باتوا بين ناري الاقتتال الداخلي والتصعيد الاسرائيلي
المصالحة الوطنية بين الفلسطينيين أصبحت حلما!

نجلاء عبد ربه من غزة : غزة هي الحالة... مساحة يابسة، ممتدة ما بين البحر المتوسط وصحراء النقب، تحمل في رحم بطنها تاريخا غطته رمال التاريخ منذ آلاف السنين.. كانت غنية بوقائع التاريخ وشموخ النصر، شهدت معارك لم يستطع طغاة الأرض أن يمحوها بكل مبتكراتهم، إلا أنها الآن فريسة أطماعٍ محلية، بأيدٍ داخلية، قاتلوا أنفسهم بأنفسهم.. فقتلوا وجرحوا.. منهم من شُرّد، وآخرون إحتلوا أنفسهم.. وكانت النتيجة لا شيء سوى الحسرة على من رحل وسط هذا التخبط، وترك خلفه يتامى وأرامل.

فمن نتائج سيطرة حركة حماس على غزة في حزيران الماضي انقسام حاد في الشارع الفلسطيني، وتحديداً في قطاع غزة الذي تضررت شريحة واسعة منه، وهي مؤيدو حركة فتح، ما خلق جوًّا من الكراهية وصلت لحد تمني البعض من مؤيدي حركة فتح أن يتم إسقاط حماس في غزة، حتى لو كانت عن طريق إسرائيل، بينما يرى البعض الآخر أنه يجب الوقوف في خندق واحد معها أمام العدو الطبيعي، وهو الإحتلال الإسرائيلي.

الفلسطينيون في غزة يتمنون عودة الوفاق رغم صعوبته
قد يستغرب البعض، بحسب الشاب خالد المؤيد لحركة فتح، من هذا الفكر السلبي، لكنه عزا ذلك إلى نهج حماس المتبع في غزة، quot;فهي لم تدع أحداً من عناصر أو حتى مؤيدي حركة فتح، إلا وإعتقلته وأهانته، ناهيك عن التعذيب داخل سجونهاquot;

ويقول محمد، شاب ذو لحية طويلة لكنه فتحاوي، quot;عاملوني حماس داخل سجن المشتل، وكأني عميل لإسرائيل، حتى عندما كنت أؤم بالشباب داخل السجن، كنت مربوط العينين، وأظن أن جميع من خلفي في الصلاة كذلك الأمرquot;.

ويضيف هذا الشاب وهو يبتسم لـ إيلاف، quot;كم تمنيت أن يقتلوا سجانينا لأن تصرفاتهم غير إنسانية، يدّعون الإسلام وهو بريء منهم، هم الإسم فقط، يقولون إنهم لا يعتقلون أحداً على خلفية سياسية، بينما كان ولا زال سجن المشتل، شمال غرب غزة، يغص بالزائرينquot;.

ويروي احد الشباب الذين أصابتهم حماس في ركبتيه، وأقعدته على كرسي متحرك، يحكي قصته quot;عندما جاءوا لمنزلي كوني تابعا لجهاز الأمن الوقائي، وسحبوني أمام أمي وزوجتي، وعند باب البيت أجلسوني ومددت أطرافي بحسب ما أمروني، ثم أطلقوا عدة رصاصات على ركبتي دون أي شفقة، بل وهم مبتسمونquot;.

بيد أن هؤلاء الشباب من فتح لا يمثلون الشريحة الكبرى في فكرهم، لاسيما أن معظم من تحدثت معهم إيلاف يؤيدون مسارين في آنٍ واحد، وهو المصالحة الفلسطينية، والوقوف معا ضد المحتل الإسرائيلي الذي يتربص بالفلسطينيين دون أن يفرق بين حركتي فتح أو حماس أو الجهاد الإسلامي وغيرهم من الفصائل الفلسطينية، وهو ما ظهر واضحا عندما اختلطت دماء الضحايا في شمالي قطاع غزة من كافة الفصائل.

وكان القيادي في حركة فتح إبراهيم أبو النجا نفى أي علاقة لحركته، بالخطة التي كشفتها وسائل إعلام أميركية عن أن جهات أميركية موّلت القيادي البارز في حركة 'فتح' محمد دحلان لصالح إسقاط حركة حماس بعد فوزها في انتخابات العام 2006.

وقال أبو النجا quot;لو كان الأمر كذلك لما بذلنا المستحيل من أجل اتفاق مكة المكرمة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتكليف الرئيس عباس لإسماعيل هنية مرتين بتشكيل الحكومة، ولما كانت هناك شراكة سياسية ولا أمنية، وأنا أعتقد أن خروج مثل هذه المعلومات في هذا الوقت بالذات المقصود منها صوملة الوضع الفلسطيني، وتعميق الشرخ الداخلي، في الوقت الذي نعمل فيه لرتق ما انفتق في الفترة الأخيرة، والعودة بالوضع إلى ما كان عليهquot;.وأكد أن حركة فتح بريئة من هذه الخطة براءة تامة، quot;وإذا كان لدى أي طرف أدلة فليعلنوهاquot;.

و يقول quot;عليquot; في العقد الثالث من عمره، quot;عناصر حماس هم إخواننا وأقاربنا، حتى لو قتلوا الشباب مناquot;، ويضيف quot;يجب ألا نتمنى الشر لحماس، لأن محو حماس من غزة يعني القضاء على أكثر من 300 ألف فلسطيني هناquot;.

ويشير سلمان وهو من قياديي كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح يسكن جنوب القطاع، إلى أن سلاحه لم يشرع بتاتا في وجه أيٍ من الفلسطينيين quot;حتى في ظل الأزمة التي عصفت بغزة خلال الإقتتال الداخليquot;، وأضاف quot;كنا نصب جام غضبنا على المحتل الإسرائيلي ونقصفه بالصواريخquot;.

ويعتقد القيادي في كتائب الأقصى أن الوضع في غزة يتحتم على الطرفين quot;فتح وحماسquot; أن يتعالا على الإنقسامات والتشرذم، وتوحيد صفوفهما أمام الهجمة الإسرائيلية المسعورة على غزة. ويرى سلمان أن الحل يكمن في نزول سقف طلبات الطرفين quot;للوصول إلى حلٍ يرضي الجميع في نهاية الأمرquot;.

ويؤكد الكاتب السياسي الدكتور هاني العقاد لـ إيلاف أن إسرائيل هي سبب الأزمة التي حصلت بين حركتي فتح وحماس، وهي كذلك، باجتياحها لقطاع غزة وقتلها العشرات من المواطنين ستجعل من المصالحة بين أكبر حركتين على الساحة الفلسطينية quot;فرصة سانحة أمامهما للعودة إلى حضن القضيةquot;.

وكان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية صالح زيدان أكد أن الجبهة ستبدأ قريباً حملة مشاورات ولقاءات مع حركتي فتح وحماس وفصائل أخرى، في إطار سعيها لإنهاء الأزمة الداخلية ورأب الصدع بين الحركتين، داعياً إلى ضرورة إنهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة الوطنية عبر العودة إلى الحوار بين حركتي فتح وحماس.

وشدد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية على أهمية وقف الحملات الإعلامية المسيئة بين غزة ورام الله، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في الجانبين، وتحريم الاعتقال السياسي ووقف جميع الملاحقات، مطالباً بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من جميع الفصائل بما فيها حركتا فتح وحماس، للتصدي للهجمة الإسرائيلية الشرسة على الشعب الفلسطيني.

وكانت صحيفة quot;يديعوت أحرنوتquot; العبرية قالت في مقالٍ إفتتاحي لها quot;في كل مرة استخدمت إسرائيل تجاه الفلسطينيين عقيدة الرد غير المتوازن لم تحقق شيئاً, وبشكل عام حققت عكس نيتها الأصلية: فكلما جبى الجيش الإسرائيلي منهم ثمناً دموياً أعلى، تعززت قوة صمودهم وتعاظمت استعداداتهم للقتالquot;.

وتعود الصحيفة إلى حديث أيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي مؤخراً عن سلسلة أهداف، آخرها هو quot;إضعاف حكم حماس بل وربما إسقاطهquot;, لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن القيادة السياسية والجيش في إسرائيل لا اتفاق بينهما عن إذا ما كان إسقاط سلطة حماس هو هدف مرغوب فيه وماذا ينبغي، أو يمكن أن يحصل في غزة بعد ذلك.

وكانت السلطة الفلسطينية أعلنت عن استعداد الرئيس محمود عباس لإرسال وفد إلى اليمن للتفاوض مع حركة حماس، بعد إطلاق اليمن مبادرة تدعو فيها إلى الحوار بين حركة حماس وحركة فتح لتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية.

وأكد السفير الفلسطيني في صنعاء الدكتور أحمد فوزى الديك أن الرئيس أبو مازن على استعداد لإرسال وفد للتفاوض مع حماس على أرض اليمن، إذا قبلت حماس بالمبادرة اليمنية التي أطلقها الرئيس على عبد الله صالح مؤخرا.

وناشد الديك حركة حماس الاستجابة إلى المبادرة اليمنية، معتبرا أنها فرصة يجب ألا تضيع. وقال quot;آن الأوان لطي الصفحة السوداء، النزاع بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، التي شتتت جهود الشعب الفلسطيني وأعطت الاحتلال الذريعة للقيام بعدوانه الغاشم على غزةquot; .

ويبقى حلم المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي فتح وحماس، حلم يتمناه كل فلسطيني وعربي، لتعود القضية المركزية أساس الصراع مع إسرائيل. هذا الأمر بيد قادة الحركتين، هما من يقرران عودة النسيج الإجتماعي والأيادي المتشابكة التي توحد الصفوف، لأن العدو الأول والأخير بحسب كافة المحللين السياسيين الفلسطينيين، هو من يغتصب الأرض الفلسطينية ويحتلها.