ميرفت أبو جامع من غزة: رغم إشعال وتزيين شجرة الميلاد في بيتها، تشعر المسيحية سها من جنوب قطاع غزة ،بأنها لا تعكس فرحتها في ظل هذه الأجواء القاتمة في غزة، بل أن انقطاع الكهرباء المتكرر عن قطاع غزة يحرمها من إضاءة وإنارة شجرة الميلاد ، وهو الطقس الوحيد بعد الصلاة التي تستطيع أن تمارسه في غزة المشتعلة بحصار واحتلال وأوضاع متدهورة . ولا يشعر المسيحيون في قطاع غزة بأي اختلاف في الاحتفال بالأعياد في ظل أجواء الحصار بينهم وبين المسلمين من سكان غزة، بل تكاد طقوس أعيادهم الباهتة تتشابه في غياب الفرحة والمظاهر الخجولة دون إضفاء أي بهجة للأعياد.

عيد بلا مظاهر

وبعد يومين يحتفل مسيحيو العالم من طائفة اللاتين بعيد الميلاد المجيد إلا أن مسيحيي غزة يختلف عيدهم تماما كما هو الحال لدى المسلمين الذين احتفلوا قبل أيام بعيدهم دون أي مظاهر احتفالية حتى مفهوم العيد لم يعد مصحوبا بفرحة.

إيلاف حضرت صلاة وقداس الأحد الذي أجري داخل كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة احتفاء ببطريرك القدس فؤاد الطوال الذي يزور قطاع غزة لأول مرة بعد تعيينه خلفا للبطريرك ميشال صباح المتقاعد منذ حزيران الفائت ، والتقت عدد من المسيحيين الذين أدوا الصلاة وتضرعوا بالدعاء كي يعم السلام أرجاء الأراضي الفلسطينية ويرفع الحصار عن قطاع غزة.

الشاب المسيحي فؤاد عياد يقول لإيلاف:quot; شعرنا بغصة في احتفال المسلمين بعيد الأضحى حيث لم يجدوا أضحية وليست ثمة مظاهر فرحة تذكر، ويتابع:quot; أمل أن تكون أعيادنا تعويض لما عانوه المسلمين في أعيادهم ،

ولدى خروجه أول من أمس من صلاة الأحد داخل الكنيسة أشار فؤاد إلى انه يصلي في كل اليوم تسع مرات من اجل كسر الحصار عن غزة وعودة الوحدة الوطنية للفصائل الفلسطينية المتناحرة ، ويحتفظ فؤاد بعلاقات جيدة مع أصدقاء مسلمين له في منطقة سكنه منذ طفولته وقد أشار انه اصطحبهم معه للكنيسة ليشهدوا صلواته.

منع زيارة بيت لحم

ويمنع فؤاد منذ ثلاث سنوات من دخول الضفة الغربية وبيت لحم لحضور الصلاة في كنيسة المهد التي يؤمها المسيحيون من دول العالم وتشهد احتفالات كبيرة ، ويقول فؤاد :quot; اشتقت للمدينة المقدسة وللصلاة في كنيسة المهد ورؤية والدتي وشقيقتي هناك في بيت لحم وفي يافا .

ويشير فؤاد أن المخابرات الإسرائيلية عرضوا عليه التخابر معهم العام الماضي مقابل الذهاب للصلاة في كنيسة المهد إلا انه رفض ذلك بشكل كبير. وينتظر فؤاد موافقة إسرائيل على منحه تصريح للسفر إلى بيت لحم والاحتفال هناك مع والدته وأخته بالعيد :quot; ويقول :quot; العيد هناك له طعم مختلف وهو يحرص على ذلك، ولكنه لا يدري أن يتمكن هذا العام من المشاركة في الاحتفالات بكنيسة المهد أم لا وتابعquot; لا زلت انتظر الموافقة لدى الجانب الإسرائيلي quot;.

وبحسب مصدر مسيحي رفض الإفصاح عن اسمه فان نحو 1000 مسيحي تقدموا بطلب الحصول على تصاريح لدى دائرة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية بغزة ،وذلك لزيارة مدينة بيت لحم والمشاركة في أعياد الميلاد المسيح إلا انه حتى الآن لم تبدي إسرائيل موافقة على خروج أيا منهم ، ولازالوا يترقبون الموافقة .

وأكد المصدر بان إسرائيل تتعمد منع المسيحيين من الدخول إلى الضفة الغربية ،من اجل إفساد فرحتهم بالأعياد المجيدة وإلحاقها بأعياد المسلمين ، ولفت إلى انه في العام الماضي سمحت إسرائيل بدخول 500 مسيحي من أصل 700 تقدموا بتصاريح دخول لبيت لحم ، ويشير المصدر إلى انه منذ العام 2000 لم يغادر قطاع غزة وتضع إسرائيل كلمة مرفوض على التصريح الذي يتقدم به رافضا ذكر أسباب .

ويوجد في قطاع غزة نحو 3 ألاف مسيحي، من بين 65 ألف مسيحي منتشرين في الأراضي الفلسطينيةquot; الضفة وقطاع غزة والقدسquot;، وتمنع إسرائيل منذ سنوات المسيحيين في غزة من الوصول إلى الأماكن الدينية المقدسة لممارسة الشعائر الخاصة بهم خاصة في فترة أعياد الميلاد المجيد كما تحرمهم ممن السفر إلى بيت لحم التي تقع فيها كنيسة المهد وقبر المسيح .

ولم تشارك سها التي تقطن جنوب قطاع غزة الأعوام الأربعة الماضية في الصلاة في كنيسة المهد حيث يحج إليها المسيحيون من المحافظات الفلسطينية كافة ومن دول العالم ،ولا تتوقع هذا العام أن يسمح بخروجها، وقالت :quot; نعيش في ضغوطات نفسية كبيرة بسبب الحصار ،كثير من السلع الغذائية نفتقدها بالأسواق كما أن انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل ينغص فرحتنا في الاحتفال بأعيادنا وإشعال شجرة الميلاد التي وجدناها بصعوبة بعد أن فقدت فترة من الأسواق شان السلع الغذائية والمواد الأساسية الأخرى بغزة .

ولفتت أن احتفالها بالعيد يقتصر على الصلاة في الكنيسة وإيقاد وتزيين شجرة الميلاد وزيارة الأصدقاء والأقارب لمعايدة والتبريكات بالعيد فقط .مناشدة مسيحيي العالم بان يقفوا إلى جانب شعب غزة مسيحيين ومسلمين لرفع الظلم والحصار الجائر عنهم.

أمنية لو تتحقق

quot; ياريت أزور كنيسة المهد للصلاة وأقبل قبر المسيح وأتجول ببيت لحم أزور الأقارب والأصحاب quot; أمنية باتت ملحة جدا للمسيحية منيرفا سابا من غزة مع قرب أعياد الميلاد المسيح ، لا تدري إن كانت ستتحقق أم سيكون وئدها كما هو الحال العام الماضي .

وكانت أم سليم سابا قد تقدمت وابنها بطلب تصريح العام الماضي كبقية المسيحيين في قطاع غزة للاحتفال في العيد الميلادي المجيد هناك إلا أنها تفاجأت بما لا يروق لها وعكر فرحتها باستلام التصريح انه سمح لها ولكن منع ابنها من الدخول وقالت:quot; بأي حق يمنع ابني من مرافقتي مضيفة أنها لم تستطع السفر وحدها لذا رفضت السفر وبقيت حزينة في غزة .

أمنية أم سليم التقت وحلم المواطنة المسلمة خضرة حمدان في أن تصلي في المسجد الأقصى الذي يعد قبلة المسلمين الأولى، وأجر الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة ، ويحرم سكان قطاع غزة من الحركة والتنقل إلى الضفة الغربية وزيارة مدينة القدس والصلاة في المسجد الأقصى ، وتمنع إسرائيل منح الفلسطينيين من قطاع غزة تصاريح الدخول إلا في نطاق ضيق يشمل الحالات الإنسانية الطارئة والمرضية.

وتذكر حمدان أن عيد الأضحى الماضي قد مر على قطاع غزة في أجواء كئيبة وتخلو من البهجة والسرور لافتة أن الحصار لا يفرق بين مسلم ومسيحي ،يفرغ أعيادنا من مضمونها الجميل ومعناها الحقيقي للفرح بل انه أصبح يجلب الحزن إلينا .

وطالب البطريرك الطوال أول من أمس بضرورة أن يتمتع جميع أبناء الشعب الفلسطيني بحرية الحركة والتنقل والوصول إلى الأماكن المقدسة حتى يتمكنوا من القيام بشعائرهم الدينية بحرية وأمان..

ووصف الطوال حصار غزة بأنه إجراء ظالم وجائر، داعيا إلى أن يرفع الحصار ويعم السلام على الفلسطينيين ،وان يحلو مشاكلهم بأنفسهم دون تدخلات خارجية ، معتبرا أن من العيب أن يأتي الحل بتدخل أطراف أخرى خارجية .

وناشد المنسنيور منويل مسلم، راعي طائفة اللاتين في قطاع غزة، البطريرك الطوال باستذكار قطاع غزة في صلاة الوحدة والمحبة في كنيسة المهد في بيت لحم، عبر الوقوف دقيقة صمت داعيا أن وأن يكون له صوت مجلجل وهو يدعو إلى وحدة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الانقسام .. وقال:quot; أن احتفال مسيحيي قطاع غزة ومعهم إخوانهم المسلمون لا ينبع من فراغ، وإنما ينبع من الأمل بأن الكنيسة لها دور حقيقي في تأسيس السلام على هذه الأرض.quot;.

وتابع أن سكان غزة أصبحوا ضحايا للحروب في الوقت الذي أعطت فيه كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية والإنسانية للمواطنين الضعفاء والأبرياء حق الحماية في زمن الحربquot;. مشددا على أن السلام العادل لا يمكن أن يأتي إلا من القدس، مدينة السلام، والتي حولها الاحتلال الإسرائيلي إلى مدينة دماء وحرب.

الحال يبدو أكثر غصة ومرارة عندما تحدثت انتصار البديري وهي مسيحية تحمل الجنسية المصرية وتشير أنها منذ دخولها إلى قطاع غزة قبل 11 عاما بعد ارتباطها بزوجها المسيحي الفلسطيني من غزة لم تفارق القطاع بل أنها تتواصل مع أهلها في مصر عبر التلفون فقط وتشير أن الأعياد تمر عليها تاركة حزن شديد حيث ليس بإمكانها السفر لرؤية أهلها هناك إذ توفي أحد والديها دون ان تودعه ،
وأشارت أن مسيحيي قطاع غزة يعانون من ارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية والمواد الأساسية بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة.

البطريرك طوال ندد بالإجراءات الإسرائيلية التي تمنع أبناء الدين الإسلامي والمسيحي من الوصول إلى الأراضي المقدسة وتعيق حركتهم وقال متسائلا quot;أين صانعي السلام ؟ طوبى لهم ! فنحن نريد لطفل بيت لحم المسيح ان يأتي من جديد ويسير في شوارع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية دون خوف أو جوع وان يمشي في الأراضي المصادرة ويرى الحوانيت المغلقةquot;.

وانتقد طوال سلطات الاحتلال لعدم منح تصاريح للمسيحيين تمكنهم من المشاركة في أعياد الميلاد في بيت لحم، وقالquot; quot;إن الوضع مأساوي في هذه الأرض الطيبة وأن أهلها يمرون بمعاناة جبارةquot;،متمنيا أن يرفع الحصار ويتمكن مسيحيو غزة من المشاركة في احتفالات العيد المجيد ببيت لحم هذا العام ..

ويحتفظ المسيحيون والمسلمون في غزة بعلاقات جيدة رغم بعض الاعتداءات خلال العام الحالي على المؤسسات المسيحية في القطاع وتلفت سها إلى أن علاقتها جيدة بجيرانها المسلمين بل أنهم يتبادلون التهاني والتبريكات في أعيادهم المختلفة ولا تشعر بثمة فرق في المعاملة بينهم، لافتة أنهم يعيشون تحت مظلة وطن واحد فلسطين ويعيشون ذات المعاناة في ظل الحصار والأوضاع الاقتصادية المتردية.