عظمة الله تكمن في عدم ادراك عقولنا له، لأننا لو استطعنا أن ندركه بسهولة فإن ذلك لا يستقيم منطقياً، فكيف لخالق الوجود ومبدعه وهو من أوجد هذا العقل المعقَّد ثم بعد ذلك يستطيع هذا العقل ويتمكَّن من إدراك مُوجِده ومُبدِعه!؟ بالطبع سيعجز العقل عن ذلك ليجعل الله الإنسان يُقر ويعترف بضعفه وعجزه وأنه موجود بالقوة الإلهية التي هي العلة الأولى لكل موجود.
مثال: أنت لديك سيارة، وطالما أن السيارة لك فإنك حتماً ستدرك كل مافيها من أغراض، كذلك منزلك فإنك تدرك كل ما فيه، حيث أن كل شيء موجود يتبع لك فإنك بالضرورة ستدركه، مثال آخر: لو اخترع عالم آلة أو جهاز، فإنه لا بد أن يدرك تماماً ما قد اخترعه.
فكيف بالوجود بأكمله!؟ أيُعقل ألَّا يكون له مُدرِك!؟
والدليل على أن لهذا الوجود مدرك هو عجزنا عن إدراك هذا الوجود والإحاطة به، لأننا جزء من هذا الوجود الذي أوجده المُدرِك الأول(الخالق سبحانه وتعالى)
فكل ماهو موجود إما أن يكون مُدرِكاً أو مُدرَكاً، والإدراك بالنسبة للإنسان يكون نسبي، فما أُدركه أنا قد لا يدركه الآخر، وإن أدركه فإن إدراكه يختلف عن إدراكي له.
والمُدرِك بشكل مطلق هو الله فقط، وكل شيء بالنسبة له مُدرَك بشكل مطلق أيضاً لأنه من صنعه وإبداعه.
وعندما يريد الإنسان أن يصل إلى الله فإن الله سيصل إليه(وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)، ومن خلال النفخة الإلهية(ونفخت فيه من روحي) ينقاد الإنسان إلى خالقه، ولكن تلك النفخة الإلهية مُتوقِّفة على إرادة الإنسان إن أراد تفعيلها أو تعطيلها(إنَّا هديناه السبيل إمَّا شاكراً وإمَّا كفورا)، وليس لأي مخلوق أن يرى الله عياناً في هذهِ الحياة، فقط سيشعر به الإنسان بقدر ما تكون لديه الرغبة الحقيقية للشبع منه والامتلاء بحبه.

*حتَّى لو لم يتأكد هذا الإنسان تماماً من وجود الإله والشيطان فإنه سيظل يحب الله(الخير) ويكره الشيطان(الشر)، ربما البيئة، وربما سمات الشخصية، تساهم في إظهار وتقوية تلك الحقيقة المغروسة في أعماق الإنسان أو إخفاؤها وإضعافها، ولكن لا يمكن محوها كلياً وكأنها كانت صورة أو حدثاً أو فكرة!

*كُن ملحداً، كُن لا دينياً، كُن كما تريد، لكن لا تلُم أو تسخر من الآخرين عندما تراهم مُتمسِّكين ومُتشبِّثين بالدين والإيمان، لثلاثة أسباب:
1.الحياة مخيفة ويكتنفها الغموض ومحاطة بسياج من الألم، ولا يوجد ما يعزُّون به أنفسهم سوى في الدين.

2.لأنك لم تُقدِّم بديلاً عن فكرة وجود إله(كما تعتبرها فكرة) لأنها عند معظم البشر تُعتبر حقيقة أزلية مترسِّخة في عقل الإنسان ووجدانه وليست فكرة طارئة على العقل.
3.لا يزال الموت يتخطَّف البشرية، ولم يستطع العلم أن يسيطر عليه، ولم تستطع الفلسفة أن تُقدِّم لنا تفسيرات نطمئن إليها في كشف حقيقة هذا الموت، فلا العلم ولا الفلسفة نجحا في الانتصار عليه ووضع حد له، فقط في الدين يجد الناس ما يطمئنون إليه ويأنسون به وبما فيه من آمال ووعود بحياة أخرى كاملة لا يعتريها النقصان.
*لا تجعل من ثنائية الله/الشيطان شمَّاعة تُعلِّق عليها نتائج قراراتك وأفعالك، فإن أصابك خير قلت: هذا من الله، وإن أصابك شر قلت: هذا من الشيطان، والواقع هو أنك أنت بعقلك وتصرفك تجلب لنفسك الخير أو الشر، فقط اجعل من الإيمان بالله جانب روحي رياضي تأملي تقوم به لتشعر بالشبع الروحي ولكي تكون في توافق وانسجام مع المجتمع الذي تعيش فيه، واحذر أن تُعوِّل على الدين في نجاحك أو فشلك، سعادتك أو تعاستك.
*الإنسان كُلَّما ازداد عمقاً ومعرفةً كلما ازداد فضولاً، يخرج من ظلام إلى نور، ثم من ظلامٍ آخر إلى نورٍ آخر، وهكذا يستمر، حتَّى الأنبياء كانت تلك رحلتهم، فها هو إبراهيم عليه السلام(فلمَّا جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي) (فلمَّا رأى القمر بازغاً قال هذا ربي) (فلمَّا رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر) وهنا يظهر بوضوح ممارسة إبراهيم عليه السلام لفعل التفلسف، فيشك ويتساءل ثم يبحث ويتأمَّل فيستنبط ويحكم ثم يتراجع، وبعد أن وصل وعرف من هو الرب أراد شيئاً آخر(ربِ أرني كيف تحيي الموتى).
*لا يوجد أرواح تتلبَّس جسد الإنسان، لا يوجد نصوص مقدَّسة تُخرج الشياطين، لايوجد صليب يشفي البدن ويطرد الشيطان، يوجد دجل وخرافات يُصدِّقها إنسان فيُصبح مريضاً بها وأسيراً لها.
*الحماقة لا تصيب فقط الأفراد، وإنما قد تصيب مجتمعات كاملة، الله ينظر لأتباع الأديان والمذاهب المتعصبين وهم يتقاتلون، ولم ينصر أحداً منهم، إذاً؛ أما آن لهؤلاء الحمقى أن يستيقظوا ويتَّحدوا لإعمار هذه الحياة والعيش معاً بسلام!
*أحياناً تخف حدة الإنسان وامتعاضه من الأحكام الشرعية مثل: الرجم، الرمي من أعلى مكان...إلخ، عندما ينظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي وما تحويه من حسابات ومقاطع إباحية تتجه بالإنسانية نحو الانهيار والدمار!
*من صور الانحطاط التي نعيشها في هذا العصر، تغيُّر دلالات ومعاني الرموز والكلمات لتشير إلى معاني دنيئة، من جملة ذلك: علامتي السالب والموجب الرياضيتين، أصبحتا إشارة إلى(الفاعل والمفعول به)، ليسا نحوياً وإنما جنسياً!
*التجارب السياسية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الليبرالية هي الطريق الوحيد للنهوض بالمجتمعات والعيش في سلام، أوروبا لم تنهض لأنها أقصت الدين جانباً كما يعتقد البعض، بل نهضت عندما رفعت شعار(الدين لله والوطن للجميع) وهذا الشعار يعني باختصار أن الإنسان هو المحور على هذه الأرض، وبالتالي يشعر هذا الإنسان بقيمته وأنه حر ومن ثم تتجلَّى إبداعاته وينهض المجتمع ككل، لذا نجد أن جون ستيورات مل يُشبِّه الإنسان بالأشجار، فإذا لم تنل تلك الأشجار مساحة كافية وتُوفَّر لها البيئة المناسبة، فإنها لن تنمو وتصل إلى ارتفاع كبير، وكذلك الإنسان، لذا يؤكد مل على ضرورة إعطاء مساحة لكل شخص لكي ينمو المجتمع ويزدهر.
*الليبرالية تدعو للحريِّة والمساواة، والأديان تدعو للحريِّة والمساواة، إلا أن الليبرالية في دعوتها للحريِّة والمساواة تهدف إلى الإنسان كإنسان، أمَّا الأديان فإن الحرية والمساواة فيها تكون محصورة على أتباع هذا الدين أو المذهب.
*الغرب يتبنَّى الليبرالية كمنهج حياة، ورغم ذلك يعتزُّون بهويتهم المسيحية، فيحتفلون بأعيادهم ويمارسون طقوسهم الدينية في تلك الأعياد، فما المانع أن تتبنَّى الدول العربية الليبرالية منهجاً وفي المقابل تبقى الهويِّة الإسلامية العربية هي ما يميِّز تلك البلدان وستظل شعوبها تفتخر بهويتها الإسلامية وسيستمرُّون يحتفلون بأعيادهم ويمارسون طقوسهم الدينية كغيرهم؟
*أن يكون الدين ممارسة سياسية تطبيقية، فهذا يعني رفض للحداثة واصطدام مع العالم، لذا يجب أن يبقى الدين ناحية وجدانية تخص كل إنسان وهويِّة ثقافية تخص كل مجتمع.
*مسيحي مُتطرِّف: القرآن يحث على الإرهاب، من ذلك(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر).
مسلم مُتطرِّف: الكتاب المُقدَّس يحث على زنا المحارم، من ذلك(هلُمَّ نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فَنُحيي من أبينا نسلاً).
مسيحي معتدل: القرآن يكفل حريِّة الدين(لكم دينكم وليَ دين).
مسلم معتدل: الكتاب المُقدَّس يحث على التسامح (أحبُّوا أعداءكم باركوا لاعبنكم).
من هنا نستنتج ثلاثة أمور:
1.يوجد في كل الأديان ما يمكن أن يُستخدم لتشريع وإقرار ما يضر أو ينفع، لذا كان لزاماً ألَّا يكون الدين نظاماً ودستوراً يُحكم به.
2.الخطاب الديني والتراث الديني سواءً بقي كما هو أو تم تعديله وتنقيحه، جميعها حلول لا تجدي نفعاً، وإنما مجرَّد إجراءات للتهدئة فقط، لأن هذهِ هي طبيعة الأديان تُحتِّم على من يعتنقها أن يكفر بالآخر.
3.إذاً الحل يكمن في الليبرالية.
*المجتمعات العربية بطبيعتها في حُكمها على الأصلح والأجدر والأكثر قيمة تميل إلى الأقدم في كل شيء، سواءً كان هذا الأقدم زعيماً أو رجل دين أو مثقَّفاً...إلخ، لأنها عاطفية أكثر مِمَّا هي عقلانية، حتى لو كان هذا الزعيم أو رجل الدين أو المثقَّف الذي يعاصرونه أفضل من السابق في كل شيء، لن يشفع له ذلك وسيظل في نظرهم بلا قيمة!
*عندما تكون في طريقك نحو عالم الفكر والتنوير، فإن الحرب لن تأتيك من الطرف الآخر(التيَّار الديني) بقدر ما ستأتيك من النخبة الثقافية التي سترى فيك تهديداً لأسمائهم رغم اشتراكك معهم في الهدف الأسمى وهو(التنوير)! ولكن رغم كل ذلك لا تبالي بهم وركِّز على نفسك وواصل الطريق وانظر إلى القمة ولا تلتفت للقاع أبداً، واجعل من الفيلسوف شوبنهاور بثقته بنفسه وقوة إرادته رغم تجاهل النخبة له مثالاً لك تحتذي به.
*ربما تشعر أنك لم ترتح لأحدهم أو تطمئن له وتأنس به، لا تلم نفسك ولا تلمهُ، فليس لك ذنب وليس له ذنب، فالقضية قضية أرواح(ماتعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).