من الثابت أن تفكير الجماعات والتنظيمات غير تفكير الدول، وأن تفكير قادة الدول والزعماء والرؤساء لا يمكن أن يكون مثل تفكير من يدير تنظيماً إرهابياً أو ميلشيات مارقة!! ولكن يبدو أن القيادة القطرية لا تفرق بين الأمرين، أو أنها تعرف الفارق وتتغاضي عنه لمصالح تكتيكية أو شخصية على حساب المصالح الاستراتيجية للدولة والشعب القطري.

زعماء العصابات والميلشيات هم من يتصرفون في الظلام ويحيكون المؤامرات ضد عصابات ودول أخرى، أما الدول وقادتها فيتحركون لحماية مصالحها الاستراتيجية والدفاع عن مكتسبات شعوبها ومقدراتها في العلن، وهذه حق أصيل من حقوقها كفلته المواثيق والقوانين الدولية، وهناك ترسانة من الأدبيات والدراسات حول العقائد العسكرية الاستباقية، التي تعني الدفاع عن مصالح الدول والشعوب في حال برزت مؤشرات وشواهد دالة على تعرض هذه المصالح للخطر.

هكذا فعل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، في اليمن عندما رأى خطراً داهماً من جانب الحوثي وأنصار المخلوع صالح، فلم تدبر المؤامرات ولا المكائد لايقاف مؤامرات هذه التنظيمات بل تم شن عملية "عاصفة الحزم" بدعم دولي وغطاء أممي وتحت بصر وأنظار العالم أجمع للدفاع عن الشعب اليمني الشقيق وحماية الأمن القومي الخليجي في مواجهة مؤامرات وكلاء إيران. أما القيادة القطرية فلم يعد يحلو لها سوى التصرفات الخفية والمؤامرات، التي تدبرها في الظلام ضد دول الجوار ثم تخرج صباحاً لترتدي ثوب الطهارة والعفة وادعاء البطولة والكرامة أمام شاشات "الجزيرة"!!

الميلشيات باتت ماردا اقليميا أخرجه النظام القطري من "القمقم" وعبث به كيفما شاء طيلة السنوات الماضية، فتسبب في نشر الفوضى والاضطرابات في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا، واعتقد أن كشف الأسرار ورفع الغطاء الأمريكي عن النظام القطري سيسهم في فضح مزيد من الجرائم والأسرار.

من الوارد أيضاً أن يبحث الارهاب له عن رعاة وممولين جدد، ومن الوارد أن يلجأ إلى ان يواصل ابتزاز الراعي القطري الحالي بما يحتفظ به من أسرار وملفات، ولكن في مجمل الأحوال فإن القيادة القطرية لم تقدر الأمور حق قدرها حين تخيلت أن استحضار الارهاب يمكن أن يكون في المخابىء للأبد، وأن الاختباء وراء كاميرات "الجزيرة" يمكن أن يوفر حصانة أبدية لهذا النظام البائس!! 

هل يعقل أن يفكر قائد أو رئيس بعقلية زعماء العصابات وقادة الميلشيات ! بالطبع هذا الأمر وارد وتكرر في عالمنا في كثير من الحالات، التي يرصدها التاريخ المعاصر والقديم جيداً، فالقذافي كان يفكر بهذه الطريقة، وصدام كان يمتلك عقلية لا ترى أبعد من أنفه، والآن علي عبد الله صالح الذي انتقل من كرسي الرئاسة واستهواه دور زعيم العصابة، ويبدو أنه رأي أنه لا فرق بين موقعه السابق ودوره الحالي!!

هذه نماذج لقادة جلبوا الكوارث على شعوبهم، والآن نرى الشعب القطري وهو يواجه مصيراً صعباً بسبب قيادته، التي لم تعبأ بمصالح هذا الشعب، وارتمت في أحضان بعض ساكني فنادق الدوحة واسطنبول من قادة الميلشيات الارهابية، الذين جلبتهم من كل حدب وصوب جرياً وراء وهم "إعادة هندسة" الشرق الأوسط جيوسياسياً عبر ثلة من المجرمين والارهابيين!!

تفكير بائس لا ينتمي إلى العقل مطلقاً، ويكفي أنه انتهى إلى اختطاف مصير دولة قطر وارتهانه بيد هؤلاء المجرمين، الذين يحرص الأمير تميم عليهم أكثر من حرصه على مصالح شعبه!! فهل تظل هذه الدولة الخليجية الشقيقة أسيرة لهذا الفكر الذي أصيب بعمى استراتيجي مزمن يمنعه من رؤية مصالح شعبه ودولته ويمضي وراء أوهام زائفة بالزعامة والبطولة، التي يفتقر إلى أدنى مقوماتها!!

سينضم تميم إلى صفوف القادة الفاشلين تاريخياً، إن آجلاً أو عاجلاً، ولكن ما تسبب فيه من شروخ أصابت الجسد الخليجي قد لا تنسى بسهولة، فقد ارتكب بحق شعوب دول مجلس التعاون الست جرائم يصعب أن تقفز عليها الذاكرة، أو تتجاهلها، ويكفي أنه سعى في خراب دول وشعوب جمعتها منظومة واحدة حلمنا جميعاً بأن تتحول إلى اتحاد في يوم ما، ولكن الأحلام تبقى في وجدان الشعوب، ولا تزول بزوال المتآمرين، فشعوبنا الست على قلب رجل واحد، وستظل كذلك إن شاء الله، وغدا سيعود القطريون إلى حاضنتهم الطبيعية وأشقائهم، فصبر جميل.