عندما سُحر العالم بفوز المنتخب الفرنسي على البرازيل بثلاثة أهداف نظيفة في نهائي كأس العالم قبل عشرين سنة لم يكن كيليان مبابي مولوداً بعد. وحقق مبابي في مونديال 2018 انجازاً لم يحققه إلا لاعب واحد من قبل هو الاسطورة البرازيلية بيليه عام 1958 بتسجيل هدفين في مباراة واحدة خلال بطولة كأس العالم وهو لم يزل مراهقاً. هذا ما حققه مبابي المولود لأب كاميروني وأُم جزائرية ونشأ في احدى ضواحي باريس ، يافعاً معجباً باللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو.
وفي الحقيقة ان مبابي صاحب الموهبة الاستثنائية واحد من 17 لاعباً في المنتخب الفرنسي الذي يضم 23 لاعباً بمن فيهم الاحتياط ، هم ابناء مهاجرين من الجيل الأول. ويُلاحظ ان فرقاً اوروبية ناجحة اخرى تضم مواهب اصحابها ابناء مهاجرين وخاصة سويسرا وبلجيكا.
وكان المنتخب الفرنسي الذي فاز بكأس العالم سنة 1998 متميزاً بتنوعه. وقيل وقتذاك بفخر واعتزاز ان الوان العام الفرنسي تحولت من الأبيض والأزرق والأحمر الى الأبيض والأسود والأسمر. وأعلنت صحيفة لوموند ان المنتخب الفرنسي رمز للتنوع ووحدة فرنسا. ولكن ذلك لم يدم. وبركوب موجة من العداء للمهاجرين فاز السياسي اليميني المتطرف جان لوبان بنسبة 17 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية عام 2002.
وفيما تتبوأ بطولة كأس العالم مركز الصدارة في عالم الرياضة أصبحت الهجرة قضية مركزية في السياسة الاوروبية. وكادت حكومة المستشارة الالمانية انغيلا ميركل تسقط بسبب الخلافات بين اطراف الائتلاف على قضية الهجرة. وفي بريطانيا أسهم التوجس من أعداد المهاجرين الكبيرة في فوز مؤيدي الخروج من الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء على بريكسيت. وفي فرنسا تفوقت مارين لوبان على والدها بالحصول على ثلث اصوات الناخبين حين خسرت امام ايمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية عام 2017.
ويمكن قول الشي نفسه عن صعود اليمين المعادي للمهاجرين في سويسرا وايطاليا التي كان جمهورها الكروي من الأشد عداء لللاعبين الأفارقة حتى ان رئيس اتحاد الكرة الايطالي اعرب عن أسفه للعدد الكبير من "آكلي الموز" في فرق الأندية الايطالية في إشارة مهينة الى اللاعبين الأفارقة.
في هذه الأثناء فإن المنتخب متعدد الثقافات الجديد الذي لفت انظار العالم هو المنتخب البلجيكي المعبأ بمواهب كورية اصحابها ابناء مهاجرين من المغرب والكونغو وبوروندي ومالي. وحين فازت بلجيكا على البرازيل بهدفين مقابل هدف واحد واحد فان اللاعبين الذين صنعوا هدفيها هم اثنان من اصول مغربية ، ناصر الشاذلي ومروان فيلايني ، والثالث روميلو لوكاكو الذي هاجر والداه من الكونغو.
في بلجيكا لم يصبح منتخبها الوطني رمزاً للتعدد الثقافي على غرار المنتخب الفرنسي في التسعينات فحسب بل تحول الى عامل توحيد قوي في بلد معروف بانقساماته القومية والاثنية.
ولكن في بلجيكا اختلط القلق التقليدي من الهجرة بمخاوف من الارهاب بعد تفجيرات بروكسل عام 2016 التي هزت البلد بمقتل 32 شخصاً في هجوم نفذه متطرفون اسلاميون. وحي مولنبيك الذي خرج منه الارهابيون مليء بأبناء وبنات مهاجرين من الجيل الأول اصولهم شمال افريقية.
وفي حين ان المنتخب البلجيكي لن يتمكن من حل مشاكل بلده مثله في ذلك مثل نظيره الفرنسي ، وفيما يحتدم النقاش حول قضية الهجرة في اوروبا فان المنتخب يستطيع أن يشير الى طريق الاندماج على اساس الكفاءة والاستحقاق مع تعزيز الافتخار القومي بفريق متعدد الأصول والمواهب يقدم عرضاً باسم بلده أمام مليارات المشاهدين.
إعداد: عبد الاله مجيد
التعليقات