ليس سهلًا على لبناني من غير طائفة الموحدين الدروز أن يكون مناصرًا لوليد جنبلاط، الهائم على وجهه اليوم بين الطائفة الدرزية والحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي ومسألة توريث الزعامات المختلفة لابنه تيمور.

&

ليس سهلًا علي أنا اللبناني غير الدرزي أن أكون إلى جانب وليد جنبلاط اليوم، في ذروة استهدافه ومحاصرته وتطويقه، لتدفيعه ثمن حقبة سياسية قاد خلالها ما سمي في حينه جماعة "14 آذار" في مواجهة آذاريين آخرين ما تركوا سوريا الأسد، حتى الساعة.

قبل أيام، وقف شبان وشابات "اشتراكيين" في وجه فتنة يرفع لواءها وزير خارجية لبنان جبران باسيل، المنادي منذ زمن ليس بقصير باستعادة أمجاد المسيحيين في حكم بلد إنما رسمه العالم لهم ليحكموه، والمجاهر مرات عدة في كل يوم بأنه المسيحي الأقوى، الذي يتحكم بمصير المسيحيين، ويريد التحكم بمصير لبنانيين آخرين من طوائف ومذاهب ومشارب آخرى.

حين وقف في إحدى قرى البقاع مجاهرًا بأنه يريد أن يكون ثالث الثنائي الشيعي، ما كان يقوي أواصر تحالفه مع حزب الله، بل كان يقول إن له في الشيعة أيضًا حصة. وحين تسلق مرارًا على صلاحيات رئيس الحكومة السني سعد الحريري، ووقف وراء ستة نواب سنة ادعوا أنهم "مستقلين" عن نفوذ الحريري في طائفته، كان يريد أن يثبت للمسيحيين والمسلمين على السواء أن له في السنة حصة.&

على الجبهة الدرزية، بدأ جبران باسيل يتسلل إلى كواليس الجبل الدرزي حين وقف إلى جانب "المير" طلال أرسلان، صاحب الأقلية في الطائفة الدرزية الذي ما تمكن يومًا من أن يكون نائبًا في البرلمان إلا بمساعدة جنبلاط نفسه إذ كان يترك له في كل انتخابات نيابية مكانًا فارغًا ليشغله بالعدد الأقل من الأصوات. وقف إلى جانبه ليصطنع له مكانة على الساحة الدرزية، فيمتطيه حصان طروادة إلى معقل وليد جنبلاط.

لكن... ربما فات جبران باسيل أن طلال أرسلان حصان خاسر أمام وليد جنبلاط، الذي يتميز ببعد سياسي إقليمي ودولي لا يصل إليه أرسلان الذي كان كل همه، منذ حادثة الشويفات الأليمة، أن يحشر جنبلاط في أزقة وزواريب ضيقة. وحين وصلته رسالة الجنبلاطيين في الشحار الغربي ومفادها أنك لن تدخل مناطقنا بخطابك العنصري إلا قاتلًا أو مقتولًا، تحول إلى حمل وديع، ثم سعى إلى إخضاع وليد جنبلاط قضائيًا، بالمطالبة بتحويل الاشتباك إلى المجلس العدلي، بتهمة الشروع في القتل في كمين محكم، في محاولة لتكرار مسرحية كنيسة سيدة النجاة التي كانت الحجة الواهية لزج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعحع في السجن أحد عشر عامًا.

لا يجيد جبران باسيل غير التحريض الطائفي والمذهبي. ألم يغرد قبل أسابيع مناديًا بترحيل كل من هو غير لبناني، حتى بلغ به الأمر بالمطالبة بترحيل اليد العاملة السعودية من لبنان... في تغريدة لا تنم إلا عن أمرين: العنصرية والجهل؟

لا يجيد جبران باسيل قراءة وليد جنبلاط. فهذا الرجل الذي يقال إنه يستدير كيفما دارت الرياح سياسي لا تجد في تدبيره السياسة مثيلًا في لبنان، إلا – ربما – نظيره الشيعي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. فهو قادر على استشراف المستقبل بقراءة ذات أبعاد مختلفة، محلية وإقليمية ودولية، وقادر بالتالي على التعامل مع التطورات بنفس سياسي مختلف. يخاصم ويهادن، ويترك الأمور لتأخذ مداها السياسي من دون أن يخشى التراجع متى صار التراجع غنيمة. يحمل على كاهله عبء الطائفة، فهو ممثل الأكثرية فيها، فحتى عندما حاول حسن نصرالله أن يذله في غزوة 11 مايو 2008، وقف دروز أرسلان معه، جنبًا إلى جنب مع دروزه.

اليوم، في ظل تذكير جبران باسيل في كل مناسبة بمجازر عامي 1840 و1860، وبما حصل في الجبل في أوائل ثمانينيات القرن الماضي من حوادث، كان أبرزها مجازر الشحار الغربي بحق الدروز والتي جرت مجازر كثيرة بحق المسيحيين، وفي ظل تعبير سوري صريح بضرورة إزاحة وليد جنبلاط من الساحة السياسية اللبنانية، وأمر عمليات ينفذه حزب الله وأذنابه في الطائفة الدرزية أولًا، ليس غريبًا أن نجد وليد جنبلاط متعبًا، عابسًا، مشاغبًا. ربما لم يكن يريد أن يصل الأمر إلى حد سقوط قتيلين من شباب الدروز، لكنه لن يتوانى عن دق النفير إن جرّوه إلى ميدان لا يريده.

نعم، ليس سهلًا أن تكون مع وليد جنبلاط اليوم، لكن المنطق الوطني الفعلي، الرافض لفتنة سلاح حزب الله، حامي عراضات جبران باسيل وعنصريته، وعنتريات أمثاله الفارغة... هذا المنطق الوطني يحتم أن يقف المسيحي اللبناني والمسلم اللبناني مع وليد جنبلاط الذي عقد مصالحة تاريخية مع البطريرك الراحل نصرالله صفير في المختارة في 3 أغسطس 2001، والذي كان في دائرة الخطر السوري نفسه مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي – وحده من بين أمراء الحرب الأهلية – اعترف بما فعله وطلب المحاكمة عما حصل، والذي وقف مع الشعب السوري في ثورته على الظلم والاستبداد.