عندما سأل احد الصحفيين العرب في مقر جامعة الدول العربية قبل سنوات الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية القطري الأسبق عن كيفية الجمع بين المواقف السياسية المتناقضة لدولة قطر ازاء قضايا المنطقة وشبه ذلك كمثل الذي يلعب بالنار ؟ فأجابه الوزير حمد بن جاسم آل ثاني مبتسما أن اللعب بالنيران في احيان كثيرة ممتع ومثير؟؟
استحضرت فجر اليوم في ذهني تلك الصورة وانا اتابع تداعيات بيان وكالة الانباء القطرية الصادم وردود افعال المعلقين عليه فقد ارسى الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في تلك المقولة الشهيرة منذ ذلك التأريخ شكل السلوك السياسي لقطر.
وبغض النظر عن النفي الرسمي القطري لصحة صدور البيان واتهام جهات غير معروفة بقرصنة موقع الوكالة فأن كثيرا من المراقبين والصحفيين لم يستغربو ما جاء من مواقف في بيان قطر فهي في الواقع متسقة مع مجمل مسار المواقف القطرية وذراعها الإعلامي قناة الجزيرة منذ سنوات عديدة فهي لا تغرد خارج السرب كما يقال في الأمثال انما هي لها سرب خاص من الطيور تغرد لهم.
ولو كانت السياسة تقاس بالأحساس لحلفت يمينا ان البيان هو محاولة قطرية لتسريب مواقف حقيقية من قضايا عدة وبالتالي قياس جس النبض عليها ومن ثم فالتبرير جاهز ان البيان غير صحيح ومدسوس في زمن الاختراقات المعلوماتية المعروفة .. نحن امام حالة من التسريب والنفي ومثلما يقول دهاقنة الإعلام ان النفي في حالات كثيرة هو اثبات ومع تفاصيل البيان المزعوم فان سؤالا يطرح نفسه من حيث التوقيت ياتي بيان الوكالة المنسوب لحديث امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد اربعة وعشرين ساعة من انتهاء انجح قمة عربية خليجية إسلامية نادرة مع الولايات المتحدة الامريكية بذلت فيها السعودية جهدا وعملا دؤوباً لأنجاحها وبلورة موقف عالمي من قضيتين حساستين أرقت المنطقة الا وهما الأرهاب والتصدي للتدخلات او التوغلات الإيرانية في الأمن القومي العربي.
ومع ان الأخوة في قطر قد نفوا رسميا صحة هذه الاقوال فهذا شيء جيد لكننا من نصدق النفي ام الوقائع على الارض فخذ بعض الأمثال ان سبب وجود قاعدة العديد لدرء الخطر عن قطر من الدول المجاورة وهذا امر معروف واما احتضان حركة الأخوان المسلمون ودعمهم وتمويلهم فهو امر ايضا واضح ومشهود والعلاقة مع إيران وقنوات الاتصال فهي كذلك بينة منذ مقولة الشيخ بن جاسم الشهيرة ع قناة الجزيرة ( نحن نكذب عليهم وهم يكذبون علينا ) اضافة الى الزيارة الشهيرة للأمير الوالد السابق الشيخ حمد آل ثاني الى ديار حزب الله وفتح لهم صنبور الملايين من الدولارات ومن ثم ان حماس ممثل شرعي للفلسطينين ليس جديدا فقطر تكاد تكون الحاضنة الاساسية والغطاء العربي لحركة حماس المتفرعة من جماعة الأخوان المسلمين الأرهابية والسيد خالد مشعل يستقر بشكل دائم في عاصمتها الدوحة.
واسرائيل وعلاقتها بقطر فلا تحتاج لجهد منقب فالشيخ حمد بن جاسم في عام 2006 ووسط الصواريخ والقصف الجوي والبحري كان يتنقل بطائرته الخاصة بأمان وسلاسة بين تل ابيب وبيروت .. كما ان حركة طالبان لها مقر دائم في الدوحة ومعاداة اكبر دولة عربية هي مصر لمصلحة من؟
اما قناة الجزيرة فهي تقود حملة تشهير وتشويه لموقف دولة عربية شقيقة امتدت اياديها وقدمت تضحيات جسام لتطهير عدن ومدن اخرى من براثن الحوثيين والقاعدة والمخلوع ونشرت الأمن والسلام واعادت الحياة الطبيعية لملايين من الاخوة اليمنيين كلها من اجل خدمة اخوان اليمن وحزبهم الأصلاحي المنبوذ في كل جنوب اليمن العربي وهي نفس القناة التي كانت تسهرنا الليالي بعواجلها وتنويهاتها عن سبق الحصول على حق البث الحصري من شركة سحاب الذراع الإعلامي للقاعدة للبث حصريا بالصوت والصورة لزعماء القاعدة والارهاب العالمي وتلقبهما بالشيخين بن لادن والظواهري؟ كثيرة هي المواقف والسياسات القطرية المتعارضة بل والمضادة لمواقف ومصالح وتوجهات مجلس التعاون الخليجي ولا داع لذكرها.
ألا أن على الأخوة في قطر ان يدركوا أن متغيرات حصلت في المنطقة لا قبل لهم على مجاراتها وعليهم الانخراط في تطلعات وهواجس اخوتهم في مجلس التعاون لأنها هي حاضنتهم الحقيقية ومن دونها ستنكشف قطر على اخطار جمة تهدد سلامتها وان محاباة المواقف الإيرانية لا تضمن نجاتهم من مسلسل الاستهداف الصفوي والتوغل الإيراني فبيروت لا موارد فيها تغري ولا بلاد الشام كذلك لكن إيران تقاتل هناك من اجل نفوذ جيبوليتيكي واستراتيجي فكيف قطر وهي الغزال الشارد الذي يسرح ويمرح في مرعى أخضر لا يبعد عن حدود إيران سوى نصف ساعة بحرا ؟؟
قطر الدولة العربية والشعب العربي الأصيل امامهم فرصة تاريخية للعدول عن تلك السياسات المدمرة وهم يعرفون جيدا ان الجو العام الان في الغرب يكيل لهم الاتهامات بتمويل الارهاب ودعمه وهذا ما قالت به الحكومة القطرية نفسها قبل ايام من بيان الوكالة المدسوس.
قطر وبعيدا عن تداعيات البيان المكذوب بحسب تصريح الشيخ سيف آل ثاني مسؤول الاتصال الحكومي تحتاج الى وقفة جادة وكما يروى فقلما يفلح السياسيون طوال حياتهم فهم ان لم يخنهم ذكاؤهم تخذلهم الظروف والسياسة نلعب بها احياناً لكنها في احيان كثيرة تلعب بنا وان سياسة اللعب بالنيران المثيرة ربما ستكون أكثر أثارة حينما يحترق بها اللاعبون انفسهم امام المشاهدين.
- آخر تحديث :
التعليقات