشرات النشطاء الكرد لن يكون صعباً عليها التخلي عمن كانت تستخدمهم لخدمة الأسد من خلال قنديل، فيما تركيا تعتبرهم سلفاً أعداءٌ ألداء، وهي قد تكون مهيئة لذلك الفعل الاعتدائي في كل لحظة، وكذلك هو حال النظام السوري الذي وظّف الاسلاميين إلى حين ضربهم فيما بعد،لن يكون صعباً عليه فعل ذلك مع الاتحاد الديمقراطي أيضاً، باعتبار أنه سبق وفعل ذلك بزعيم وأنصار حزب العمال الكردستاني ماهو أسوأ بكثير، حيث كان النظام الأسدي وفي كل خطوة من خطوات التودد إلى تركيا كانيفتدي بالعشرات من مؤيدي حزب العمال الكردستاني كبادرة حسن نية للتقارب مع تركيا.

وفي حال إجماع هؤلاء على تكفير الاتحاد الديمقراطي وشن الحرب عليه بذريعة الإرهاب فماذا سيكون مصير المناطق الكردية وناسها؟ طالما أن المجلس الوطني الكردي غير مهيأ لإدارة أصغر منطقة كردية حسب ما قاله أحد المقربين من المجلس ألا وهو الدكتور أحمد شوقي القائل"بأن المجلس الوطني لم يفكر للحظة بأن يدير المناطق الكوردية بسبب الخلافات العميقة بين مختلف مكونات المجلس من أحزاب ومستقلين على الحصص، وليس بإمكان المجلس أن يدير المناطق الكردية وهو على هذه الحالة من الاستقتال على المغانم الحزبية، حيث لا تزال ثقافة المحسوبيات والمحاصصات التنظيمية مستشرية في صفوف أحزابها".

إذن فبناءً على ما تقدم فلخدمة مَن سيتم إدراج اسم وحدات الحماية الشعبية في قائمة المنظمات الإرهابية؟ وثم هل سجل أي فصيل سوري مسلح منذ بداية تسليح الثورة إلى الآن، ومن أول البلد إلى آخره أنظف من سجل تلك الوحدات؟ وبرأينا المتواضع أن المجلس الوطني الكردي إن أراد الوقوف بوجه الاتحاد الديمقراطي، وكان قادراً فعلاً على مصارعته لوحده كبديل عنه لإدارة تلك المناطق فلا بأس به، أما إن لم يكن يمتلك تلك القوة المؤهلة لإزاحته، فعليه ألا ينجرف إلى ما ترغب به كل من التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومن يقف ورائها من الدول المذكورة في الأعلى،لأنها بذلك وبكل بساطة ستبيح المناطق الكردية أمام جحافل تلك القوات الغازية، وتُنهي ماتبقى من سبل الحياة فيها، والاسلاميون المتطرفون الذين استباحوا النساء الايزيديات في شنكال قد يطيب لهم إعادة التجربة في المناطق الكردية بسوريا أيضاً، باعتبار أن ثقافة السبي والغنائم والأنفال تجعل أغلب المتطرفين بسوية داعش، وعندها لن يفيد المجلس الكردي الموقر الندب واللطم، وربمايلاحقهم العار إلى يوم الدين، فأن يحارب المجلس الوطني الكردي فصيل كردي عبر فصائل أسوأ منه انتهاكاً لحقوق الإنسان سيكون نهاية سريرية لشرعية المجلس، وهنا لا يشرفني أن أدافع عن حزب الاتحاد الديمقراطي الشمولي، المستحوذ والمتسلط، إنما عما سيؤول إليهمصير المناطق الكردية وناسها عندما تتم شرعنة الاعتداء عليها بدعوى محاربة الإرهاب من قبل من لم يكن بريئاً من ممارسة الإرهاب حتى الأمس، ومن قبل مَن يكنُ في دخيلة نفسه بُغضاً تاريخياً لكل ماهو كردي إن كان محسوباً على المجلس أم على زمرة الاتحاد الديمقراطي.

والملاحظ أن الأرضية المشتركة لدى النظام المجرم والفصائل التابعة لمن يمولها هو ما يضمره الطرفين للكرد عموماً وللاتحاد الديمقراطي بوجهٍ خاص ومنها قول بشار الجعفري رئيس وفد طاغية دمشق في الأستانة الذي قالعلى الكرد الذين أعلنوا الفيدرالية أن يأخذوا حبوب “ادفيل” كونه مناسب وقوي وفعال، وأدفيل "ايبوبروفين" كما هو معروف دواء مخصص للأطفال من سن 1 إلى سن 18 وهو مضاد للالتهاب، مسكن للألم، خافض للحرارة، وعندما يتحدث رئيس وفد النظام في محفلٍ دولي بلغةفوقية عنجهية وبهذا الكلام الاستعلائي يخاطب حزب صالح مسلم فلا يدل حديثه إلا على مدى استخفافه بذلكالتنظيم، بالرغم من أن أغلب قادة الحزب كما كان حال معمر القذافي يتصورون بأنهم أصحاب رؤى ونظريات كونية ستتبعهم الأمم!! والغريب كذلك أن مسؤول فصيل جيش الإسلام الذي صنع الأقفاص ووضع المدنيين فيها ووزعها في أرجاء مدينة دوما بدمشق أثناء قيادة زهران علوش للفصيل المذكور، طالب بضم وحدات الحماية الشعبية الى قائمة المنظمات الإرهابية والذي أضاف في كلمته بأن سوريا لم ولن تكون منبتاً للإرهاب! وربما على بعضنا أن يتساءل هل استخدام المواطنين العزل كدروع بشرية من خلال وضعهم في أقفاص بوجه طيران روسياالتي تدير حالياً دفة العملية التفاوضية كراعية للسلام هو عمل إرهابي أم قمة في الإنسانية؟

عموماً ولكي لا يتمادى عُشاق وأنصار قنديلستان في إتهام المجلس الوطني الكردي بالسعي للانتقام من حزب الاتحاد الديمقراطي عبر الآخرين، نورد ما عبّر عنه المنسق العام لحركة الاصلاح فيصل يوسف بقوله: "في جميع المؤتمرات الدولية التي شارك فيها المجلس الوطني الكردي والتي كرست للحل السياسي في سوريا، فقد التزم بالرؤية الكردية المشتركة والتي وقعت بين المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغربي كردستان في عام 2012، وأكدفيصل بأن اتفاقية دهوك لاتزال تشكل أرضية مناسبة للتوافق والتعامل مع الوضع الراهن وعليهم حساب عامل الوقت والمتغيرات التي تحصل كل يوم"، والكرة إذن في مرمى حزب الاتحاد الديمقراطي إذا ما كان فعلاً معنياً بسلامة وأمان وتحسين ظروف حياة المواطنين في المناطق الكردية، وتأكيداً لكلام فيصل يوسف ولعل الموقف الحقيقي للمجلس الوطني الكردي هو ما جاء على لسان المستشار الإعلامي لرئيس اقليم كردستان كفاح محمود الذي قال بأن قوات بيشمركة روچ المحسوبة على المجلس الوطني الكردي لن تدخل إلى المناطق الكردية بسوريا إلا باتفاق كردي كردي، مضيفاً بأنه لا يمكن أن تقبل رئاسة اقليم كردستان بإقتتال اخوي في سوريا لتنفيذ أجندات تصب لمصلحة أعداء الشعب الكردي، فدخول قوات بيشمركة روچ والقول لمحمود لن تدخل إلا بالوصول الى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية.