لعل التعريف والوصف الأكثر رواجاً للسياسة يتمثل في انها لعبة، لكن السؤال أي لعبة من الألعاب الرياضية التي تحاكيها السياسة؟ أهي لعبة الشطرنج أم لعبة الروليت أم لعبة النرد أم لعبة الورق "الكوتشينة" أم لعبة كرة الطاولة "البنغبونغ" أم لعبة الفروسية أم إحدى ألعاب الخفة والسيرك والأكروبات؟.

لعل لعبة كرة القدم الأكثر ممارسة وشعبية هي اللعبة الأكثر محاكاة وتأثيراً في السياسات الداخلية والخارجية للدول الكبرى والصغرى، القوية والضعيفة. فاتحاد ال"فيفا" هو " الأمم الكروية المتحدة"، والملاعب هي الأوطان والدول أو الجغرافيا السياسية، والكرة هي المصالح الاقتصادية والطموحات الإنسانية المشروعة المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية، ويتجسد كأس البطولة في النفوذ والهيمنة والمكانة الدولية، وتقترب منزلة رئيس ال"فيفا" من منزلة أمين عام الأمم المتحدة، ويمثل مجموع الدول ممثلة باتحادات كرة القدم الوطنية والإقليمية المنضوية في ال"فيفا" تشكل المجتمع الكروي الدولي وغاياته الرئيسة هي: المنافسة الشريفة واللعب النظيف والروح الرياضية والمتعة.

ويقابل المنتخبات الوطنية المتنافسة الحكومات. أما الملوك ورؤساء الدول والحكومات فبعضهم يؤدي دور مدرب المنتخب أو مديره الفني أو قائد أو الليبيروأو حارس المرمى، بينما يمثل الهداف وزير الخارجية أو الدفاع. واللاعبون البدلاء هم الوزراء والجنرالات وممثلو جماعات المصالح الاقتصادية والاجتماعية والدينية. أما حكم الساحة وبقية الحكام فقد يتمثلون بقوة أو دولة كبرى وقوة أو قوى إقليمية.

ويقابل خطوط الملعب المحيطية والمحددة لمنطقة المرمى ونقطة الجزاء ومصيدة التسلل، سيادة الدولة وحدودها السياسية ومناطقها الاستراتيجية ومكامن ثرواتها الظاهرة والدفينة.

وتتحول صيحات مشجعي هذا المنتخب وخصمه المتواجدين في المدرجات أم أمام الشاشات الكبيرة أو الصغيرة ومراوحتها بين الترقب والحماس، تتحول في عالم السياسة إلى شعارات سياسية ويتحول الجمهور الرياضي إلى جماهير موالاة ومعارضة. وتُستبدل المدرجات بالشوارع وسط مظاهر الاحتجاج او التهليل للزعيم أو القائد بينما يكون نصيب اللاعب أكان مهاجما او قائد الفريق او مدافعا او حارس مرمى هو التصفيق واعتباره بطلاً رياضياً لا يصل إلى مصاف البطل السياسي او الوطني.

عموماً، ثمة العديد من المتشابهاتوالتوافقات بين كرة القدم والسياسة، فالسياسة هي لعبة الأمم، والكرة هي اللعبة المفضلة لدى شعوب العالم، السياسة هي فن الممكن وكرة القدم هي الفن والسيمفونية المحببة لدى شعوب العالم، السياسة تهدف إلى الترابط والتقارب بين الشعوب، وكذل ككرة القدم تقرب الشعوب، الكرة لغة للتواصل والحوار وهي القوة الناعمة وإحدى أدوات السياسة. الساحرة المستديرة، والمائدة المستديرة بينهما كثير من التفاهم والحوار،فهما الآن لغة العالم كله، وقيادات كل منهما مشهورون.

ووسط السجالات الساخنة حول الفصل بين الرياضة والسياسة وضرورة استبدال تسييس الرياضة بترويض السياسة، أي تعميم الروح الرياضية محل أرواح المؤامرات السياسية الشريرة، تبرز أهمية مقاربة طبيعة الاختلافات بين الرياضة والسياسة من خلال طرح رزمة من الأسئلة والتساؤلات والإشكاليات، منها التالية:

هل الاهتمام الجماهيري العالمي بمونديال روسيا 2018، هو نمط من الهروب من الواقع أم إسقاط للخيبات والآمال وتعليقها على مشجب خسارة أو فوز هذا الفريق أو ذاك سواء أكان فريقا وطنيا أوأجنبيا؟.

نظراً لكون القاسم المشترك بين السياسة والرياضة يتمثل في النجاح في تحقيقا لأهداف النبيلة والمصالح الحيوية التي تلبي متطلبات واحتياجات الشعوب الرئيسة، التي تبدأ بإنجاز حلول لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وتترافق بأجواء من الترفيه والتسلية والأمل التي لا يشوبها زيف أو خداع. هل تُصلح الرياضة ما تفسده السياسة.

هل اقتراح الرئيس السابق للفيفا جوزيفبلاتر، بلاتر لحل قضية فلسطين القاضي برعاية مباراة سلام بكرة القدم بين منتخب إسرائيل ومنتخب فلسطين هو اقتراح عقلاني ومفيد لأن كرة القدم وظيفتها التوحيد وليس التفريق؟. وهل قاد توظيف الرياضة في السياسة الدولية إلى نتائج إيجابية دائماً؟.

ولعل الهدف الرئيس للتقريب بين كرة القدم والسياسة أو اختزال الصراعات السياسية بهذه اللعبة الرياضية أو تلك، لا يتمثل في تسييس الرياضة أو ترويض السياسة أو تحييد الرياضة أو تعميم الفهم السطحي للصراعات أو المنافسات السياسية وتقديمها على أنها لعبة الكبار الأقوياء. بل التأكيد على وجود تداخلات بين الرياضة في نموذج كرة القدم والسياسة وتأثيرات متبادلة. إذ يمكن لكرة القدم أداء دور سياسي مفيد والعكس صحيح أحياناً، لكنها لا تقدم حلولاً سياسية نهائية وشاملة. فالرياضة ليست بديلاً للسياسة، والسياسة ليست تسلية وممارستها ليست شكلاً من أشكال المتعة والترفيه، بل إن تحقيق رفاه المجتمعات هو غاية السياسة الرشيدة.

واختلاف الوظائف الرئيسة لمختلف الألعاب الرياضية ومختلف السياسات الخارجية والداخلية والاقتصادية والتربوية لا يعيق التداخلات ووجود تأثيرات إيجابية وسلبية متبادلة، استناداً إلى موقع الرياضة والسياسة في المجتمعات البشرية.

ويًلاحظ تأثر قيادة ال"فيفا" إلى حد الاستلاب بسلوك ومواقف الدول الكبرى وعلى نحو خاص تلك التي تمارس سياسة " الكيل بمكيالين "، ويتورط ممثلوها في فضائح فساد مالي أو أخلاقي. وفي الوقت نفسه تُعلن رئاسة ال"فيفا" حيادها ونزاهتها وعدم ممالأتها للسياسيين وسياسات بعض الدول الكبرى أو الصغرى.

*كاتب سوري