يخوض إخواننا في سجون الاحتلال الصهيوني إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ أزيد من عشر أيام احتجاجا على الظلم و انتهاك كرامتهم و حقوقهم من قبل المحتل الإسرائيلي، ولا يسعنا إلا التعبير عن تضامننا المطلق مع هؤلاء الأسرى الذين دفعوا الغالي و النفيس من أجل تحرير شعبهم المحتل، ونؤكد تضامننا مع الشعب الفلسطيني الذي لازال يعاني من سطوة الاحتلال وندعو لهم بالنصر و التمكين وهو قريب لا محالة، مصداقا لقوله تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) (البقرة الآية 214 ).
فالحرية والكرامة لا ثمن لها فهي سلعة غالية ثمنها إذا فقدت الدم، و هو الثمن الذي يدفعه شعبنا في فلسطين منذ أزيد من قرن فقد قاوموا المحتل الانجليزي ومن بعده المحتل الصهيوني، الذي لازال يسفك الدماء وينتهك الحقوق، ولا نلوم هذا المحتل فهو يصنع ما يخدم مصلحته و مصلحة شعبه، لكن اللوم كله يقع على عاتق الحكام العرب بالدرجة الأولى الذين باعوا شعوبهم و دمروا مستقبلهم وجعلوهم عرضة للتخلف و الفقر، و بالتالي الاحتلال و التدخل الأجنبي السافر...
عذرا يا فلسطين...فلست وحدك من تعيشين تحث وطأة الظلم والجور و انتهاك الكرامة و حقوق العباد و البلاد، فالمستضعفين و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها أصبحوا كثر، ففي كل أقطار العالم العربي الممتد من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر تتناسل مشاهد الظلم والقهر، و لسنا في حاجة إلى تأكيد ذلك، فساعة واحدة أمام قناة إخبارية، كفيلة بإعطاء صورة موجزة عن حال الأمة...
حال يرثى له فعلى الأقل في فلسطين يعرف شعبها أن عدوه هو محتل غاصب من غير بني جلدته، أما بباقي البلاد العربية فسفك الدماء وتشريد الآمنين و ترويعهم و انتهاك حقوقهم يتم بأيدي بني جلدتهم ومن قبل إخوانهم في الوطن والدين، فالشعب اليمني يقصف و يشرد بأيدي و أموال عربية، ونفس الأمر في سوريا وليبيا و العراق... 
و حتى تلك البلدان التي لا تتصدر في الغالب قصاصات الأخبار الساخنة،فإنها لم تسلم من سطوة الاستبداد و الطغيان، فباقي البلدان العربية تعاني من نقص شديد في الحريات المدنية والسياسية، وتخلف على جميع الأصعدة مع استبداد و نهب مستمر لقدرات و إمكانات الشعوب.. فالإرادة العربية بمجملها لازالت مكبلة و مقيدة، وإن اختلف الطغاة فإن مذهبهم و هدفهم واحد: قتل كل إمكانية لتحرر هذه الشعوب و جعلها تتنفس الحرية و الديمقراطية وتختار نموذجها في الحكم والتنمية وفق إرادتها الحرة والمستقلة..
كلنا يا فلسطين فاقدوا للإرادة الحرة، فالشعوب خاضعة لسطوة الاستبداد الأعمى و الفرعونية السياسة، و الأدهى أن هؤلاء الطغاة أسود على شعوبهم ومعارضيهم، وأرانب على سادتهم الأجانب فهم يسبحون بحمد "ترامب" و"بوتين" و لا يستطيعون التنفس إلا بإذن مسبق من قبل سادتهم الأجانب و منتهى أمانيهم الحصول على صورة مع "ترامب" او "بوتين" لتسويقها لشعوبهم باعتبارهم من العظماء و الفاتحين الذين يملكون مفاتيح السياسة الدولية والإقليمية، و الواقع أن الحكام العرب أكثر فقدانا للحرية وللكرامة من شعوبهم التي دمروها وأفسدوها...فهم جهال في السياسة و حسن تدبير شؤون بلدانهم...فهم السبب المباشر فيما تعانيه هذه الشعوب من تخلف و تفكك و تدخل أجنبي، هم المسئولون عن كل هذه الدماء المسفوكة و الحقوق المنتهكة، و عن هذه العقود التي عاشتها الشعوب في ظلمة التخلف و الجهل و الفقر.. 
فالشعوب أفضل كرامة و إرادة من حكامها، فالشعوب على الأقل مكرهة على الخضوع بفعل سياسة الحديد والنار و الخوف من شلال الدماء..، لكن حكامنا العرب ما عذرهم؟ هل هناك مانع من أن يتركوا سلطانهم ليعيشوا أحرارا، لاسيما و أنهم جمعوا من الأموال و الثروات مايكفيهم وأهليهم لقرون؟وهل هناك مانع من أن يطلقوا الحريات المدنية والسياسية لشعوبهم وأن يقفوا في وجه الفساد و الإفساد الذي يتم في السر والعلن؟ وهل هؤلاء الحكام أكثر خوفا على هذه الشعوب من الشعوب ذاتها؟و هل وصل العقم بهذه الشعوب عن إيجاد بدائل لهؤلاء الطغاة؟..
الواقع أن سيل الاسئلة من الصعب أن ينتهي، لكن من المؤكد أن عقود التيه الذي تعيشه الأمة العربية أفقدها الكثير من الدماء و الموارد، و استمرار الخلافات بين الشعوب لن يسهم إلا في استمرار مسلسل الانحطاط و التخلف، المسؤولية تقع بالدرجة على الحكام العرب، لكن لابد أن نقر بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فأغلب هؤلاء الحكام لا يصلحون لتدبير شركة فكيف بتدبير مصير شعب، لكن على القوى الحية في صفوف الأمة أن تتوحد حول المقاصد الكبرى التي توحد أكثر مما تفرق، ولعل أهم هذه المقاصد
الحرية والتحرر من كل طغيان سواء كان مصدره أجنبي أو محلي...
و حقن دماء أفراد الأمة، و حماية حقوق الناس و كرامتهم و أعراضهم وأموالهم...
الاتفاق على خارطة طريق للمستقبل و في مقدمتها القطع مع الاستبداد السياسي و فتح المجال لحرية اختيار الحاكم بشكل حر و نزيه بعيدا عن العنف و الترهيب...
هذه بعض من المقاصد الكبرى التي تحظى بقدر واسع من التأييد من قبل الناس، نقطة الانطلاق هو الوعي بمخاطر الوضع القائم، نأمل خيرا في شباب و شيب الأمة و في رجالها و نسائها، فالسكوت ليس علاجا لهذه الجراح و الماسي و تنامي الاحتجاجات الفردية والجماعية هو مؤشر ايجابي على اقتراب ساعة التغيير، و الخروج من تيه الأمة و طغيان الأنظمة...و الله غالب على أمره...
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي.