إيلاف: على القراء أن يعدوا أنفسهم لمهرجانٍ من السذاجة. ففي تقرير حديث سئل الجنود الأميركيون عن سبب وجودهم في العراق, فكانت إجابة 85% منهم أن quot;المهمة الأساسيةquot; كانت quot;الانتقام من دور صدامquot; في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). يقول الكاتب مارتن إيميس أن حوالي ثلثي المدنيين الأميركيين يشتركون في إساءة الفهم, ولكن ما لا يُصدّق هو أن يجازف الجنود في الخطوط الأمامية بحياتهم بهذه اللامبالاة.

إن شبه الإجماع على إجابة ذلك السؤال لا تعود إلى الجهل, وإنما إلى الرغبة نفسها التي تشجع الفكرة السائدة بين المسلمين بأن أحداث 11 سبتمبر كانت من عمل الموساد.

يضيف إيميس في صحيفة التايمز أنه بالرغم من قلة عدد الأميركيين الذين يظنون أن الإسرائيليين هم من قاموا بذلك, إلا أن ما يقارب النصف (42%) يعتقدون أن الأميركيين هم من قاموا به. هذا يعني أن الأميركيين في المتوسط أقل ثقة بواشنطن من الباكستانيين في المتوسط (إذ يعتقد 41% فقط في باكستان أن الإرهابيين العرب لم ينفذوا تلك الهجمات مقابل 59% للأتراك والمصريين و65% بين الإندونيسيين).

يعتقد المتشككون الأميركيون أن انهيار البرجين كان سببه تدمير شخصٍ خبير, كما يعتقدون أن الانفجار في البنتاغون كان منسجماً مع البقية, ولم يكن باصطدام 757 به, بل بقذيفة كروز. وبكلماتٍ أخرى, فإن واشنطن آذت نفسها.

أطباء النفس يدعون ذلك تخريفاً, أما بقيتنا فيسمونها نظرية المؤامرة, أو الرغبة الماسوشية للاحتيال والخداع. قد يعني التخريف ببساطة الفشل في الاستيعاب, ونحن نعترف بأن 11 سبتمبر لا يمكن استيعابها بشكلٍ كامل أبداً. لقد توصلنا إلى مُسلّمَة في التفكير على المدى البعيد فيما يتعلق بالإرهاب الدولي, وهي أن الخطر الحقيقي لا يكمن فيما يوقع الأذى بل فيما يحث عليه. وبذلك فإن النتيجة الخطيرة لـ 11 سبتمبر حتى اليوم هي العراق.

إن نسبة موت الأميركيين في الحرب ستتجاوز قريباً نسبة الموت في الهجوم الأصلي, وبالنسبة للشعب العراقي فإن هذه النسبة ترتفع كل ثلاثة أسابيع.

كما لن تكون الخسائر مجرد خسائر تأمينية؛ إذ يمكن ظهور آثارها في إجازاتنا تواصل تقدمها على أساس الخُلُق والعقلانية. إن الأمر يبدو وكأن 11 سبتمبر جذب زيادة صافية للقدرة على الاقتراح, على كل المستويات. ويرى إيميس أن الحقيقة هي أن أميركا لم تتسبب بالأذى لنفسها في سبتمبر (أيلول) 2001 كما يدعي البعض, ولكنها فعلت ذلك في مارس (آذار) 2003 وما بعده.

تبدأ رواية البرج المرتقب للورانس رايت بتصويرٍ للحكومة الثلاثية التي أسست للإسلام المطور, وتتألف من سيد قطب وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن. وفي الوضع الراهن يظهر السؤال: هل يجدر بالفقر في المادة الإنسانية الموجّه ضدنا أن يواسينا أم أن يبتلينا؟ ضمن هذه الصفحات نتعرف على مدبري الخطط والقتلة أمثال خالد شيخ محمد واضع quot;عملية الطائراتquot;. وبالنسبة للاعبين الآخرين فهناك فروق دقيقة وتغشيهم ظلال داكنة, لكن التحليل يتصف بالغباء التعليمي والتعصب الذي يتوق إلى تطبيق قانون العقوبات لأطول فترة ممكنة, كما يتصف بلامبالاة المراهق ndash; أو بالأحرى الغلام ndash; المضطربة في تعامله مع الواقع. هؤلاء الأشخاص الذين يروون الخرافات مهووسين بالدماء والموت, والحقيقة تمثل لهم شيئاً عليك أن تدور حوله لتدميره.

لقد أعطى الظواهري ثقلاً أكبر للفكرة القائلة بأن الإرهاب الدولي وُلِد ونشأ في سجون مصر. وكان الظواهري القائد والفيلسوف الأخلاقي في جماعته الجهاد, حيث نشر مذهب أو بدعة التكفير. وكما يوضح رايت فإن: quot;التكفيريين أقنعوا أنفسهم بأن إنقاذ البشرية يقع على الجانب الآخر من المنطقة الأخلاقية التي لطالما كانت مكاناً معيناً للملعونين. وقد يتحملون المجازفة بأرواحهم الأبدية في تولي السلطة الإلهية في تقرير من هو المسلم الحقيقي ومن هو ليس كذلك ومن يجب أن يحيا ومن يجب أن يموت.quot;

وهذا بدوره يجعل السكان جميعهم عرضة للقتل. وفي الحقيقة لم تستفد أي عقيدة مسلحة في التاريخ من استهدافٍ موسع يشمل كل شيء وكل أحد.

ويبقى هذا القرار مستقراً في مكانه. إذ كانت مساهمة بن لادن تتمثل في صورته, وليس أكثر: الأعمال الباطلة تستتر وراء هالة مشرقة من السعادة. وفي الحقيقة يبقى تشوه شخصيته سراً دفيناً. فقد سُجِن الظواهري وعُذِّب, وسُجِن قطب ونُفي, ولكن لم يمس أحدٌ بن لادن بضرر. وكان بين حشدٍ من المتعصبين ضعيفي البنية والشيوخ فاقدي البصر ورجال الدين المشلولين, كان بن لادن بينهم يتمتع بصحةٍ جيدة دائماً.

وفي الوقت الذي أعلن فيه صراحة عن حربه ضد أميركا عام 1996 كان بن لادن يعيش في أحد كهوف تورا بورا, بلا وطن, بلا مال, يتضور جوعاً. لقد كانت إنجازاته بمثابة أسطورة, أو تخريف, فقد كان مجاهداً من قبل وفشل في مجال الأعمال عدة مرات.

وعلى نحوٍ موجز, فكان خبيراً مالياً إرهابياً نفد منه المال ووجد نفسه تحت رحمة السلطة الإسلامية المحلية, أعضاء القرية النكرة المعروفين بالطالبان.

وبعد فترة قصيرة كان من المحتمل أن يكون الظواهري في أحد السجون الروسية, وكان بن لادن يقتات على الخبز الفاسد والماء الملوث. في هذه المرحلة بدا أن بقاء القاعدة أمرٌ غير محتمل, وكانت فرص قيامهم بعملية بحجم 11 سبتمبر ضئيلة للغاية. ولم يكن quot;إعلان الحربquot; سوى أنين محتضر.

كيف تحول إذن ساكن الكهوف المحاصر إلى المهدي المتألق في 2001؟ لقد كانت سمعة بن لادن السيئة تجلب له الربح, ففي عام 1998 بدأ زعيم الطالبان الملا عمر باستلام رشاوى من إحدى الدول العربية كدفعةٍ أولى لتسليمه للأميركيين. لكن عمر وأسامة كان رفيقين وشركاء عمل, ففي ذلك الصيف نفذا تفجير السفارات في كينيا وتنزانيا. قتلت القاعدة في نيروبي 206 أفريقي وجرحت 4500 (150 فقدوا بصرهم جراء الزجاج المتناثر) إضافة إلى 12 أميركياً, أما في الهجوم الذي لم يكتمل تنفيذه في دار السلام فلم يتسبب في مقتل أي أميركي. وعلى الرغم من أن ردة الفعل الإسلامية لم تكن بالمستوى المطلوب, فإن ردة الفعل الأميركية هي التي أعطت القوة لبن لادن.

فقد بقي عدد من الـ 66 قذيفة كروز التي أطلقها الأميركيون على المعسكرات حول خوست في أفغانستان سليماً لم يتفجر. وحسب رايت (ومرجعه المخابرات الروسية) فإن quot; بن لادن باع القذائف غير المتفجرة إلى الصين بقيمة 10 ملايين دولار.quot;

وفي هجوم القاعدة التالي على USS Cole في 2000 اتضحت الرموز في هذه الصورة: سفينة مقاتلة يشلها زورق صغير. وبعد أن أسست هذه العملية لبطولةٍ عالمية في معاداة الأميركيين أصبح بن لادن يستقبل مجندين جدد يحملون حقائب ممتلئة بأموال النفط من المعجبين بأعمال الترويع في الخليج, كما يذكر إيميس في مقاله.

نشأ 11 سبتمبر بحد ذاته كفصلٍ من التوافق القبيح. كانت quot;عملية الطائراتquot; تتألف في أيامها الأولى من سعوديين لا يتحدثان الإنجليزية يتجولان في لوس أنجلس غير قادرين على ما يبدو على السؤال عن الطريق إلى أقرب مدرسة للطيران.

كل شيء كان معداً لإخفاقٍ آخر من إخفاقات القاعدة, بالتساوي مع محاولة اغتيال البابا في 1994. إن الهجوم المدهش كان فاشلاً حتى قدوم quot;فريق هامبورغquot; إلى قندهار: إن هؤلاء يتبعون الأسلوب الغربي بشكلٍ سطحي, كما أنهم عقلانيون بشكلٍ سطحي أيضاً: يسيطر عليهم جنون العمل.

التوافقات السلبية ميزت كذلك النهاية الأميركية للقصة. من المؤلم تتبع التقصير بين الوكالات والاستياء والتحذلق الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الكارثة. جون أونيل الرجل الذي كان أقرب الأشخاص لتفاديها استقال من الـ FBI في أغسطس (آب) 2001, واستلم عمله الجديد كرئيس الأمن في مركز التجارة العالمي في الثاني والعشرين, لقد كان أمامه 19 يوماً من الحياة.

يظهر رأي الخبراء في الغرب اقتناعاً كبيراً بأن القاعدة انتهت. وأصبحت القاعدة الآن quot;أسلوباً في التفكيرquot;. وما هو هذا الأسلوب؟ حينما يعتقد المرء أنه من الممكن أن يكون قاتلاً عشوائياً ومسلماً صالحاً في آنٍ واحد.

يختتم إيميس مقاله بالقول أن المؤامرة المكشوفة هنا هي الحملة التي يقوم بها الكفار للقضاء على الإيمان. وبدأت منذ تراجع القوات التركية من فيينا والتصديق على العقيدة الإسلامية, لقد كان ذلك في العام 1683 وكان اليوم 11 سبتمبر.

إعداد سامية المصري