القاعدة اقترفت مجازر مروعة ربطتها بالرقم 11
11 سبتمبر quot;الأميركيquot; أفرز (حمّام دماء) جزائريا

كامل الشيرازي من الجزائر: لم تكن لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، آثارها على الولايات المتحدة فحسب، وبقدر ما كانت تلك التفجيرات انعكاسات بالغة الخطورة إقليميا ودوليا، في صورة ما حصل في أفغانستان والعراق، وخوض الرئيس الأميركي quot;جورج بوشquot; حربا مفتوحة ضدّ quot;الإرهابquot;، نالت الجزائر نصيبا لا يستهان به من إفرازات تلك الهجمات، حيث أورثت تلك التفجيرات بركانا يسمى (القاعدة) في الجزائر، فقد كان 11 سبتمبر مقدمة لتحالف التنظيم الجزائري المتمرد quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; مع تنظيم القاعدة العالمي بزعامة أسامة بن لادن.

ولم يكن إعلان نبيل صحراوي الأمير السابق لـquot;الجماعة السلفيةquot; مبايعته للقاعدة في خريف سنة 2003، وإقدام خلفه quot;عبد المالك دروكدالquot; في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2006 على تغيير اسم quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; إلى quot;قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلاميquot;، سوى مقدمة لتحول كارثي في مسار العنف المسلح في الجزائر، إذ شهدت البلاد على مدار العامين الأخيرين مجازر مروعة أودت بحياة المئات بينهم أكثر من مائة قتيل وعشرات الجرحى والمصدومين خلال الشهر الأخير، ما جعل من لغة الاستنفار والقلق سيدة للموقف في بلد زادت معدلات سخونته الأمنية خلال الـ17 شهرا المنقضية.

وكان الذي حدث في 11 سبتمبر، منعرجا غيّر من تموجه العلاقات الأميركية الجزائرية، وجعلها تأخذ بعدا آخر بعد برود استمرّ على مدار تسعينات القرن الماضي، حيث باشرت الدولتان منذ ذاك التاريخ سلسلة اتصالات مكثفة وتبادلا لزيارات مسؤولي البلدين، وجرى تسويغ كل ذلك تحت عنوان كبير مفاده خففت الولايات المتحدة الحصار على الأسلحة المتوجهة إلى الجزائر، وأعلنت عن بيعها بعض التجهيزات العسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب. وكان من الجزائر العاصمة أن quot;رغبة واشنطن لتعلم الكثير من الجزائر في مجال الحرب على الإرهابquot; على حد ما قاله وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في أواخر العام 2002.

بيد أنّ تخفيف الولايات المتحدة لحصارها السابق على الأسلحة المتوجهة إلى الجزائر، وإعلانها عن بيع نظيرتها لعديد التجهيزات العسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب، لم يرافقه استرخاء أمني، ولم تكن لمختلف الخطط التي أعلن عنها مسؤولون حكوميون في الجزائر، لتكبح جماح القاعدة وتقلل من شدة ضرباتها، رغم نجاح خطة المصالحة الجزائرية في استيعاب المئات من المتشددين، وقبول عدد غير قليل من مقاتلي القاعدة النزول لقاء تمكينهم من إجراءات عفو خاصة.

وإذا كانت الفترة ما بين 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى بدايات العام 2007، عادية من حيث الأساليب المستخدمة من طرف عناصر الجماعة السلفية وسليلتها القاعدة، فإنّ الأخيرة أقحمت الرقم 11 في قاموسها الإجرامي، من خلال تنفيذها ما لا يقل عن خمس هجمات انتحارية في اليوم الحادي عشر من أشهر أبريل/نيسان وتموز/يوليو وديسمبر/كانون الأول 2007، وتمت تلك الهجمات المدوية في المدن الكبرى وضدّ أهداف حساسة، في تحوّل عكس (تأثر) القاعدة بأحداث 11 سبتمبر 2001، ومحاولة من زعاماتها لـquot;لفت الانتباه وإثارة الإعجابquot; عبر انتقائهم quot;رمز الرقم 11quot; وما ظلّ يمثله من رنين وصدى في المخيال المحلي والدولي.

ومن تبعات ذلك، أنّ الجزائر صارت ترفع درجة التأهب الأمني تحسبا لتصعيد إرهابي محتمل في الحادي عشر من كل شهر، وسط تنامي موجة القلق على خلفية ما صار الرقم quot;11quot; يمثله في المنظور الجزائري العام، كما أحال quot;اختيارquot; (قاعدة بلاد المغرب) للرقم 11 كتاريخ لمختلف اعتداءاتها المنفذة في الجزائر، على رغبة أكبر تنظيم دموي في الجزائر حاليا للاتكاء على خلفية دينية سياسية لتفجير الوضع العام في البلاد.

ويقول quot;محمد سالميquot; وquot;سعيد بوطاجينquot; وهما باحثان جزائريان بارزان في علم الرموز والعلامات، أنّ رمزيات الاستخدام المكثف من لدن القاعدة للرقم 11 في هجماتها، يمكن تأويلها إلى ما يشكله الرقم المذكور اعتباريًا في ترتيب المصحف وما جاءت به سورة هود، من حيث حثها على وحدانية الله وحده دون غيره، ويجمع الخبيران على تقاطع تصور متشددي القاعدة الأم كما قاعدة المغرب، في كون مؤدى السورة يعني جبروت أميركا وسيطرتها على العالم بعد انهيار الثنائية القطبية وزوال المعسكر الاشتراكي وارتباط واشنطن بسياقات ومآلات العولمة.

كما يدرج سالمي وبوطاجين، عامل التعاطي مع الخرافة والأسطورة، من حيث إنّ الرقم 11 جرى الاتكاء عليه قبلاً، في تسويغ أحداث أيلول/سبتمبر، وتذكير تنظيم quot;أسامة بن لادنquot; إنّ ترسيم التأريخ المذكور له صلة بعدد العمليات التي حدثت على مدار التاريخ.

ويرى بوطاجين أنّ إمعان القاعدة في التوظيف الآلي للرقم quot;11quot;، بكونه نابعا من الخلفية الدينية والسياسية للجماعة المذكورة، ومحاولة قيادتها ومقاتليها تمرير خطاب مفاده إنّ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الشهيرة في الولايات المتحدة، هي مرجعيتها وقاعدتها الاستراتيجية، ويتفق محمد سالمي مع هذا التحليل مشيرًا إلى توكيد القاعدة في كل بياناتها على أنّها تستهدف من تسميتهم quot;الأميركيين الصليبيينquot;، لذا فهي تحرص على الاتكاء على الرقم 11 كإحالة على أكبر ضربة تلقتها المصالح الأميركية في عقر دارها قبل ست سنوات.

ويحلّل بوطاجين في مقام ثان، خطية الرقم 11 بمفاهيميته لدى القاعدة، بكون الجماعة تريد القول أيضًا إنّ هناك quot;تماثلاً إيديولوجيًاquot; بين القوى التي تصفها بـالكافرة لذا فهي تمارس مع أميركا كما العرب، المنطلق الرقمي ذاته، وتبتغي إحياء حادث ضربها برجي التجارة العالمية بأشكال سياسية إعلامية متجددة الأساليب متوحدة الدلالة.

ويلاحظ الباحثان، إنّ الرقم 11 حديث وظهر منذ سنوات فقط، بعد أن كان الرقم 7 هو الأكثر من غيره quot;سحرية ومدلولاquot;، إضافة إلى رقم 13 المعروف بما يمثله من quot;شؤم وابتئاسquot; في الثقافة الغربية، بيد أنّ شحنات هذا الرقم الأسود في الذاكرة الجزائرية المثخنة قد تختفي، إذا ما خابت استراتيجية القاعدة.