طهران: يشير تحليل الأداء السلوكي الخاص بالسياسة الخارجية الصينية الشرق أوسطية إلى أن الإدراك السياسي الصيني لم يعد يكتفي باستراتيجية الانكفاء ضمن الحدود الصينية الوطنية المصحوب بالتعامل المحدود مع دول الجوار الإقليمي وإنما أصبح أكثر اهتماماً إزاء التأسيس لجدول أعمال سياسية خارجية صينية جديدة عابرة للحدود.

الحراك الشرق أوسطي الصيني

بدأت تتشكل شبكة المصالح الشرق أوسطية الصينية على خلفية تأثير عدد من العوامل الحيوية التي يتمثل أبرزها في الآتي:

- تأثر العامل النفطي: خلال الحقب الماضية كان الاقتصاد الصيني قادراً على الاكتفاء ذاتياً لتغطية احتياجاته النفطية، ولكن بسبب اتساع حجم الاقتصاد الصيني المضطرد فقد بدأت الندرة النفطية تطل برأسها بما دفع الصين إلى محاولة تغطية احتياجاتها النفطية من مناطق الشرق الأوسط.

- تأثير العامل التجاري: يتميز الإنتاج الصيني بالوفرة وانخفاض التكاليف وعلى خلفية حاجة الصين المتزايدة للنقد الأجنبي فقد بدأت أسواق الشرق الأوسط أكثر جاذبية لقطاع الصادرات الصيني.

- تأثير العامل الجيو-ستراتيجي: تتميز منطقة الشرق الأوسط بوجود الممرات الحاكمة والشديدة التأثير على حركة النقل البحري الدولي وعلى وجه الخصوص ممر قناة السويس وممر باب المندب إضافة إلى مضيق هرمز، وتأسيساً على ذلك، أدركت بكين أن تأمين الملاحة في هذه الممرات يضمن للصين استمرارية النفاذ والوصول إلى الأسواق العالمية وعلى وجه الخصوص أسواق الاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا وبلدان شرق المتوسط ومنطقة الخليج.

- تأثير العامل الاميركي: خلال فترة الحرب الباردة كانت الصين قادرة على المناورة بما جعلها في مأمن من تداعيات صراع واشنطن - موسكو ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصعود قوة الولايات المتحدة وبروز التعريف الاستراتيجي الاميركي الجديد الذي ينظر للصين باعتبارها مصدراً للخطر المحتمل ضد الولايات المتحدة، إضافة إلى قيام واشنطن بمحاولات استهداف الصين عن طريق إذكاء تأثيرات الاضطرابات وإقامة الأحلاف العسكرية - الأمنية من أجل تطويق الصين بدت بكين أكثر تفهماً واستيعاباً لمقولة نابليون الشهيرة القائلة بأن من يبقى خلف الخنادق ستحل به الهزيمة، ومن ثم فقد لجأت الصين إلى خيار الخروج والسعي لمقابلة العدو في الخارج.

دفعت هذه العوامل مجتمعة دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الصينية إلى القيام بتصميم نموذج جديد وأهم ما فيه الجمع بين أهداف السياسة الخارجية الصينية وأهداف الأمن القومي الصيني الخارجية.

القوة الناعمة الصينية في الشرق الأوسط

يميز خبراء العلاقات الدولية نوعين من القوة ، الأول يتمثل في quot;القوة الخشنةquot; التي تتضمن التدخل وفرض الضغوط على وحدات البنيان الدولي عن طريق الوسائل المباشرة كالضغوط العسكرية أو الدبلوماسية أو السياسية أو العقوبات الاقتصادية وما شابهها، أما الثاني فيتمثل في quot;القوة الناعمةquot; التي تتضمن جعل الطرف الآخر أكثر سعياً للارتباط بسبب حاجته المستمرة وعدم قدرته على الحصول على البديل الدولي الذي يتيح له المزايا وفقاً لشروط أفضل.
تقول المعلومات المتاحة أن ملف العلاقات الشرق أوسطية - الصينية سيشهد المزيد من التحركات الدبلوماسية quot;منخفضة الشدةquot; التي ستركز على القيام بالآتي:

- زيادة حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة الصينية.
- بناء خطاب سياسي شرق أوسطي صيني في ظل تراجع الخطاب السياسي الشرق أوسطي الاميركي بسبب تزايد العداء لالولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- بناء المصالح المشتركة بين الشركات الصينية ودوائر الأعمال الشرق أوسطية.
- إرساء وتأسيس الأطر القانونية الدولية لجهة تشكيل سباقات التعامل التجاري والاقتصادي والسياسي الصيني - الشرق أوسطي، عن طريق الاتفاقيات المشتركة على المستويات الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول المنطقة.
- توظيف لعبة توازن القوى داخل مؤسسات المجتمع الدولي على النحو الذي ينقل الإشارة لشعوب وحكومات الشرق الأوسط بأن بكين ستقف إلى جانب قضايا بلدان الشرق الأوسط في مواجهة النفوذ الاميركي المتزايد.

هذا، وحتى الآن، لم تتضح أبعاد جدول أعمال السياسة الخارجية الصينية الشرق أوسطية وتوجد الكثير من الأسئلة بلا إجابة والتي من أبرزها:

- تستخدم الدبلوماسية الاميركية الشرق أوسطية استراتيجية الملف المرتفع الشدة، وبالمقابل ستستخدم الدبلوماسية الصينية الملف منخفض الشدة فكيف ستتغلب بكين على عامل عدم التماثل وعلى فجوة القدرات التي تفصل بين ملفها منخفض الشدة والملف الاميركي المرتفع الشدة.
- ارتبطت واشنطن بعلاقات شراكة وثيقة مع دول المنطقة الرئيسية وعلى وجه الخصوص السعودية ومصر وسورية وبلدان عربية في الخليج، فكيف ستستطيع بكين القيام بعملية الاختراق المطلوبة لجهة تعزيز موقفها في المنطقة؟
- ما هي الدول التي يمكن اعتبارها نقاط ارتكاز أساسية لانطلاق قاطرة المصالح الصينية الشرق أوسطية؟
- التنافس الصيني - الاميركي في الشرق الأوسط سيقود إلى تضارب المصالح الصينية - الاميركية فما الذي تستطيع الصين القيام به لحماية مصالحها في الأسواق الاميركية وعلى وجه الخصوص الأرصدة الصينية التي تجاوز حجمها في البنوك الاميركية الـ 2 ترليون (2000 مليون) وهو مبلغ لن تستطيع الاستثمارات الصينية الحصول عليه بسهولة في الشرق الأوسط؟
- كيف تنظر بكين إلى قواعد الاشتباك الدبلوماسي الاميركي - الصيني في الشرق الأوسط، وهل ستطبق بكين استراتيجية الهجوم أم الدفاع في مواجهة واشنطن المتحفزة؟
إضافة لهذه التساؤلات هناك جانب آخر أكثر حساسية يتمثل في تأثير العامل العسكري الصيني، وبكلمات أخرى، فقد ظلت واشنطن تبدي حساسية ملحوظة إزاء مبيعات الأسلحة الصينية إلى دول الشرق الأوسط لأن دخول الأسلحة الصينية المتطورة إلى منطقة الشرق الأوسط سيؤثر على كل معادلات الميزان العسكري الشرق أوسطي ويخلق المزيد من الضغوط على واشنطن التي بالتأكيد ستجد نفسها مضطرة إلى مواجهة المخاطر الآتية:
- انخفاض مبيعات الأسلحة الاميركية في الشرق الأوسط.
- انكشاف أمن إسرائيل وما يمكن أن يفرضه ذلك من مسؤوليات جديدة على واشنطن.
- تمادي حلفاء الولايات المتحدة وحكومات دول المنطقة في عدم القبول بمنطق الهيمنة والنفوذ الاميركي.
- انكشاف أمن المصالح الاميركية الشرق أوسطية.

عموماً، وبالرغم من الدور الصيني في الشرق الأوسط هو أمر قد يكون سابقاً لأوانه إلا انه من المفيد الإشارة إلى أن الصين ظلت تنخرط مع الولايات المتحدة في لعبة quot;فعل التوازنquot;. بكلمات أخرى، كلما تمادت واشنطن في دعم تايوان وكوريا الجنوبية والفلبين كلما تمادت الصين في السعي لجهة القيام ببناء التحالفات والروابط في الولايات المتحدة اللاتينية وبعض البلدان الآسيوية ذات القيمة الاستراتيجية مثل نيبال وبوتان.

وتشير معطيات خبرة لعبة quot;فعل التوازنquot; بأنه كلما تراجعت واشنطن كلما تراجعت بكين ومن أبرز الشواهد على ذلك أن بكين ظلت توظف هذه اللعبة في مجلس الأمن الدولي، بحيث ترفض الصين مشروع القرار في مرحلة النقاش ولكنها عند التصويت تدير ظهرها لاستخدام الفيتو وتكتفي بالامتناع عن التصويت وسط دهشة الجميع وبعد صدور القرار يكتشف الجميع أن الصين حصلت من واشنطن على ما تريد من مقابل في الملف التايواني أو غيره من ملفات شرق وجنوب آسيوية!

العالم