يخطي من يتصور أن الدول الأربع المقاطعة لقطر ستتراجع عن مطالبها وترضخ لأي ضغوط من جانب واشنطن أو الغرب، واشنطن تريد أن توظف الأزمة لخدمة مصالحها، فيسارع وزير خارجية الولايات المتحدة ريكس تيلرسون إلى توقيع مذكرة تفاهم مع الدوحة بشأن عدم تمويل الإرهاب، وقبلها يوقع وزير الدفاع القطري في واشنطن اتفاقية شراء أسلحة بقيمة 12 مليار دولار، لغة المصالح إذن تسبق أي حلول للأزمة، ولكن مصالح الدول الأربع هي في تلبية مطالبها التي هي في الحقيقية لانقاذ المنطقة من وباء الحمدين حمد بن خليفة الأمير الأب وحمد بن جاسم خال الأمير الأب. 

ورغم محاولات نظام "تميم بن حمد" القابع على أنفاس الشعب القطري المغلوب على أمره، بشأن المطالب الثلاثة عشر للدول الأربع المقاطعة لقطر مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، فإن الأمر أبسط من اللف والدوران، ويتعلق بمطلب مشروع، وهو أن على حكام قطر التوقف عن دعم التطرف وتنظيماته وعدم التخل في شئون الدول الآخرى، وتسليم المطلوبين والكف عن التحريض، ودعم الميلشيات المتطرفة بهدف القضاء على الدولة الوطنية ومؤسساتها وجيوشها. 

يخطئ أبضا من يتصور أن الصراع الحالي بين الدول الأربع وقطر صراع حدود بين أشخاص يستهدف الثأر والعقاب، بل هو صراع وجود، فقد بات واضحا للجميع الآن أن نظام حمد بن خليفة الآب منذ الانقلاب على والده 1995، ونظام تميم بن حمد الحالي يتعاملان مع أذرع خارجية هدفها القضاء على ما تبقى من الدول العربية وفي الأساس مصر والسعودية لتنضم الدولتان اللتان تمثلان جناحي الأمة العربية إلى العقد المنفرط. 

وليس أدل على ذلك من إرتماء نظام تميم في أحضان الأتراك والإيرانيين ومن قبلهم وبعدهم إسرائيل لتنفيذ أجندة خبيثة. ومعروف أن طهران وأنقرة وتل أبيب لهم مصلحة في تفتيت العالم العربي ولهم مطامع فى الإقليم العربي، إيران التي لها الكلمة العليا في العراق وسوريا واليمن ولبنان وتريد السيطرة على البحرين، وتركيا التي يريد اردوغانها احياء الخلافة العثمانية، واسرائيل التي تريد اعادة تقسيم المنطقة العربية ويستخدمون قطر كمخلب قط لتحقيق هذه المطامع، ومن البلاهة تصور أن دولا بحجم مصر أو السعودية أو الإمارات أو البحرين، يمكن أن تترك نفسها فريسة لولاية الفقيه أو لأحلام أردوغان أو اوهام إسرائيل. 

الرسالة التى أراد وزراء خارجية الدول الأربع إيصالها، بعد اجتماعهم بوزير الخارجية الأمريكي في جدة رسالة واضحة لا لبس فيها تتلخص فى كلمات بسيطة، وهي إذا أرادت قطر أن تبقى ركنا في المنظومة الخليجية والعربية، فعليها السعى للالتزام بسياسات هذه المنظومة، لا السعى لهدمها وتفتتيتها، ولا سبيل أمام حكام قطر سوى الاستجابة لتلك المطالب المشروعة التى تتركز كلها حول مطلب رئيسى هو وقف مساندة ودعم اتنظيمات الإرهابية، وهو مطلب عادل لا ظلم فيه أو تجنى على حكام قطر بعد ان افتضح أمرهم أمام العالم كله.

ونذكر هنا بما اكدت عليه دول المقاطعة في اجتماع القاهرة من الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية والمبادئ المستقرة فى مواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامى واتفاقيات مكافحة الارهاب الدولى مع التشديد على المبادئ التالية:
١ الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة .
2 ايقاف كل اعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.
٣ الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام ٢٠١٣ والاتفاق التكميلى وآلياته التنفيذية لعام ٢٠١٤ فى إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
٤ الالتزام بجميع مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التى عقدت فى الرياض فى مايو ٢٠١٧.
٥ الامتناع عن التدخل فى الشئون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون.
٦ مسئولية كافة دول المجتمع الدولى فى مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.

وأكدت الدول الأربع أن دعم التطرف والإرهاب والتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية ليس قضية تحتمل المساومات والتسويف، وأن المطالب التى قدمت لدولة قطر جاءت فى إطار ضمان الالتزام بالمبادئ الستة وحماية الأمن القومى العربى والحفاظ السلم والأمن الدوليين ومكافحة التطرف والإرهاب، وتوفير الظروف الملائمة للتوصل إلى تسوية سياسية لأزمات المنطقة والتى لم يعد ممكنا التسامح مع الدور التخريبى الذى تقوم دولة قطر به، وشددت الدول على أن التدابير المتخذة والمستمرة من قبلها هى نتيجة لمخالفة دولة قطر لالتزاماتها بموجب القانون الدولى وتدخلاتها المستمرة فى شئون الدول العربية ودعمها للتطرف والإرهاب وما ترتب على ذلك من تهديدات لأمن المنطقة.
ازاء كل هذا ليس من الانصاف ترك دولة تستغل ما حباها الله من أموال في التدمير والقتل فاللشعوب العربية والعالم كله يعاني جحيم الإرهاب وسعيه إلى التخريب والذبح والحرق وقتل الآمنين باسم الدين، والآن ينتفض العالم ضد سياسات ممولي الإرهاب، ولن ينتظر حكام ما تبقى من دول أن تسقط دولهم في مستنقع التخريب والتدمير ولا مجال أمام حكام قطر للمرواوغة فعليهم أن يستجيبوا وإلا ينتظرهم مستقبل أسود يندمون فيه على أفعالهم في وقت لا ينفع الندم.