يعملون للإنتخابات النيابية في لبنان كأنها غدا
الشيخ والجنرال وquot;الحكيمquot; ... صراع الأحجام
إيلي الحاج من بيروت: بدأت قوى لبنانية عدة تتصرف كأن الإنتخابات اللبنانية المقبلة واقعة غداً مع أن موعدها الطبيعي هو ربيع 2009، إذا قدر للبنان أن يٌنتخب له رئيس للجمهورية، وأن تتشكل فيه حكومة جديدة على قاعدة وحدة وطنية طبعاً، وأن تضع هذه الحكومة مع مجلس النواب قانوناً جديداً للإنتخابات أصبح شبه متوافق على أن تكون الدائرة فيه هي القضاء، في عودة إلى التقسيمات الإنتخابية التي اعتمدها قانون عام 1960.
وتثير هذه الحسابات الإستباقية منافسات خفية بين أحزاب يفترض أنها متقاربة ومتحالفة وذات توجه واحد، وقد تبعث على الدهشة في أوساط غير مواكبة للحركة الإستقطابية المحمومة خصوصاً في البيئة المسيحية الأكثر تعددا سياسياً وغير المعقودة اللواء لقيادة واحدة، خلافاً لما هي الحال في البيئة السنية حيث يعبر quot; تيار المستقبل quot; عن أكثرية شعبية مرتاحة في بيروت والشمال والجنوب والبقاع، وفي البيئة الدرزية حيث يظل رئيس quot; اللقاء الديموقراطي quot; النائب وليد جنبلاط بحزبه التقدمي الإشتراكي وكتلته النيابية متقدماً بأشواط بعيدة عن خصومه، وطبعاً في البيئة الشيعية حيث يحتكر quot; حزب الله quot; ، هو أيضاً ومعه حليفته quot; حركة أمل quot;، التمثيل الشيعي في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وضع المسيحيين يختلف. فعن حق أو عن صواب يعتقد أطراف قوى 14 آذار/ مارس من هذه الطائفة أن الخط السياسي الذي انتهجه رئيس quot;التيار الوطني الحرquot; النائب الجنرال ميشال عون بالتحالف مع quot;حزب اللهquot;، الشديد الإرتباط لأسباب مختلفة منها العقائدي ومنها السياسي والمصلحي بكل من إيران وسورية، قد أدى إلى إنهاء الوكالة التي أعطاها المسيحيون للجنرال عون في الإنتخابات النيابية عام 2005 بنسبة قاربت السبعين في المئة من الأصوات. ويرى هؤلاء أن كثافة التصويت لمصلحة لوائح عون والمتحالفين معه آنذاك كان مردها إلى الرغبة في الرد على التحالف الإنتخابي الذي عقده quot;حزب اللهquot; في تلك الحقبة مع قوى 14 آذار/ مارس . أي كانت وجهة الإقتراع إنتقامية ممن ارتضوا التحالف مع الحزب وأفاد منها الجنرال عون إلى أقصى حد، قبل أن يتحالف بنفسه سياسياً وإعلامياً وفي الساحات والشوارع مع الحزب الذي لم تعد تجمعه بحلفائه الإنتخابيين السابقين في 14 آذار/ مارس إلا التخوينات المتبادلة ونبرة خطابات التحدي العالية.
وتعكف لجان متخصصة من بعض أطراف قوى 14 آذار المسيحية على درس الوضع الإنتخابي في كل مدينة وبلدة وقرية وحي لمتابعة تطور اتجاهات الرأي العام من كثب، وبعد الإنتخاب الفرعي في منطقة المتن الشمالي لملء المقعد الذي شغر باغتيال الوزير والنائب الراحل بيار الجميّل استنتجت أن قاعدة الجنرال عون الشعبية أقله في تلك المنطقة تقلصت إلى حد كبير عما كانت قبل سنتين، وإن أنقذ ماء وجهه هناك وربح المقعد النيابي نتيجة للتصويت الكثيف والمفاجىء لأنصار النائب ميشال المر وحزب الطاشناق الأرمني . وبالنسبة إلى القوى المنصرفة إلى الحسابات الإنتخابية يعني انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية واجتماع النائب ميشال المر ورئيس حزب الكتائب أمين الجميّل على دعمه والوقوف وراءه بقوة أن تفاهماً تلقائياً سينشأ أو سبق أن نشأ بالقوة في انتظار تحوّله تحالفاً بالفعل إنتخابياً في المستوى الأدنى، وسياسياً في ظل quot;فخامة العمادquot;.
لكن المنصرفين إلى هذه الحسابات لا يفكرون وحدهم أمام رقعة الشطرنج اللبنانية، بدليل أن صحيفة quot;الوطنquot; السورية كتبت مرتين خلال الأسبوع الماضي أن الشروط التي ستضعها المعارضة للموافقة على انتخاب سليمان رئيساً سوف تتضمن شرطاً إضافياً هو التعهد بعدم التدخل إطلاقاً في الإنتخابات النيابية وتشكيل اللوائح، لا سيما في منطقة جبل لبنان، التي حصد الجنرال عون كل المقاعد النيابية في ثلاث من أقضيتهاحيث يشكلون المسيحيون أكثرية كبيرة.
وشكل التجمع الشعبي الضخم في وسط بيروت لإحياء الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط / فبراير مناسبة لقوى 14 آذار/ مارس لإظهار الأحجام، للآخر الذي هو قوى 8 آذار / مارس والمتحالفين معها، وللداخل بما هو مناسبة أيضاً ليبرز كل طرف مدى اتساع قاعدته أمام حلفائه. وبدا جلياً لمن راقبوا مشهد تدفق الحشود سواء معاينة أو عبر شاشات التلفزة أن المشاركة الشعبية فاقت ما كانته السنة الماضية، خصوصاً وكثيراً من quot;الجمهور المسيحيquot; . ومع أن هذا الجمهور غير ملتزم حزبياً في غالبيته بل يماشي من يرى أنه يعبر عن اقتناعاته في اللحظة الراهنة، فقد طغت على المواكب المنظمة أعلام حزب quot;القوات اللبنانيةquot; وشعاراته الأمر الذي دفع مسؤولاً في حزب الكتائب اللبنانية إلى معاتبة أحد المسؤولين عن الإعلام في quot;تيار المستقبلquot; قائلاً : quot; لا تظهرون على شاشة تلفزيونكم إلا quot;القواتquot;. وكان جواب المسؤول الإعلامي quot;المستقبليquot; فورياً: quot;الكاميرات مثبتة لا تتحرك على الجسور عند مداخل بيروت الشمالية، عليكم وعلى غيركم . ما ذنبنا؟quot;.
لكن المداخلات الأكثر تعبيراً عن طبيعة المنافسة الخفية جاءت على مستوى أعلى . فرئيس الهيئة التنفيذية لحزب quot;القواتquot; سمير جعجع إشترط على منظمي المهرجان أن تكون كلمته الأخيرة قبل كلمة نجل المكرمة ذكراه رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري، لكنه تبلغ أن البروتوكول يقضي بأن تكون كلمة ما قبل الختام للرئيس الجميل كونه رئيساً سابقاً للجميّل . فكان جوابه أنهم إذا أرادوا إتباع البروتوكول فيقتضي أن تكون كلمة الجميّل هي الأخيرة، وأبدى عدم رغبة في إلقاء خطاب في الذكرى، مما حمل المنظمين على تعديل البرنامج ليتكلم على التوالي جنبلاط ، الجميّل ، جعجع ، فالحريري. وألقى الجميّل خطاباً إرتجالياً ndash; عاطفياً لم يضف جديداً إلى ما قيل قبله فلم يعوّض بالسياسة ما لم يظهره في الصورة.
quot; الصورة المشتتة ndash; الصورة المركزةquot;
ويحمل مظهر تشتت مشاركة الكتائبيين في المهرجان، مع أنها كبيرة، مقارنة بquot;القواتيينquot; الذين بدوا أضعافاً وأضعافاً على البحث في أسباب، يبرز أولها في اعتبار المسؤول الجديد عن الشباب والطلاب في حزب الكتائب سامي أمين الجميّل، حسب قوله لبعض رفاقه، أن quot;المناسبة للرئيس الحريري، إذا شئتم أن تشاركوا فشاركوا، وإذا لا فأنتم أحرارquot;. موقف ينم عن قلة خبرة فادحة في العمل السياسي لأن المناسبة كانت مقياساً لإثبات الحجم والحضور الشعبي أولاً، ولبرهان التحالف مع quot;تيار المستقبلquot; والحزب التقدمي الإشتراكي وبقية مكونات قوى 14 آذار ثانياً، والوفاء لدماء الرئيس الحريري الذي لولاه لكان ممكنا لشباب الأحزاب والتيارات المسيحية، من كتائب وquot;قواتquot; وquot;تيار عونيquot; أن يتظاهروا عشرات السنوات في ساحات جونية والأشرفية مطالبين بخروج السوري من لبنان ولا يتحرك منه أي جندي سوري في اتجاه دمشق. وقائع ما كانت لتخفى على بيار الجميّل الإبن الذي بدا أن قتلته كسروا به ظهر عائلة الجميّل والكتائب معاً.
وفي حين عمل جعجع بنفسه مدى أشهر طويلة على إعادة كوكبة الأنصار وتنظيمهم بفاعلية حول حزبه وحقق إنجازات على هذا الصعيد لافتة للعيان، مركزاً quot;كاريزماquot; شخصيته عليهم ndash; وهي مسألة غير موضوعية، لكنها حديث آخر- انصرف الرئيس الجميّل إلى إعادة هيكلة حزبه من خلال مؤتمرات إستثنائية متلاحقة تلبية لحاجة ملحة بعد أعوام التشرذم. إلا أنها خطوات تبقى دون المطلوب لإحياء حزب قديم باتت تعوزه العصبية الجامعة والجدية والمثابرة التي يتفوق فيها جعجع من دون أن يعير موضوع الهيكلة إلتفاتة اهتمام . وطبيعي أن الكتائبيين ما فتئوا ينظرون إلى quot;القواتquot; على أنه حزب منشق عن حزبهم أي أنه quot;أصغرquot;، بينما يتطلع quot;القواتيونquot; العاملون على الحسابات الإنتخابية المبكرة - بطموح مشروع طبعاً- إلى 20 نائباً لحزبهم في البرلمان، ولا يرون للكتائب الحالية وجوداً فارقاً إلا في المتن الشمالي، لكن هؤلاء quot;القواتيينquot; عندما يُسألون عن الكوادر الحزبية التي ستملأ هذه المقاعد المأمولة في مختلف المناطق لا يملكون جواباً.
التعليقات