علماء سنة وشيعة شاركوا في الدورة

مهند سليمان من المنامة: اكد رجل الدين الشيعي السعودي الشيخ حسن الصفار إن التوجهات المتطرفة والمتشددة موجودة عند جميع المذاهب الإسلامية، وهو ليس بالأمر الطارئ والعارض في حياة المسلمين، ، ولكن الأمل معقود على العقلاء للتعامل بلغة العقل والحوار وتغليب الحكمة من أجل التخفيف من حدة هذه الاختلافات والاحتقانات.

وقال الشيخ الصفار في محاضرته ''الحوار والانفتاح لغة العقلاء'' ضمن الدورة العلمية للخطباء والدعاة التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية التي اختتمت اعمالها اليوم في المنامة إن العقلاء يحترمون العقل ويفهمون لغة العقل وبذلك ينطلقون منه ومعه، كما إن العقل يهدي الإنسان إلي أفضل علاقة، إذ تنظم علاقته مع الآخرين هو الحوار والانفتاح، وإن عكس ذلك هو ما يسود التشنج ويقوض أركان المجتمع، مشيراً إلي أن لفظ العقلاء ليسوا في مقابل المجانين، والعقلاء هم الذين يستخدمون عقولهم في مواقفهم وممارساتهم ولا تحكمهم العواطف والانفعالات.

وأكد الشيخ‮ ‬يوسف القرضاوي‮ ‬والشيخ محمد علي‮ ‬التسخيري‮ ‬على ضرورة تجاوز الخطباء والدعاة الدينيين حالات التعصب والانغلاق والسطحية التي‮ ‬تدفعهم إلى شن الحرب على من‮ ‬يخالفهم الرأي‮ ، وقال القرضاوي إنّ‮ ‬ضعف التكوين العلمي‮ ‬للدعاة وضيق الأفق بالإضافة إلى التعصب للأفكار الأحادية من أبرز معوقات العمل في‮ ‬مجال الدعوة والخطابة الإسلامية‮.‬


وأكد الشيخ الصفار مجددا أن الناس في كل مجتمع بشري يختلفون في آرائهم وانتماءاتهم، وعند الاختلاف لا بد من الرجوع إلي لغة تجمع الكل ولا يوجد أفضل من لغة العقل، مشيراً إلى أنه لايخلو أي مجتمع من الاختلاف وحتى في عهد رسول الله، ومع وجوده صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحدث بعض الاختلافات في وسط الأصحاب، والقرآن الكريم يتحدث عن تلك الحالات مشكلاً مرجعية لحالات الاختلاف في مجتمع المؤمنين (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )، فإن كانت لغة الحوار هي السائدة، فإن المجتمع سيعيش وضعاً إيجابياً وسيتمكن من التعايش والتقدم. وفي غير هذه الحالة ستكون الانفعالات والإضطرابات والصراع والنزاع.

وأشار الشيخ الصفار أن الإيمان لا يحول الإنسان ملاكاً ولا يجعله في حالة مثالية حيث لا يتسرب إلى أفراده مختلف النوازع والغرائز والميول، وفي حال الاختلاف لابد من ضوابط فالعقل يهدي الإنسان، والإنسان يهدي الإنسان إلي هذه الضوابط وهو الطريق الأمثل للجميع لحل هذا الاختلاف. واستعرض الشيخ الصفار تاريخ منطقة الخليج، مشيراً إلى أن الخليج عاش فترة طويلة تكاد تخلو من الصراعات والنزاعات، فكانوا يتعاونون معاً منذ أيام الغوص، وكانوا يتعايشون في وئام، ولكن في السنوات المتأخرة تسللت إلى المنطقة بعض الرياح الغريبة وحصلت بعض الحالات السلبية التي كدرت صفو العلاقة بين أبناء هذه المجتمعات التي كانت تتميز بالوحدة، داعياً الجميع لوحدة الصف، خاصة في ظل هذه المرحلة الحرجة التي يريد أعداء الأمة الهيمنة عليها من خلال صراع الحضارات.وقال الصفار: يجب أن ندرك بأن هناك توجهات متطرفة ومتشددة عند جميع المذاهب، وهو ليس بالأمر الطارئ والعارض في حياة المسلمين، وإنما هو وجود عريق وله بعد تاريخي، ولكننا ندعو العقلاء إلى التعامل بلغة العقل والحوار وتغليب الحكمة، حتى نخفف من حدة هذه الاختلافات والاحتقانات، سعياً إلى إيجاد حل حاسم ولو كان صعب المنال.

وأكد الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي بأنه لا سبيل لتقدم الأمة والمجتمعات إلا بصون الحرمات العامة والخاصة، والمتمثلة في حرمة الوطن والعرض والدين، والأخلاق، والنظام العام والآداب وصون المقدسات، داعياً إلى العمل على وحدة الكلمة والصف والإخلاص في العمل وانسجام القول والعمل، موضحاً بأن الإسلام قد رعى كل هذه الحرمات ليعم الخير ويظفر الناس بنعيم الدنيا والعمل للآخرة.وقال الزحيلي في محاضرته quot;المسلمون مع غيرهم تعامل وحضارةquot; مساء أمس الأول بجامع الفاتح ضمن الدورة العلمية للخطباء والدعاة التي تنظمها وزارة الشئون الإسلامية إن إرساء معالم الحضارة الإسلامية يتطلب منا أن نطبق مقوماتها، مشيراً إلى أن العمل الصالح يتطلب فعل الخير مع كل الناس والتعايش السلمي والودي وتحقيق منهج الوسطية، مؤكداً أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وترك الإفراط والتفريط ونبذ سياسة العنف والتشدد (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، و أن الإسلام يؤثر الخلق الكريم والسلوك القويم واللين في المعاملة (ادفع بالتي هي أحسن)، كما يدعونا أن لا نواجه الناس بما يكرهون، مما يقتضي تحديث اللهجة والخطاب مع الحفاظ على الثوابت والأحكام القطعية.

وركز الدكتور الزحيلي في حديثه على مبدأ الشورى والحوار والديمقراطية، منوهاً بضرورة عقد حلقات الحوار في ضوء مقاصد الشريعة وتطبيق قاعدة الديمقراطية الإسلامية التي تنطلق من معايير شرعية، إذ لا تهدم ثوابتها وأحكامها وشرائعها، مؤكداً على أن الإسلام لا يضيق ذرعاً بكل ألوان الحوار التي تؤدي لتوفير الخير والمصلحة.وقال إن من الضروري أن تكون العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس القاعدة المعروفة quot;لهم ما لنا وعليهم ما عليناquot;، وهذا يقتضي أنهم متساوون مع المسلمين في الحقوق السياسية والاقتصادية، موضحاً بأن غير المسلم المعاهد لا يعد من مواطني الدرجة الثانية كما يزعم البعض، وإنما هو و المسلم في درجة واحدة من المواطنة.

مطالبة الخطباء بتجاوز حالات التعصب

وحول موضوع تحديث الخطاب الإسلامي quot;الوسائل والمعوقاتquot; تحدث الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين متسائلاً عما إذا كان الخطاب الإسلامي يتجدد، وهل يتغير من عصر إلى عصر ومن مرحلة إلى مرحلة؟ وقال مجيباً : إن الخطاب حتماً يتغير، وإن خطاب الشباب ليس كخطاب الشيوخ، وإن خطاب الرجال ليس مثل خطاب النساء، وخطاب أهل القرية ليس مثل خطاب أهل المدينة، فلكل جماعة خطابهم الذي يناسبهم ويناسب عقولهم، واستدل الشيخ القرضاوي بقول الحق سبحانه (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).
وفي هذا السياق قال : لا عجب أن نرى بأن القرآن المكي غير المدني من حيث الأسلوب والموضوعات على الرغم من أن كلاهما من الله عز وجل، إلا أن لكل مرحلة خطاباً يناسبها، مشيراً إلى أن الداعية الموفق هو الذي يكلم قومه بلسانهم.

وقال القرضاوي : إن العلماء قرروا أن تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال، لذا فإننا رأينا أحكاماً تغيرت من عصر إلى عصر وهي تتعلق بالحلال والحرام والواجب والمستحب.. فحري بنا أن نغير لغة الخطاب والدعوة.وأشار إلى ضرورة انتقال لغة الخطاب من لغة الهجوم إلى لغة السلام، ومن لغة الصراع إلى الحوار، ومن لغة الانغلاق إلى الانفتاح، ومن التعصب إلى التسامح، ومن الجمود إلى الاجتهاد، من الغلو والتسيب إلى الوسطية والاعتدال، فهي لغة الخطاب المطلوبة.وعن الوسائل التي تعين الداعية على أن يفهم هذا الفهم ويفقهه، قال بأن هناك وسائل عدة تتعلق كلها بتوسيع ِأفق الداعية، فعلى الداعية أن يتمتع بعدة ثقافات، منها الثقافة الدينية والتاريخية والأدبية واللغوية والإنسانية والعلمية، هذا إلى جانب التوعية من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وإقامة المسابقات والمؤتمرات والندوات والدورات.
أما عن المعوقات التي تحول دون تحديث هذا الخطاب أشار الشيخ القرضاوي إلى إنّ‮ ‬ضعف التكوين العلمي‮ ‬للدعاة وضيق الأفق بالإضافة إلى التعصب للأفكار الأحادية من أبرز معوقات العمل في‮ ‬مجال الدعوة والخطابة الإسلامية‮.‬

ومن جهته،‮ ‬دعا الشيخ محمد علي التسخيري‮ رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في محاضرته quot;الخطاب التقريبي ودوره في وحدة المسلمينquot; ‬إلى تحقيق عناصر التوازن في‮ ‬شخصية الداعية وخطابه،‮ ‬مؤكدا على ضرورة تجنب الخطابات السطحية والتهور في‮ ‬العمل والانغلاق على الذات، وقال : إن من الأمور التي يجب أن يتوازن فيها الداعية أن لا يكون سطحياً ولا يكون مفرطاً في التعمق الذي لا يفهم، كما يجب أن لا يدعو للتسرع والتهور من جهة وأن لا يغرق في النفس التغييري المتعجل، كما يجب عليه أن لا ينغلق على نفسه ولا يكون مفرطاً بالتأثر بالحوادث، مشيراً إلى ضرورة الموضوعية في الطرح ، وأن يعتبر الداعية العمل الاجتماعي نوعاً من التزكية للنفس أيضاً، كما ينبغي أن يعمل الداعية لتحقيق المصالح الأخروية و في نفس الوقت لا ينسى نصيبه من الدنيا، و أن يوازن بين الخوف من غضب الله تعالى و الأمل بعفوه.وأضاف الشيخ التسخيري بأن على الداعية أن يربي العقيدة والتوحيد والتقوى كما يربي العاطفة أيضاً، فالتوحيد يوجد التقوى، والتقوى يوجد حب المتقين، وإذا وجدت العاطفة الجياشة هدت السلوك الإنساني نحو الأهداف المطلوبة.