قراءة في انعكلسات الازمة المالية العالمية على العراق
ملامح ضائعة واكداس من كساد وبطالة
عبد الجبار العتابي من بغداد : قال لي : يقال انه بعد الان سوف لاتصنع سيارات، وان التنقل بين المدن والبلدان سيكون على الحيوانات او سيرا على الاقدام، ابتسمت في وجهه، قال : الظاهر انت تبتسم لانك لا تملك سيارة، ولانك سمين قليلا، فالمشي،كما تعتقد، هو الافضل بالنسبة اليك، ابتسمت في وجهه مرة اخرى، لكنه قال ايضا : ليس ذنبك بل ذنبي انا لانني سألتك، وحاول ان يترك المكان، لكنني طلبت منه ان يبقى، لكنه قرر ان يذهب ولم تنفع توسلاتي معه، وبعد ان ذهب قررت ان افكر في الامر الذي قاله، واقرأ عن الموضوع لكي استطيع ان اجيب من يسألني هذا السؤال الذي لم يكن لي فيه من قبل ناقة ولا جمل، واول خبر قرأته كان حول الموازنة العراقية لعام 2009، حيث وجدت هناك (ازمة) كما يقول اهل الشأن، وان هذه الموازنة التي تضررت بواردات النفط من الممكن ان تتسبب في حالة توقف حركة الاعمار والتنمية في البلاد، وفي ازمات كثيرة لا يحتاجها العراق فوق ما يعانيه من ازمات، كما قرأت اشياء عما حدث في العالم من خلال الازمة المالية العالمية والتدهور الحاصل في اقتصادياتها، فهالني الامر، واسترجعت اسئلة صديقي الذي ذهبت اليه لكي اعتذر، ومن الطريف انني وجدته يهيء لنفسه دراجة هوائية، ومرة اخرى وجتني ابتسم في وجهه، فقال لي غاضبا : يا مجنون.. العالم مأزوم وانت تبتسم، فقلت له : تعال معي نبحث عن اجوبة لاسئلتنا، فأقتنع بما قلت وترك دراجته، وجاء معي.
ملامح ضائعة واكداس من كساد وبطالة
![]() |
ذهبنا اولا الى سوق الاوراق المالية ببغداد، فلم نجد الا حالة اعتيادية وعملا طبيعيا، لم نسمع تذمرا الا قليلا ومن المستقبل فقط، سألنا عن الاضرار، فقالوا لا توجد حاليا، لعد وجود استثمارات اجنبية، ذهبنا الى احد البنوك، وطرحنا السؤال نفسه، فكانت الاجابة : ربما تؤثر في العام المقبل، سألنا : كيف؟، قال احدهم لنا : انخفض سعر برميل النفط الى سعر غير معقول، وهو ما لا تفكر به الحكومة العرقية لاعتماد موازنة عام 2009، وهذا يعني عدم وجود اعمال وازدياد البطالة فوق البطالة التي في البلد، قال صديقي : اذن.. ما الحل؟ قال الشخص : اعادة تقييم الموازنة بالاعتماد على سعر منخفض للنفط وتقليل النفقات الكمالية، والاعتماد على موارد اخرى، خرجنا.. وصاحبي ما زال متشنجا، احاول ان أهدأه ولكن دون فائدة، وعند اول بائع صحف اقتنى صحيفة وراح يقلب صفحاتها، ثم توقف قائلا : هاااا؟، انظر، هذا تصريح لوزير المالية، وراح يقرأه بصوت عال : قال وزير المالية العراقي بيان جبر إن الازمة المالية العالمية وتراجع اسعار النفط لن يؤثرا على ميزانية العراق للعام المقبل لكن استمرار الازمة سيكون له تداعيات كبيرة على العراق في 2010 و2011 ما لم يتوصل الى سبل لزيادة عائداته المالية، واضاف : ان انخفاض اسعار النفط العالمية لما دون الخمسين دولارا للبرميل لن يؤثر على موازنة العراق للعام 2009 بسبب وجود فائض من السنة المالية الحالية 2008 يقدر بخمسة عشر مليار دولار وسيستخدم هذا الفائض من اجل تغطية العجز للعام المقبل وتغطية انخفاض اسعار النفط، واكد أن العراق يستطيع تحمل ضغوط الازمة المالية العالمية وتراجع اسعار النفط لمدة عام لكن قول بشكل صريح اننا سنواجه ازمة حادة في عام 2010 اذا ما استمرت الازمة.
* ما سمعناه وقرأناه دعانا الى نسأل اهل الدراية والمعرفة، وبعد اللتي واللتيا اهتدينا الى الاستاذ الخبير الاقتصادي غازي الكناني، وحاولنا ان نفهم منه ما يحدث في العالم وفي العراق، فقللنا له بالسؤال المعد مسبقا التالي : (ماذا يعني انهيار وول ستريت وإفلاس بعض كبريات المصارف والمؤسسات الماليَّة، وكيف ستنعكس تأثيرات ذلك على القطاع الماليّ والمصرفيّ في العراق والعالم ) فقال اولا : بالطبع ان الازمة المالية اثرت على العالم كله، بسبب العولمة والتقدم التكنولوجي والاتصالات والمواصلات، وقد اصبح العالم قرية واحدة، وكما تعرفان كانت هناك العديد من الازمات المالية العالمية ومنها ازمة عام 1929، الازمة الكبيرة جدا، والاكبر من الازمة الحالية، ولكنها لم تؤثر لعدم وجود عولمة سابقا ولعدم وجود اتصالات ومواصلات متقدمة، فكان تأثيرها على امريكا وبعض الدول الاوربية، اما الان فالمصالح العالمية متشابكة، ولا يوجد هناك من لايتأثر زان كان بنسب محددة.
* سألته : ما الاسباب الحقيقية وراء الازمة الحالية، فقال : الازمة الامريكية هي امتداد للسنتين الماضيتين بسبب الائتمان العقلري الذي ضخ السيولة فيه وكانت بضمانات ضعيفة جدا، وكان الزبائن ليس لديهم ما يسد هذه المبالغ، وكان على بنك الاحتياط الامريكي ان يوقف هذه الممارسات قبل ثلاث سنوات وينبه الى هذه الممارسات الخاطئة ويوقفها. لانها خراج الاطر المصرفية والقانونية المتعارف عليها، تساءلت منه : عل يعني ان الازمة ليست جديدة؟، فقال : هذه الازمة ليست ابنة اليوم بل منذ سنتين او ثلاث ولكنها انفجرت في 15/9/ 2008، تضخمت الفقاعة التي عمرها ثلاث سنوات وانفجرت نتيجة منحها القروض اكثر من طاقتها.
سأتلته : هل من الممكن تفاديها؟، فأجاب : نعم.. كان على البنك المركزي الامريكي ايقاف هذه القروض واتباع المعايير الدولية ومنها (بازل 2) وكذلك نظام (كمل) في المخاطر الائتمانية، لكنه لم يراعها، فأنفجرت الفقاعة في 15/9/2008، وكان اول المتضررين قطاع المصارف وبورصات الاوراق المالية مما انعكس فيما بعد على الاقتصاد الحقيقي الذي يمثل القطاع الصناعي والزراعي والخدمي، مما ولد انعدام الثقة، والضعف بالمصارف والبورصات، وولد كسادا اقتصاديا في عدد من بلدان العالم مثل امريكا واوربا واليابان، وعلى الرغم من تخصيص الولايات المتحدة الامريكية مبلغ (700) مليار دولار لايقاف النزيف والانهيارات في قطاعات المصارف والبورصات وشراء الاصول العقارية الخاسرة، كذلك فعلت الدول الاوربية واليابان، كما فعلت الدول الاسيوية والخليجية، وعلى الرغم من قيام البنوك المركزية في امريكا واوربا واليابان بتخفيض سعر الفائدة الى الصفر لكن هذا لم يوقف النزيف مما انعكس على قطاعات حيوية في امريكا مثل قطاع السيارات مما ولد بطالة ضخمة وكبيرة في امريكا ودول العالم!!.
* هنا قفز صاحبي مرعوبا وهو يقول : ألم اقل لك،صناعة السيارات تعطلت، ألم اقل لك ان البطالة ستزداد، وانت تبتسم لي، الان ابتسم ودع الاستاذ يشاهد ابتسامتك!!، لم التفت اليه، بل طرحت سؤالا اخر على الاستاذ الكناني : برأيك لماذا تأثرت دول العالم الثالث التي منها العراق بالازمة؟، فأجاب : لانها مسوقة ومصدرة لمواد خام، ومنها تأثر الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على تصدير النفط، بالدرجة الاولى والتي تبلغ ايراداته من عوائده 95% من الموازنة العامة للدولة، وبالتالي تأثر العراق بصورة مباشرة لانه يعتمد على اقتصاد ريعي احادي الجانب هو النفط، وهذا يعني انخفاض ايراداته من العملة الصعبة، التي تشكل كما قلت 95% من الموازنة العامة والتي ستتأثر عام 2009.
* نهض صاحبي وهو يتأفف ويهز يده ومن ثم قال : والله جيد اذا ميزانية سنة 2009 ما تفيد، ثم التفت الى الاستاذ وقال له : لماذا برأيك حدث هذا؟، فقال الاستاذ : لان المخططون الستراتيجيون عند احتسابهم الموازنة كان على سعر برميل النفط الذي وصل الى 80 دولار ثم 50 وما زال خاطئا، وعلى الحكومة العراقية اعادة النظر بالموازنة مرة ثالثة بتقييمها واجراء مناقلات في البنود او الفقرات والتخصيصات وخصوصا النفقات التشغيلية، كذلك على الحكومة العراقية تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث وجبوش الحمايات والسفر والايفادات والاثاث وعدم الاعتماد على المنح الدولية والقروض والهبات لان هذه لم تتحقق، وعلى الحكومة العراقية الاعتماد على تنشيط القطاع الزراعي والمحاصيل السترتيجية كالحبوب، كذلك تنشيط القطاع الصناعي والصناعات الخفيفة واعتماد موارد جديدة وزيادة كميات انتاج النفط، خصوصا ان هناك ازمة عالمية كبيرة في صناعة ومبيعات السيارات في امريكا والعالم، كذلك انخفاض النقل الجوي السياحي في العالم، وهذا يؤثر على امدادات النفط، كذلك تنشيط القطاع السياحي ومنها الدينية لجلب العملة الصعبة للبلاد.
* عدت اسأله : ولكن يا استاذ سمعنا ان المصارف العراقية لم تتأثر بالازمة لماذا؟، فقال : لعدم وجود تعاملات دولية خارجية، كذلك لم تتأثر السوق العراقية للاوراق المالية لعدم وجود استثمارات لغير العراقيين كبيرة جدا زما شكله الاستثمار غير العراقي منذ 7/ 8/2008 الى حد نهاية العام، لم يشكل سوى نصف بالمئة من حجم التداولات.
* بعد ان استمعنا بأصغاء الى ما قاله الاستاذ غازي الكناني، كان علي ان اتحول الى سؤال اخر حول تأثير الازمة على الواقع السياسي العراقي، فقال الخبير الاقتصادي : لا يزال الوضع السياسي ضبابي وعدم الاهتمام بالكثير بالازمة المالية من قبل الحكومة العراقية ولم تولها الاهتمام الكافي منذ الايام الاولى للازمة، وعلى الرغم من تصاعدها كان هناك اهتمام كبير بتوقيع الاتفاقية الامنية مع امريكا وخلا الجانب الجانب الاقتصادي، كذلك هناك اهتمام بالانتخابات المقبلة والتركيز عليها اكثر من الجانب الاقتصادي، لذلك على الحكومة ان تعمل الخطط والاجراءات الاستباقية كي لاتؤثر الازمة على المواطن العراقي الذي عانى كثيرا ولا زال يعاني.
* وهل ستستمر الازمة كثيرا؟
- نعم ستستمر وسوف يكون عام 2009 قلب الكساد او قلب العاصفة الاقتصادية، سيكون عاما عصيبا لكثير من اقتصاديات دول العالم ومنها الدول المصدرة للمواد الاولية والدول النامية.
* وهل ستستمر الازمة كثيرا؟
- نعم ستستمر وسوف يكون عام 2009 قلب الكساد او قلب العاصفة الاقتصادية، سيكون عاما عصيبا لكثير من اقتصاديات دول العالم ومنها الدول المصدرة للمواد الاولية والدول النامية.
* عاد صاحبي ليشعر بالغضب، وراح يتمتم بكلمات لم افهمها، وحين طلبت منه توضيح الامر، قال بشيء من الغضب : اما سمعت الاستاذ ماذا يقول، يعني (الخربطة) ستستمر السنة المقبلة ايضا والخراب يعم، قلت له : على اساس انك تمتلك مصنعا او مصرفا او لديك بئر نفط، اسكت رجاء ودعني اكمل حواري مع الاستاذ، اخرد سيجارة وشعلها وراح يدخن بقلق، لكنني تركته لالتفت الى الخبير الاقتصادي الكناني وقلت له : يا استاذ اظلمت علينا الوضع، أليس هنالك بصيص امل للعراق؟، فنظر الي متأملا ثم قال : الحكومة العراقية حققت نجاحا كبيرا بعد خمس سنوات من المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي ونادي باريس باطفاء 80% من ديون العراق في هذه الايام وبالتحديد 17/12/2008، وهذا واحد من علامات النجاح الاقتصادي الكبير الذي حققه المفاوض العراقي بمساعدة الحكومة الامريكية، وعلى الحكومة الامريكية مساعدة العراق والحكومة بتدخلها في شطب الديون والتعويضات للدول الخليجية كالكويت والسعودية من خلال اصدار قرار من مجلس الامن لشطب التعويضات على العراق وكذلك الضغط على حكومات الخليج بخفض الديون، ولا اتصور ان احدا من اعضاء مجلس الامن الدائميين رفع قرار الفيتو ضد امريكا، وكذلم يمكن ذكر ما بذلته وزارة المالية العراقية والبنك المركزي العراقي من جهود جبارة بشطب اكثر من (100) مليار دولار من ديون نادي باريس على العراق.
* توقف الاستاذ عن الحديث، ووقفنا نحن نودعه، قال صاحبي : عسى ان يكون العام المقبل خيرا، ابتسم له الاستاذ ابتسامة امل وشد على يده.
* توقف الاستاذ عن الحديث، ووقفنا نحن نودعه، قال صاحبي : عسى ان يكون العام المقبل خيرا، ابتسم له الاستاذ ابتسامة امل وشد على يده.
التعليقات