تونس: بالتعاون مع مؤسسة المستقبل، احتضن المعهد العربي لحقوق الإنسان ورشة عمل دولية في منتصف أبريل الماضي بالعاصمة التونسية حول التربية على حقوق الإنسان في المنطقة العربية.
واستعرضت الندوة التي ضمت عددا من النشطاء من ذوي الخبرة في مجال التدريب والتربية المدنية على حقوق الانسان، الواقع العربي الحالي من زاوية موقع حقوق الانسان في المناهج التربوية، بالاضافة الى مناقشة التحديات الراهنة والمعوقات التي تواجه المؤسسات التعليمية في المنطقة في مجال إدماج مفاهيم التربية والتثقيف في هذا القطاع الهام.
وشكلت الورشة التي نظمت تحت عنوان quot;التربية على حقوق الإنسان في المنطقة العربية: واقعها وتحدياتها وفرصهاquot; بداية المرحلة الثانية من مشروع إدماج التربية على حقوق الانسان في المناهج التعليمية الذي يُنفذ بالتعاون مع quot;مؤسسة المستقبلquot;، وهي مؤسسة مستقلة تم بعثها في سياق الإستجابة للدعوات التي أطلقها المجتمع المدني في منتصف العشرية الحالية لإيجاد آلية تدعم جهود المنظمات الأهلية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان.
وشاركت الدكتورة نبيلة حمزة، التي تترأس مؤسسة المستقبل منذ حوالي سنتين، أعمال الورشة، وأعلنت من خلالها التزام المؤسسة بدعم جهود المجتمع المدني من أجل النهوض بمبادىء حقوق الانسان وتعزيز الحريات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى هامش الندوة تم الحديث مع الدكتورة حمزة التي تملك خبرة طويلة في مجال حقوق الانسان من خلال مساهماتها في الجمعيات النسائية التونسية، بالإضافة الى عملها طوال عشر سنوات في جامعة الدول العربية قبل أن تتولى إدارة quot;مركز المرأة العربية للتدريب والبحوثquot; (كوثر)، كما ساهمت في العديد من الدراسات والمهام الإستشارية خاصة عن العلاقات شمال/جنوب وجنوب/جنوب.
بعد مرور عامين على تأسيس quot;مؤسسة المستقبلquot; التي بُعثت - كما قلت - من أجل دعم المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، هل يمكن تقويم أدائها ومدى تفاعلها مع المجتمع المدني في المنطقة؟
أُُنشئت مؤسسة المستقبل لدعم مبادرات منظمات المجتمع المدني، ومساندة جهودها الرامية إلى ترسيخ الديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان، بهدف مساعدة شعوب المنطقة على توسيع مشاركتهم في الحياة السياسية والعامة، والوصول إلى مجتمع يتمتع أفراده بكافة الحريات والحقوق الأساسية والاقتصادية والاجتماعية.
اليوم وبعد مرور قرابة العامين على انطلاق المؤسسة وما تبعه من إستكمال بنيتها وتقوية دعائمها يسرني أن أرى مؤسسة المستقبل وقد أصبحت ممولا بارزا للمبادرات الرائدة لمنظمات المجتمع المدني في هذه المنطقة ومساندا لحوالي خمسين مشروعا تنفيذا للمهام المنوطة بها في توفير الدعم لمنظمات المجتمع المدني وحشد الأموال من داخل المنطقة وخارجها لتمويل مبادرات هذه المنظمات وتفجير طاقاتها الخلاقة.
وتعكف المؤسسة حالياً على تقديم حزمة متكاملة من برامج الدعم المادي والفني لفائدة منظمات محلية وإقليمية مستقلة ويأتي هذا من وحي قناعتها بان جميع القوى الفاعلة في المجتمع وبالأخص منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام تتقاسم مسؤولية التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي.
إذاً وبعد استكمال المؤسسة عامها الثاني أستطيع القول وبكل ثقة إنها أصبحت اليوم جاهزة على أكمل وجه لأداء مهامها والوفاء برسالتها كمنظمة مستقلة غير حكومية وغير ربحية.
هذه المهمة ليست يسيرة في العالم العربي، ما هي أهم التحديات التي تواجه عملكم؟
بالطبع هناك العديد من التحديات التي تواجهنا وهي تتعلق بالمحيط السياسي العام وضيق فضاء الحريات والمعوقات المكبلة للمشروع الديموقراطي الذي ما فتئت العديد من المنظمات تطالب بإرسائه.
أود الاشارة هنا الى ان الفهم الديمقراطي لا يزال يعاني من عدم تجذره في العقلية العربية وعلينا ان نقر بأن الطريق ما زال طويلا أمامنا، ولا بد من بذل المزيد حتى تتمكن المنظمات غير الحكومية من لعب دور فعال في دفع عجلة التغيير وفتح قنوات الحوار وبناء التحالفات لتأسيس مجتمعات وأنظمة عادلة تضع مصالح شعوبها وتكريس مبادىء حقوق الانسان فوق كل اعتبار، بدءاً بالتطبيق الذاتي لمعايير الإصلاح نفسها.
بالاضافة إلى ذلك لا بد من الاشارة إلى أنه رغم الجهود التي تبذلها بعض الحكومات، فان معضلات التحول الديمقراطي في العالم العربي، والتحديات التي ابرزها quot;تقرير التنمية البشرية العربيةquot; لعام 2002، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما زالت قائمة دون الوصول إلى أي تطور يذكر.
لكن، للأمانة، لا بد من التنويه من ناحية أخرى إلى أن إدراكا عربيا بدأ يتبلور في الآونة الأخيرة، وإن كان ما زال محتشماً، للدور الإستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني إذا ما توافرت لديها المساحة اللازمة من الحرية لإسماع صوتها، والبيئة القانونية الملائمة لإطلاق مبادراتها الإبداعية.
هناك من يربط مؤسسة المستقبل بالادارة الأميركية خاصة وأن المؤسسة تنادي بالديمقراطية وإطلاق العنان للحريات العامة في الدول العربية، فما مدى ارتباطها بواشنطن؟
كما ذكرت في البداية فإن الدافع الرئيس لإنشاء مؤسسة المستقبل كان الإستجابة للنداءات الحثيثة التي وجهتها منظمات المجتمع المدني في الدول العربية لبناء آلية فاعلة وداعمة للجهود التي تبذلها تلك المنظمات في قضايا حقوق الانسان والإرتقاء بالمجتمعات نحو الديمقراطية والنشر الفعلي لمبادىء حقوق الانسان.
وبكلمات أخرى، فإن المجتمع المدني هو صاحب فكرة إنشاء المؤسسة وفي مستهل لقاءات منتدى المستقبل، وبالتحديد في الثاني الذي انعقد في البحرين سنة 2005 بإجتماع ممثلين عن المجتمع المدني والحكومات، تم طرح فكرة إنشاء المؤسسة وأجمعت كافة الدول المشاركة على القبول بذلك في إشارة منها لاستعداد حكوماتها لمساندة المجتمع المدني من خلال دعمها لهذه المؤسسة.
وانوه هنا بالدعم المادي الهائل الذي تتلقاه مؤسستنا من بعض البلدان الصناعية الأعضاء في مجموعة الدول الثمانيِ الكبرى، مع التأكيد على أن الدعم المالي الذي تتلقاه المؤسسة غير مشروط بمعنى أن التدخل في شؤون المؤسسة الداخلية غير وارد إطلاقاً.
وتمثل الدول والمجموعات الداعمة مزيجاً من مختلف الأطياف، فإلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية وألمانيا والدنمارك واسبانيا وهولاندا، نجد كذلك المجر والبرتغال وسويسرا واليونان وتركيا، في حين يبقى الأردن البلد العربي الوحيد الذي قدم للمؤسسة الدعم المادي ووقع معها إتفاقية تفاهم في السنة الماضية. ونتوقع مزيدا من المنح والهبات من دول أخرى بما فيها دول المنطقة ومنظمات غير حكومية ومؤسسات ومعاهد وشخصيات مهتمة بتطوير الديمقراطية وتطوير الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة.
أما بخصوص الحديث عن إرتباط المؤسسة بالإدارة الاميركية، فهو لا يمت للحقيقة بصلة، فهي مستقلة من حيث قراراتها ونظامها الداخلي وتعمل من خلال رؤية يتم صياغتها من قبل أعضاء مجلس الإدارة الذين ينتمون إلى دول عدة أذكر من بينها الأردن وتونس والمغرب وفلسطين ومصر والكويت والعراق واليمن وسويسرا والولايات المتحدة، وتمثل هذه الأخيرة (سيدة) عضو في المحكمة العليا في الولايات المتحدة معروف عنها الإستقلالية والخبرة الطويلة في مجال الأعمال الإنسانية.
عمليا كيف يمكن للمؤسسة أن تساعد على تنمية الديمقراطية؟
المهام التي وُضعت على عاتق المؤسسة تتلخص في خمسة محاور. أولا دعم جهود مؤسسات المجتمع المدني ومجتمعات المنطقة لنشر وتطبيق ثقافة حقوق الإنسان في بيئة من الديمقراطية الحقة، ثانيا تركز المؤسسة على دعم الإنتخابات الحرة والنزيهة والتي تكرس التساوي في الفرص بين الجنسين وتطبيق القانون وشفافية الإعلام واستقلاليته وسهولة الحصول على المعلومة وحرية الجمعيات وتيسير التربية المدنية وتمكين المرأة وتعزيز حقوق الإنسان.
ثالثا تعترف المؤسسة بالفوارق بين الأمم في المنطقة على أساس إحترام الخصوصيات الوطنية لكلٍ منها وتعتبر أن كل واحدة منها تشكل نتاجاً فريداً من التراكمات التاريخية والثقافية والدينية والإجتماعية، رابعا بعثت المؤسسة بدافع القناعة بأن اعتماداتها والنشاطات التي تقوم بها أو تدعمها ستُسرّع من وتيرة الإصلاح الديمقراطي في المنطقة مع تزويد المواطنين والحكام على السواء بالوسائل والأفكار دعما لجهودهم المشتركة لإشاعة الحرية والديمقراطية.
خامسا التزمت المؤسسة بأقصى ما يمكن من المرونة في نشاطاتها داخل المنطقة من أجل تمكين المنظمات والجمعيات من تطوير آلياتها الذاتية للاستفادة من الدعم المتاح.
ووُضعت أهداف المؤسسة على هذه الأسس حيث يمكن تلخيصها فيما يلي: تنفيذ التعهدات التي تم قطعها في الإعلانات الأخيرة عن الإصلاح والديمقراطية وتوفير الإعتمادات من داخل المنطقة وخارجها لتقديم المساعدة للمبادرات الداخلية من أجل الإصلاح والديمقراطية والعمل على تجميع المبادرات القائمة من أجل الديمقراطية بُغية إيجاد رابط بين حركات نشر الديمقراطية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
هل لديكم شراكات مع منظمات ومؤسسات مماثلة؟
بلى، وقعنا في العام الماضي إتفاقيتين هامتين مع رئيس المركز الدولي للتحول الديمقراطي (منظّمة غير ربحية مقرّها في بودابست - التحرير)، ومع مؤسسة quot;أنا ليندquot; الأورو - متوسطية للحوار بين الثقافات من ناحية أخرى، هذا إلى جانب العديد من الإتفاقيات الثنائية الأخرى التي ما زالت قيد الدراسة.
رشيد خشانة
التعليقات