فيما يترقب الشارع العراقي انتهاء المعارك الدائرة لتحرير آخر معاقل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" والتي دخلت شهرها الرابع، بدأ التحالف الوطني الشيعي برئاسة عمار الحيكم تحركاته تمهيدا لاعلان مبادرة "التسوية السياسية او التاريخية" لنبذ الخلافات وحل المشاكل بين المكونات الرئيسية من الجذور استعدادا لمرحلة مابعد "داعش" والمرجح اطلاقها بعد تحرير مدينة الموصل بالكامل، وسط تخوف من قبل اطراف شيعية مشاركة في التحالف وتحفظ وشروط مسبقة للاطراف السنية (تحالف القوى العراقية) وانتظار وتردد كوردي مبهم.
وعلى الرغم من اجتياز المبادرة التي يقودها الحكيم لهيئات التحالف الثلاث العامة والسياسية والقيادة، الا انه لم يتم التحشيد الكامل له، ذلك ان اطرافا كبيرة وفاعلة فيه كحزب الدعوة والتيار الصدري تتخوف منتحويلها الى اداة للدعاية الانتخابية وانجازا يحسب لحزب المجلس الاعلى الاسلامي وزعيمه الحكيم، فنوري المالكي نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق وحيدر العبادي رئيس الوزراء يؤيدان مشروعا "للتسوية المجتمعية" وليس سياسية لمرحلة ما بعد "داعش" وان كان لم يدخل بعد ضمن نص مكتوب واضح المعالم والاهداف. كما قدم السيد مقتدى الصدر مشروعا آخر الى مجلس من اجل لاصلاح الانتخابات مديرا ظهره لمشروع التسوية السياسية بداعي احتمال عودة رموز حزب البعث عن طريقه الى العملية السياسية. فيما لم يبد المرجع الاعلى للشيعة السيد علي السيستاني رأيا فيه مفضلا عدم لقاء وفد التحالف الذي زار مؤخرا النجف حتى لا يفسر على انه دعم للمبادرة.
في موازاة ذلك كثف الحكيم من تحركاته مؤخرا على الصعيد الداخلي والخارجي سعيا لكسب تأييد يؤهل المشروع للقبول لدى الاطراف المعنيةويؤمن له الدعم والغطاء الداخلي الاقليمي والدولي.
أما السنة وهم من الاطراف المعنية الرئيسة في التسوية المزعومة، فقد وضع تحالف القوى العراقية السنية رغم عدم اجماع اطرافها على ممثلين يحضون بالتأييد المكون، وضع شروطا مسبقة قبل منح الموافقة النهائية للمشروع منها تلمس خطوات تطمينية قبل دخول المبادرة حيز التنفيذ كعودة النازحين الى مدنهم المحررة والبدء بعمليات اعادة الاعمار اضافة الى منحهم مزيدا من الوقت لاعداد ورقتهم التي من المرجح ان تتضمن المطالبة باقامة دولة مؤسساتية مدنية والمحافظة على التوازن والمشاركةالحقيقية للاطراف في العملية السياسية فضلا عن الدعوة لاشراك مجلس الامن الدولي والاتحاد الاوروبي الى جانب الامم المتحدة ضمانا لتطبيق المبادرة والالتزام بها من قبل جميع الاطراف المعنية.
اما الكورد الذين يشكلون احد اهم الاطراف المعنية بالمبادرة التي "تشمل اقليم كوردستان ايضا" كما صرح الحكيم، فلم يحسموا موقفهم منها بعد ولو مبدئيا، اذ لم يبد الحزب الديمقراطي الكوردستاني او الاتحاد الوطني الكوردستان او حركة التغيير او الحزبين الاسلاميين (الجماعة الاسلامية والاتحاد الاسلامي) حتى الان رأيا واضحا فيها يمكن بناء التكهنات عليها، وحجتهم في ذلك هي عدم تسلمهم نص المبادرة حتى الان بشكل رسمي. ولكن في ضوء النص الاولي للمبادرة المنشور وكذلك التسريبات الاعلامية حول مضمونها، ربما سيصدم الكورد ما تحتويه من الامور التي تمس تطلعاتهم في الصميم، واعني بذلك مسالة الاستقلال عن العراقوالمناطق المتنازع عليها التي حددت المادة 140 من الدستور آلية لحل الخلافات حولها.
فأولى ثوابت التسوية المقترحة تؤكد بقوة على "الإيمان والالتزام قولاً وفعلاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً والحفاظ على سيادته واستقلال قراره وهويته ونظامه الديمقراطي البرلماني الفيدرالي ورفض تقسيمه تحت أي ظرف"في تباين واضح مع ما يردده الكورد في الاونة الاخيرة او على الاقل الحزب الديمقراطي من قرب الاقدام على خطوة الاستقلال عن العراق واعلان الدولة، ولعل هذه هي النقطة التي ادت الى تردد بعض الاطراف الكوردية من ابداء تأييدها للمبادرة.
النقطة الثانية المثيرة لريبة الكورد من المبادرة وهي السبب في تريثهمفي اطلاق الاحكام المسبقة عليها هي ما جاء في ثوابت التسوية من "رفض جميع أشكال التغيير الديموغرافي التي مارسها النظام البعثي الصدامي، ومعالجة جميع آثار التغيير الديموغرافي سابقاً ولاحقاً" فمن الواضح ان المقصود من "لاحقا" هو المناطق المحررة من قبل قوات البيشمركة ضمن المناطق المتنازع عليها خلال المعارك ضد مسلحي "داعش" والتي طالما اكد القادة الكورد على عدم انسحابهم منها بعدتضحيتهم بالدماء من اجل استعادتها من سيطرة التنظيم المتطرف.
وشكل الكورد منذ عام 2003 حليفا استراتجيا للشيعة في بناء العراق الجديد وادارته بعد نظام صدام حسين، الا ان مرض جلال طالباني الرئيس العراقي السابق مهندس التحالف والمدافع العنيد عنه، تراجعت العلاقات بين الجانبين وسادت الخلافات حتى وصلت في بعض الاحيان الى حد التوتر وتبادل التصريحات النارية، وفي ظل هذه التشنجات من المستبعد ان يحسم الكورد وهم احد عناصر التسوية الرئيسيين امرهم قريبا في الموافقة على المشروع الشيعي او رفضه ما سيصعب مهمة التحالف الوطني الشيعي الراعي للتسوية فبدون الكورد تكاد تكون مهمة ايجاد صيغة لادارة الحكم بعد "داعش" صعبة للغاية ان لم تكن مستحيلةاصلا.
*صحفي من كوردستان العراق
التعليقات