قمة البحر الميت الاخيرة وفي القمم العربية قبلها وعند الحديث عن القضية الفلسطينية تبقى المملكة العربية السعودية الوحيدة التي تتجه للحلول العقلانية الواقعية للصراع الاسرائيلي الفلسطيني ولاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

يكفي العودة الى المبادرات التي انطلقت من الدول العربية ومن الاجتماعات واللقاءات والتحركات الدبلوماسية العربية منذ العام 1967 وحتى اليوم, لنرى ان موقف المملكة العربية السعودية هو العملي والبرغماتي الوحيد الذي يحسب الحسابات الدولية والمتغيرات على ساحة الدول العظمى ويرى بواقعية تامة, ان اسرائيل لم تقم لكي يتم محوها عن الخريطة بخطبة عصماء او بكلمة نارية في تظاهرة مليونية او الكتابة على صاروخ فجر او عصر او مساء او حتى زلزال, الوضع بعد حرب حزيران 67 لم يتكون من تلقاء نفسه وهناك قوى عظمى عملت لرسمه وتحويله لواقع جديد وتحد للامة العربية التي افاقت على هزيمة لم تحلم بها من قبل او قل لم يشأ زعماؤها انذاك ان يعلموا شعوبهم بانهم لن ينتصروا على اسرائيل.

فلو ذهبنا الى الوراء الى سنوات السبعين من القرن الماضي نجد ان من حاول حل المسألة الفلسطينية على اساس حدود 67 كان الملك فهد بن عبد العزيز فيما عرف انذاك بورقة الملك فهد والتي تحدثت حينها عن حل عادل واقامة دولة فلسطينية في حدود 67 وانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها في حزيران 67 والتعامل معها على اساس القبول بحل الدولتين وبحسب المواثيق الدولية, حينها رفع بعض العرب جباههم ورفضت اسرائيل هذا المقترح ولكن الجامعة العربية اقرته اكثر من مرة في اجتماعاتها اللاحقة في وقت كانت مصر مطرودة من الجامعة العربية بسبب معاهدة كامب ديفيد التي ابرمها الراحل انور السادات مع اسرائيل, والتي رفضها الفلسطينيون قبل العرب انذاك.

وقال لي بعض الثقات من الاخوة الذين عاصروا المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز انه, جمع قيادة منظمة التحرير برئاسة ياسر عرفات وطلب منهم تقديم ورقة بطلباتهم والحد الادنى الذي يمكنهم التنازل فيه لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبعد مداولات ونقاشات خلص المغفور له بمقترح سمي فيما بعد بورقة الملك فهد والتي كانت اختراقا لكثير من المسلمات العربية والممانعات والمزاودات وتسابق العرب على رفع سقف الفلسطينيين الى حد انعدام اي امكانية للحديث مع دول العالم او التخاطب مع اسرائيل.

ورقة الملك فهد اسست بالتالي للمبادرة العربية التي طرحها المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزير في قمة بيروت 2002 وجاء الاجماع العربي مرة اخرى على موقف المملكة العربية السعودية العقلاني العملي الذي رأي نصب عينية مصلحة الشعب الفلسطيني الذي يستحق الحياة بحرية واستقلال على ارضه بالعدل الممكن لا المطلق كما تراه المملكة بحيث تنبثق هذه الرؤية من محاورة قيادة الفلسطينيين وبحث امكاناتهم ومحاور تنازلاتهم او حدود الثوابت وهنا تجدر الاشارة الى ان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز احضر اليه الصحافي الاميركي اليهودي توماس فريدمان وتحدث معه لامر حل يرضي الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وقال الملك للصحافي اليهودي ان لدى اللملكة خطة سلام , اطلق عليها الصحفي الاميركي فريدمان فيما بعد اسم مبادرة الملك عبد الله, الا ان الملك عبد الله اصر ان تسمى المبادرة العربية.

الملك سلمان وفي قمة البحر الميت اعاد القضية الفلسطينية الى الواجهة بالرغم من اشتعال القلاقل والمشاكل والحروب الداخلية في بعض الدول العربية من سوريا الى ليبيا الى اليمن الى لبنان والعراق وغير ذلك من تحديات الارهاب التي تقف في وجه الدول العربية ومسائل اخرى كبيرة لا تقل اهمية عن فلسطين.

اللافت ان جهود المملكة تعدت منظمة التحرير وفتح لتصل الى حماس التي اعلنت عن قبولها حل الدولتين بضغوط سعودية وذلك ايمانا من قادة حماس باعادة الحركة للمحور السني المعتدل في مواجهة محور ايران الممانع, اضف الى ذلك جهود ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان خلال لقاءاته بالولايات المتحدة ومع الرئيس الاميركي دونالد ترمب في هذا المضمار حيث اقترح سمو الامير عقد مؤتمر للسلام في الولايات المتحدة لبحث المسألة الفلسطينية

على اساس المبادرة العربية الامر الذي لاقى استحسانا من سيد البيت الابيض والذي طرح الموضوع بدوره على كل من العاهل الارني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد ان تلقى موافقة اسرائيلية بهذا الخصوص وقد يتم عقد المؤتمر في سبتمبر المقبل ويجري التحضير من خلف الكواليس لانجاحه.

في ضوء ما تقدم يمكننا, وبوضوح ان نرى ان دور المملكة العربية السعودية حتى وان لم يحظ بالاعلام الموسع او قل لان المملكة لم تكن تبحث عن الاعلام في حل قضية فلسطين, يبقى الدور السعودي العقلاني والعملي الوحيد على الساحة العربية دون مزايدات او اطلاق الشعارات الرنانة والمدوية والتي تكون عادة فقاعات للاستهلاك الداخلي دون دراسة او برنامج عملي لمساعدة الفلسطينيين في نضالهم الطويل من اجل الدولة والاستقلال.