الواحد، المتعدد، الوجوه المتعددة للكون، سواء في في مستواه اللامتناهي في الصغر أو مستواه اللامتناهي في الكبر، الواحد المطلق يضم التعدد النسبي، وكل وجه للتعدد النسبي ما هو إلا انعكاس أو تمثيل للواحد المطلق، هذه هي المعادلة الكونية لأطروحة تعدد الأكوان، ونموذج التعدد الدوراني أو الحلقي التعاقبي le modèle multicycle، وهي تستند على الأدلة والحجج والدلائل والمباني والذرائع والعلة والمعلول والسبب والنتيجة للخروج من مأزق التناقضات والمفارقات والألغاز العويصة أو العصية على التفسير.
الكون المرئي ما يزال يتوسع كما أثبتت ذلك التلسكوبات الأرضية والفضائية المتطورة ولكنه إلى أين يتجه؟ هل هناك فضاء خارج الكون المرئي يمكنه أن يحتوي توسعه في الفراغ؟ وإلى متى سيستمر هذا التوسع وما هي نتائجه المتوقعة منطقياً وعلمياً؟ إنه التجمد الكوني أو الموت الجليدي للكون المرئي، كما يتوقع أصحاب هذا السيناريو. ولكن هناك من يقول أنه سوف يصل إلى مرحلة سيضطر عندها أن ينعكس فيها بحركته نحو داخله أي يتقلص وينكمش، بيد أن هذا الافتراض يتطلب وجود كتلة كونية هائلة إضافية وطاقة كونية لا محدودة وغير قابلة للفناء أو النفاذ. والحال أن الكون لايملك في الوقت الحاضر سوى أقل من نصف الكتلة الضرورية واللازمة لعملية التقلص والإنكماش الكبير أو العظيم المطلوبة، فكل ما فيه لايكفي لحدوث الحركة المعاكسة، بما في ذلك المادة المشعة الملموسة، والكتلة والمادة الموجودة في الهالات المجرية وبين المجرات، وكل ما يمكنه أن تقدمه النيوترينوات neutrinos للكتلة الكونية الكلية في الكون المرئي، خاصة وإن أحد الدلائل أو البراهين جاءتنا من العدسات الثقالية “lentilles gravitationnelles” لتثبت فرضية الكون المفتوح على اللانهاية، وهي العدسات التي تحرف الضوء وتنتج عملية الانزياح الضوئي والوهم البصري، وكذلك تحليل انفجار المستعر الحراري السوبرنوفا من نوع آي أ Ia الذي يثبت للعلماء أن التمدد والتوسع الكوني للكون المرئي أو المنظور لا يتباطأ بما فيه الكفاية لكي يعطينا كوناً منغلقاً وبالتالي هناك 40 % من أصل 80 % من المادة الضرورية غير متوفر لإحداث حالة " الإنسحاق الكبير أو العظيم grand écrasement المعاكسة لحدث الانفجار العظيم والتضخم الهائل، وعلاوة على ذلك فإن هذه الشحة في الكتلة تشكل مشكلة وعقبة أمام دعاة فرضية التضخم العظيم المفاجيء والفوري بعد الانفجار العظيم البغ بانغ وهي النظرية الرائجة والمهيمنة حالياً مما يقود بعض العلماء للعودة إلى فكرة الكون المسطح univers “plat، و لا توجد أية آلية معروفة عن حدوث قفزة جديدة لبدء جديد لحلقة تعاقبية جديدة بعد وقوع الانهيار والانسحاق العظيم حسبما تقول نظرية التعاقب الدوري للكون المبني على فرضية السبب والنتيجة والعلة والمعلول cause à effet.
مالعمل؟ هل يكمن الجواب في دحض مبدأ السبب والنتيجة والعلة والمعلول؟ بعض علماء الفيزياء المعاصرة يؤكدون أن ميكانيك الكموم أو الكوانتوم ينتهك مبدأ السبب والنتيجة، وبإمكانه أن يخلق شيئاً من لاشيء. ولقد كتب العالم الفيزيائي الذي يعتقد بعملية الخلق الكوني من قبل قوة كونية سامية خارج الكون المرئي وهو بول ديفز Paul Davies بهذا الصدد رداً على من يعتقد بعفوية الوجود لكوني وذاتيته بعيداً عن الإرادة الربانية:" بأن الزمكان الآينشتيني يمكن أن ينشأ من العدم نتيجة تقلبات وتفاوتات وارتجاجات كمومية أو كوانتية وانتقالات كمومية حيث تظهر نتيجة ذلك جسيمات أولية لامتناهية في الصغر من العدم أو من اللاشيء أو من الفراغ الكوموي أو الكوانتي بدون سببية موجبة أو محددة sans causalité spécifique، والحال أن العالم الكوانتي أو الكمومي ينتج على نحو منتظم شيء ما من اللاشيء، أقول أن هذا هو نوع من سوء التطبيق أو سوء الفهم وعدم الإدراك للميكانيك الكمومي أو الكوانتي الذي لايمكنه أن ينتج شيئاً من لا شيء فهذا الطرح لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد فالنظرية التي تقول أن الكون المرئي نشأ من تقلبات وترجرجات وتفاوتات أو تذبذبات كمومية أو كوانتية في الفراغ الكمومي أو الكوانتي Les théories postulant que l’univers est une fluctuation quantique”، عليها أن تفترض وجود شيء سابق عن كوان كمومي أو كوانتي في حالة تذبذب وتقلب وتأرجح في الفراغ الكمومي أو الكوانتي الذي لانعرف ماهيته على نحو دقيق، فهذا الفراغ الكمومي هو قيمة كامنة لكون هائل لا محدود من المادة والمادة المضادة matière-antimatière وهو بالتالي ليس " لا شيء " وليس " عدم"، وأضاف ديفز قائلاً :" وبالإضافة إلى ذلك، لدي خبرة نظرية وعملية كبيرة لميكانيكا الكم (QM) المكتسبة خلال عملي على أطروحتي للدكتوراه. على سبيل المثال، ظاهرة الطيف الراماني la spectroscopie Raman est un phénomène MQ, الذي هو ظاهرة كمومية أو كوانتية بامتياز، ولكن من عدد الأمواج وشدة النطاقات الطيفية، يمكن للمرء حساب كتلة الذرات والثوابت الكونية و قوة الروابط التي تنتج العصابات الرامانية. وإذا كنا نريد تدعيم موقف الملحد، بأن الكون ولد من دون أي سبب، فإننا سنجابهه بعصابات رامان des bandes Raman الناشئة دون أن تكون ناجمة عن التحولات في الحالات الموسومة بحالات التقلبات أو التأرجحات والتقلبات و الذبذبات الكمومية أو الكوانتية، أو جسيمات ألفا des particules alpha التي تظهر بدون نوى موجودة مسبقاً، إلخ وإذا كان QM الميكانيك الكمومي مجرداً من السببية كما يعتقد بعض الناس فإننا لا ينبغي لذلك أن نفترض أن هذه الظواهر لها سبب. ففي هذه الحالة، لم يبق لي سوى حرق أطروحتي للدكتوراه، كما يجب أن تتوقف عن الصدور جميع المجلات التي تنشر تجارب ونتائج التحليل الطيفي، وكذلك جميع البحوث في مجال الفيزياء النووية.
وبالإضافة إلى ذلك، إذا لم يكن هناك سبب لظهور الكون المرئي، ففي هذه الحالة لا يمكننا أن نفسر لماذا ظهر هذا الكون بخصائصه التي نعرفها و في هذا الوقت المحدد، أو لماذا كان الكون قد انبثق بدلا من ظهور تفاحة أو قطة، لذا فإن هذا الكون لا يمكن أن يكون بهذه الخصائص التي يتمتع بها و التي من شأنها أن تفسر ولادته التفضيلية عفوياً أو بالصدفة المحضة لأنه لا يملك أية خصائص أو ميزات قبل لحظة ولادته. بيد أن العالم البريطاني الفذ ستيفن هوكينغ أصر على أن كوننا المرئي لم يخلق على يد خالق أو هو ليس بحاجة إلى خالق لكي يوجد ما يعني أن هناك علماء فيزياء مرموقين اثبتوا أن الله لم يخلق الكون. ومن بين هؤلاء فريق بحث كندي تصدى لهذه المسألة الضخمة التي أقلقت مضاجع العلماء والفلاسفة والمفكرين ورجال الدين منذ فجر التاريخ لأنها عدت من بين أهم ألغاز الوجود أهمية وخطورة. ولقد سعى الفريق الكندي إلى إثبات استقلالية الكون المرئي عن إرادة الخلق الربانية التي تشكل الأساس الذي تستند عليه كافة الأديان السماوية وكانت نتائج أبحاثهم قد شككت في ضرورة الدين وعدم الحاجة إلى خالق قادر على كل شيء كأساس لكافة الأديان في العالم ويبنون فرضيتهم على وجود عدد لا نهائي من الجسيمات اللامتناهية في الصغر حتى اصغر من الكواراكات بكثير تسمى الجسيمات الإفتراضية وهي موجود في كل مكان وزمان وتنتج من اللاشيء باستمرار إثر تفاعلات كمومية أو كوانتية، وإن هذه الجسيمات الإفتراضية تحتوي على كمية ضئيلة جداً من الطاقة وتعيش لفترة زمنية غاية في القصر ولكن هناك صعوبة في شرح وتفسير كيف أمكن لهذه الكمية الصغيرة من الطاقة أن تقود إلى ظهور كون مرئي شاسع ومهول ككوننا. ترأس البروفيسور مير فيصل فريق العمل والبحث الكندي في قسم الفيزياء والفلك في جامعة واترلو في أونتاريو في كندا وطبق معطيات نظرية الخلق الكوني في عملية محاكاة في كمبيوتر عملاق فائق القدرة. وتعاطى بجدية مع نظرية التضخم الكوني باعتبارها مفتاح الحل مع اللجوء إلى بعض التفكير الرياضي المذهل، ونظريتين فيزيائيتين حديثتين. ومعهما محاولة التلاعب بثابتين أساسيين وجوهريين هما طول بلانك La longueur de Planck وزمان بلانك de Planck le temps، فطول بلانك هو وحدة قياس مكانية متناهية في الصغر أي هي أصغر مكان ممكن في الوجود ولا يوجد ما هو أصغر منه ونفس الشيء بالنسبة لزمان بلانك الذي هو أصغر وحدة قياس زمنية في الكون المرئي وهما من الصغر بمكان بحيث يتوقف عندهما المكان والزمان الماديين عن الوجود ويصبحان صفراً. إلى جانب مساهمة معطيات النظرية النسبة الخاصة المضاعفة التي تعزز وتستغل الطاقة الهائلة المتاحة والناجمة فقط بعد ولادة الكون المرئي إثر الانفجار العظيم. ووفقاً لنظرية التضخم الكوني والطاقات الكونية ومدة حياة الجسيمات الإفتراضية القصيرة جداً التي تظافرت كلها لتتضخم بشكل مكثف من أجل انبثاق كوننا المرئي قبل 13.85 مليار سنة. ولم يقتصر عمل الفريق العلمي الكندي فقط على مسألة كيف جاء الكون من لاشيء. فهذا الموضوع غير وارد في خضم الاكتشافات العلمية المذهلة المتحققة واستناداً إليها باتت المسألة أعلاه خارج الموضوع وخارج الطرح فالكون المرئي هو دائماً " لا شيء" فشيء ما لا يأتي من لا شيء إذ أن الكون نفسه هو لاشيء والفرق الوحيد هو كونه أكثر أناقة وتنظيماً. و لا ننسى أن الطاقة الثقالية الكامنة سلبية وطاقة المادة إيجابية في الكون المرئي قامتا بالتعويض الأساسي المطلوب وكانت المحصلة صفراً. ورداً على سؤال إذا كانت النتائج اللافتة قد جاءت بهذا الاتجاه، وهذا الحل المعقد، يكفيان لإزالة الحاجة لشخصية الإله القادر والخارق من أجل أن يخرج الكون المرئي إلى الوجود، قال البروفيسور مير :" إذا كان المقصود بمصطلح الله هو كائن خارق ينتهك القوانين التي وضعها هو بنفسه فلا حاجة له و لا دور يلعبه في ظهور الكون وولادته ولكن إذا المقصود بالله هو ذلك الكائن الرياضي الخارق عندها يكون الجواب إيجابي، أي كشخصية البطل الرياضي المتحكم بالمصفوفة والخالق لها في فيلم " ماتريكس المصفوفة " والذي قصده العالم والبروفيسور مير ونوه إليه هو الأمر المعروف بــ " التضخم الكوني المفاجيء ووفق هذا المفهوم الفيزيائي فإن مجموع الطاقة الإيجابية الموجودة على شكل مادة هو الذي يعوض، على وجه الدقة والضبط الدقيق، الطاقة السلبية الموجودة على شكل ثقالة أو جاذبية بحيث يكون الناتج الإجمالي للطاقة الكلية للكون المرئي دائماً صفر. والحقيقة أن المقصود بمفردة " لا شيء" في هذا السياق يعني " غياب الطاقة وليس غياب قوانين الفيزياء. فالفيزياء في المكان أو الفضاء والزمان هي فقط الكم التقريبي لطبيعة هي في حقيقتها رياضية محضة تصف النظرية والزمان والمكان أو الزمكان وإن الهيكيلية أو البنية الكلية فيها هي نتيجة لنظرية رياضياتية بحتة. فالأمر يبدأ من قوانين الميكانيك الكمومي أو الكوانتي بحيث إن قياس طاقة أي نظام معطى في أي وقت يكون مكمماً أو كمومياً quantifiée مع اليقين المطلق. كما لا يمكننا من الناحية الجوهرية أساساً أن ندعي أو نؤكد أن نظاماً ما خالي من الطاقة أو ليس لديه طاقة في مرحلة ما. ويحدث مثل هذا الغموض بسبب ميكانيكا الكموم أو ا لكوانتوم التي يمكن أن تؤدي إلى خلق كمية صغيرة من الطاقة من لا شيء ولفترة زمنية غاية في القصر وتكون الثمرة الناتجة من اللاشيء هي تلك الجسيمات الإفتراضية التي تحدثنا عها أعلاه ولقد تم اختبار النتائج المترتبة على وجود تلك الجسيمات الإفتراضية تجريبياً ومختبرياً لا سيما في مسرع ومصادم الجسيمات العملاق LHC : le Grand collisionneur de hadrons du CERN en Suisse. ولقد استخدمت بيانات هذا المصادم الهادروني الكبير والمسرع العظيم للجسيمات في سبيل جعل هذا الاستنتاج مقبولاً حتى لو تم دراسة وفحص فرضية التضخم الكوني المفاجيء والهائل قبل ذلك بكثير. ولقد تمت دراسة النتائج بفضل نظرية جديدة تسمى النسبية الخاصة على نحو مضاعف وحسب هذا النظرية هناك طاقة قصوى عند الدرجة الحرجة، ولكن ليس بوسع أي جسيم في الكون بلوغ هذه الطاقة القصوى أو تجاوزها مثلما يتم اختزال النسبية الخاصة لآينشتين بحدود مفاهيم نيوتن ونظريته فيما يتعلق بالسرعات المنخفضة نسبياً فالسدم من هذا النوع يمكن توضيحها وشرحها بسهولة من خلال نظرية التضخم الكوني المفاجيء الفوري والهائل و لايوجد أثر للنسبية بالنسبة للأجسام التي تتحرك ببطء لذلك لا نجد أية آثار للنسبية الخاصة على نحو مضاعف la relativité doublement restreinte، حتى بالنسبة للجسيمات ذات الطاقة المنخفضة وتعرف هذه الطاقة القصوى بــ " طاقة بلانك énergie de Planck" وهي من الكبر بمكان، حتى جسيمات مصادم الجسيمات LHC يمكن اعتبارها ذات طاقات ضعيفة بالمقارنة مع هذه الأخيرة، أي طاقة بلانك. والحال أن الطاقة البدئية إبان ولادة الكون كانت كافية في قوتها بما يتلائم مع النتائج والتأثيرات الناجمة عن النسبية الخاصة على نحو مضاعف la relativité doublement restreinte. يتبع
- آخر تحديث :
التعليقات