خلف خلف من رام الله: في ظل مواصلة التحول النووي لإيران وعدم تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها كاملة في حرب لبنان الثانية ومواصلة الفصائل الفلسطينية بناء قوتها في قطاع غزة. ترى مصادر إستخبارية إسرائيلية أن تعزيز القوة العسكرية لتل أبيب بات أمر ملحاً ولا مفر منه، وأنه يجب الاستعداد للمواجهة القادمة بكل السبل، وذلك لعدة عوامل واعتبارات إقليميه ودولية. ويقول رون تيره ضابط الاستخبارات الإسرائيلي: تقف إسرائيل أمام واقع جديد، خطير ومليء بالتهديدات المتنوعة، وعليه، فان على بناء القوة العسكرية أن يعود ليستقر في مركز سلم الاولويات والفعل الوطني. أربعة عوامل تؤكد هذا التقدير، وهي حسب تيره الذي يعمل ضابط احتياط:

أولا، يبدو أن الولايات المتحدة تقترب من لحظة الانكسار في العراق، حين ستتخلى عن أهدافها الاستراتيجية ولا تتطلع إلا إلى انسحاب quot;محترمquot;. فالتواجد الأمريكي في العراق يشكل مدماكا هاما في منع نشوء جبهة شرقية، في كبح جماح سوريا وفي وجود خيار لعمل عسكري كثيف ضد إيران. وفضلا عن خسارة عناصر القوة هذه، فان الانسحاب الأمريكي سيعتبر، إلى جانب الانسحابين الاحاديي الجانب لإسرائيل، دليلا آخر على ضعف الغرب ضد الجهاد، وسيعطيه ريح إسناد.

ثانيا، رغم حقيقة أنه لم تغلق بعد نافذة الفرص الأمريكية لمهاجمة إيران، على الأقل حتى بدء السباق إلى الرئاسة، في تشرين الثاني القادم، فان الصورة المرتسمة في هذه اللحظة هي أن الولايات المتحدة ستمتنع عن عملية عسكرية أحادية الجانب دون مصادقة الأمم المتحدة. وذلك فيما أن كل مسار آخر يؤدي إلى تحول إيران نوويا (مثلما في حالة كوريا الشمالية). ولعل إيران نووية قابلة للردع، إلا أن الخوف الفوري هو من تسرب المواد إلى محافل ليست دولا وغير قابلة للردع. وفضلا عن ذلك، فان ظل النووي من شأنه أن يهز مستقبلنا بشكل غير مباشر: بتعابير ميزان الهجرة إلى إسرائيل ومنها، تدفق الأموال والاستثمارات، حرية العمل حيال الفلسطينيين، سوريا، حزب الله وما شابه.

عامل ثالث، هو الانطباع الذي نشأ في أعقاب حرب لبنان الثانية، ويقضي بأن إسرائيل ضعفت ويمكن الآن الوقوف حيالها في ميدان القتال والخروج بإنجاز عسكري وسياسي. هذا الانطباع يقلص الموانع في وجه حرب أخرى. بالفعل، فان سوريا تتحدث مرة أخرى عن quot;المقاومةquot;، وحماس تعمل على استيراد نموذج حزب الله.

العامل الرابع هو تفتت المجتمع الفلسطيني وquot;خصخصةquot; الكفاح المسلح. ليس لدينا شريك، ليس بسبب مواقف سياسية فلسطينية كهذه أو تلك، بل بسبب انعدام سلطة مركزية تفرض إمرتها على الأرض. كما أن نشطاء الإرهاب في غزة لم يعودوا يشكلون جزءا من مبنى محدد، تديره قيادة مركزية، بل جملة من المجموعات الصغيرة المنقطعة الواحدة عن الأخرى. في مثل هذا الواقع، فان المسيرة السلمية وكذا محاولة خلق الردع أو المس بـ quot;المنظمةquot;، مآلهما الفشل.

ويضيف تيره في مقال له نشر اليوم في صحيفة معاريف وحمل عنوان quot;خطر وجوديquot;: كما تجدر الإشارة أيضا إلى الفشل الذي يحدق بالضمانات الدولية. فالمصريون والأوروبيون لا ينفذون نصيبهم في الاتفاقات المتعلقة بمعابر الحدود لغزة ومكافحة التهريب. كما أن اليونيفيل التي تعززت بقرار 1701، لا تمنع نقل السلاح إلى حزب الله، وتوجد إلى جانبه في جنوب الليطاني.

في مثل هذا الواقع، لا يوجد ما يمكن الحديث فيه عن السلام. السلام هو طابق ثانٍ، مبني على أساس الاستقرار الاستراتيجي، وليس بديلا على غياب التوازن الاستراتيجي. وعليه، فان علينا أن نركز جهودا وميزانياتنا على ترميم الجيش الإسرائيلي وتخليصه من عفنه في العقد الماضي، والذي انكشف في حرب لبنان الثانية. وعلى الجيش الإسرائيلي أن يبنى على أساس التصدي لكامل قوس أنواع التهديدات، وعلى رأسها الحرب الشاملة الكلاسيكية، والتي هناك من يعتقد أنها انتهت من الوجود. وينبغي لنا أن نحمي أنفسنا من إغواء الصيغ العابثة التكنولوجية التي تعد بحروب نقية، والتعويل على الجيش في ظل الحفاظ على جملة من القدرات والتوازنان، ومن خلال التطور التدريجي وليس الثوري. على حد قول ضابط الاستخبارات الإسرائيلي.