أصدرت "حماس" يوم الثلاثاء الثاني من الشهر الجاري وثيقتها السياسية المكونة من 42 بندا. بعد قراءتي المتواضعة لها والتمعن في بنودها، وجدت في هذه الوثيقة السياسية الكثير من المتناقضات. وفي هذه العجالة سوف أشير فقط الى البندين رقم (19) ورقم (20) الذين ينصان على الاتي: 
البند 19: لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وان كل ما طرأ على ارض فلسطين من احتلال او استيطان او تهويد او تغيير للمعالم او تزوير للحقائق باطل، فالحقوق لا تسقط بالتقادم. 
البند 20: لا تنازل عن أي جزء من ارض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض حماس أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا، من نهرها الى بحرها. ومع ذلك – وبما لا يعني اطلاقا الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية – فإن حماس تعتبر ان إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو 1967م، مع عودة اللاجئين والنازحين الى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة. 
السؤال الى قادة "حماس": إذا لم تعترفوا بشرعية الكيان الصهيوني، مع من ستتفاوضون لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967م؟ وهل تعتقدون ان قادة إسرائيل بهذه السذاجة والجهل بحيث يوافقون على الجلوس معكم مباشرة او مع من يمثلكم للتفاوض حول إقامة الدولة التي تنشدونها دون مطالبتكم بالاعتراف بدولتهم رسميا وتوثيق مثل هذا الاعتراف في كل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؟ الدولة التي تنشدونها في هذه الوثيقة لا تزيد مساحتها على 23% فقط من مساحة فلسطين التاريخية.
اعتقد ان هذه الوثيقة تهدف الى محاولة فك العزلة الدولية المفروضة على "حماس" منذ انتفاضات الربيع العربي، وإرضاء مصر عبر التظاهر بفك الارتباط مع الاخوان المسلمين الذين يمثلون رأس البلاء في كل البلدان العربية، والتخفيف على حليفيها – تركيا وقطر – من الضغوط التي تمارس عليهما من قبل بعض الدول الكبرى.
الكثير من المفكرين، سواء من العرب او الغربيين، يعتقدون باستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة بسبب استمرار مشروعات الاستيطان والتهويد وجدار الفصل العنصري، ويرون ان الحل الوحيد في فلسطين هو قيام دولة ديمقراطية واحدة يعيش فيها الفلسطينيين واليهود جميعا على قدم المساواة.
فكرة الدولة الواحدة ليست وليدة اليوم، ففي عام 1925م طرحت جماعة "بريت شالوم" الصهيونية مشروع الدولة الواحدة ثنائية القومية، حيث يقتسم العرب والمستوطنون اليهود فلسطين ويتعاونون سويا. وفي عام 1942م دعت جمعية "إيحود" - وتعني الوحدة او الاتحاد – الى إقامة دولة عربية يهودية مستقلة تضم العرب واليهود معا. لم تنجح تلك الدعوات، ربما لأن الوقت لم يكن مناسبا.
في العام 1973م، تبنى اليسار الفلسطيني رؤية الدولة الواحدة ثنائية القومية، وقد تكررت في أديباتهم الداعية للقضاء على الفكر الصهيوني العنصري والاستيطاني، على مدى عقود متتالية. كما طرحها في العام 1999م المفكر الفلسطيني الدكتور "إدوارد سعيد" في الأوساط الغربية بقوله: "لكي نقابل ادعاء الصهاينة بحقهم في فلسطين التاريخية، علينا ان نؤكد على وجود الشعب الفلسطيني الذي له كامل الحقوق المشروعة في ارضه". وفي شهر نوفمبر من العام 2007م، طرح مشروع الدولة الواحدة ثنائية القومية على الصعيد الفكري الدولي، حيث أصدرت عشرات الشخصيات الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والدولية، بيان "اعلان الدولة الواحدة" وفيه اعتراف صريح بالروابط التاريخية للفلسطينيين واليهود في كل أراضي فلسطين.
اما أستاذة العلوم السياسية في كلية هوبارت الامريكية "فيرجينيا تيلي"، فقد كتبت: "تجربتي في القدس، وبيت لحم، وأوروبا، وجنوب افريقيا، وحوارات الانترنت، جميعها أكد ان موت حل الدولتين أصبح حقيقة مؤكدة، واشبه بوجود فيل كبير في غرفة صغيرة. وهذا ما يتفق عليه الدبلوماسيون، والناشطون في شؤون حقوق الانسان، ومسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والمنظمات اليهودية، والشارع العربي، حيث أصبح خيار الدولة الواحدة حتميا بالنسبة لكل هؤلاء. 
في اعتقادي الشخصي، ان حل الدولة الواحدة الديمقراطية ثنائية القومية الذي يضمن حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة الى ديارهم الاصلية، يعني ان سلطة الحكومة ستكون اغلبيتها من الفلسطينيين عاجلا ام آجلا، وان الكثير من اليهود الأوروبيين والامريكيين قد يعودوا الى بلدانهم الاصلية في المستقبل، كما حدث في جنوب افريقيا. 
قد يقول البعض ان إسرائيل لن تقبل بقيام مثل هذه الدولة، وهذا امرا واردا بل حتميا. حينها على المجتمع الدولي ان يقوم بدوره في حماية حقوق الفلسطينيين بتمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة طبقا للقرارين الدوليين رقم 242 و338 اللذين ينصان على الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967م. على الفلسطينيين والعرب ان يفكروا خارج الصندوق، ويأخذوا العبرة من حكيم افريقيا المرحوم "نيلسون مانديلا".