تعرضت الناشطة الإسرائيلية طالي فاحيما للاعتقال بتهمة تخطيطها لتنفيذ عمليات تفجيرية في إسرائيل، والتخابر مع quot;عدوquot;. ولا ترى فاحيما تجربتها في السجن بأنها كانت نزهة، أو مخيمًا صيفيًا، وإنما مرحلة صعبة وقاسية. فقدتحولت من ناشطة يمينية تدعم الأحزاب المناهضة لقيام دولة فلسطينية، إلى يهودية تدعم الفلسطينيين. وقدتأثرت كثيرًا بزكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وبقيت معه لفترة في مخيم جنين في الضفة الغربية.


بعد هجرها عمدًا للمدن الإسرائيلي، التي أمضت فيها قرابة ال 27 عامًا، وغيّرت مبادئها بشكل كامل، لتتحوّل من إسرائيلية مؤيدة لأكثر الأحزاب تطرفًا إلى يهودية فلسطينية، تقدّس المبادئ الاسلامية وتؤمن بقياديين مسلمين لهم مكانتهم على الساحة الفلسطينية المحلية...
إنها تالي فاحيما، الجزائرية الأصول، التي عاشت مع أسرتها حتى العام 2003، في منطقة laquo;كريات غاتraquo; الواقعة جنوب إسرائيل.
قرعت بابها الذين اغلقته على نفسها، والذي لا يفتح إلا لتشارك في إحدى النشاطات السياسية، أو تبيع في حانوت الملابس القريب من بيتها، أو لدعوة جارتها، أو لزيارة والدتها التي تعزّز ارتباطهما ببعضهما بعد هجرها لبيت أهلها والإقامة في قرية عرعرة في المثلث الشمالي.
عن حياتها وانتماءاتها السياسية، تكشف الأسيرة الأمنية السابقة طالي فحيما لإيلاف، تفاصيل جريئة وصريحة خلال هذا الحوار:

* كيف تحولتِ من إسرائيلية يمينية إلى فلسطينية الانتماء؟
- في العام 2002 بدأت الاهتمام بالأمور السياسية، عندما كنت موظفة في مكتب للمحاماة في تل أبيب، وأيامها اندلعت الانتفاضة التي أحدثت لدى الإسرائيليين جميعًا انقلابًا، فكثيرون من الإسرائيليين بعد الانتفاضة وحدوث العمليات التفجيرية، صاروا أكثر صهيونية وعدائية للعرب، بينما نظرتُ أنا من حولي، وطرحتُ على نفسي عدة أسئلة من بينها، كيف يغامر الفلسطيني بنفسه وإلى ما يطمح؟! لم أجد أجوبة شافية، لكنني غيرتُ بوصلة تفكيري نحو 180 درجة، وصرت أسأل وأبحث وأتواصل مع الآخرين بهدف المعرفة، وكنتُ وقعتها ناضجة بما فيه الكفاية لأتقصى الحقائق بصورة جدية.
فوجئتُ بنفسي، أنا الصهيونية المعتزة بصهيونتي حتى النخاع، وخدمت في الجيش في كريات ملآخي بعيدًا عن المناطق الفلسطينية، ما يعني أنّ تجربة التجنيد لم تكن سببًا في تغيير مفاهيمي. إنها الانتفاضة، التي طالت عمق تل أبيب هي نفسها التي غيرت حياتي ومبادئي.
كانت المجازر الاسرائيلية تتوالى، ليعقبها عملية تفجيرية فلسطينية، وعندما فجّر الشاب الصغير نفسه ومحتوياته بالهدف الإسرائيلي فتحتُ عيني، وقررتُ أن أعرف المزيد حول منفذ العملية.

*حدثيني عن تهمتك التي سجنتك إسرائيل بسببها ثلاث سنوات؟
- سجنت بتهمة quot;التفكير بالتخطيط لعمليات تفجير ضد اسرائيلquot;، ونجحت المحامية سمادار بن ناتان بتخفيف التهمة إلى quot;التخابر مع أجنبيquot;، وأمضيت في السجن قرابة الثلاث سنوات، حيث انتهت محكوميتي في كانون ثاني 2007، بينما أكدت وما زلت اؤكد أنّ محاكمتي جاءت سياسية لمنعي من فضح جرائم الاحتلال، وأنّ تهمتي الأساسية التي عجزت اسرائيل عن البوح بها هي أنني أسير وفق مبدأ الشعب المحتل من حقه المقاومة وانتزاع حريته.

أما تجربتي في السجن، فلم تكن مخيمًا صيفيًا ونزهة استجمام، فمنذ ان اعتقلت في آب 2004، فكانت صعبة جدًا، خاصةً التحقيق الشاباكي المكثف لمدة 28 يومًا، واعتقالي اداريًا لمدة ثلاثة أشهر، وعزلي الانفراد وقطع السجائر عني والزيارات والكتب والكنتينا، تم تكبيلي معصوبة العينين مكبلة بالقيود ومنعي من النوم، كلها ضغوطات جسدية ونفسية قاسية لا تنم إلا عن فظاعة السجانين ومرؤوسيهم.

*ثمّة من آثر عليك وساهم في تغيير شخصيتك إلى هذا الحد؟
-نعم، هو زكريا الزبيدي، لقد آثر علي كثيرًا، أتيتُ الى الجانب الآخر وجلست مع مجموعة مقاتلين فلسطينيين ووجدتُ الباب مفتوحًا وما سألت عنه حصلت بخصوصه على إجابة، كانت العلاقة بيني وبين المقاتلين في quot;كتائب شهداء الأقصىquot; في مخيم جنين ممتازة، عشتُ مع أشخاص أيامٍ وساعاتٍ طوال وخلال ثواني ماتوا، شيء ما منحني قوة داخلية وصمودًا وثباتًا، هي الإرادة وحلم الحرية لهؤلاء المقاتلين، لم تسر الأمور وفق ما تمنيته، لكنني ما زلت اؤمن بالثمن الباهظ الذي يجب دفعه في سبيل الحصول على الحرية.
*ما الفرق بين الجندي الإسرائيلي والمقاتل الفلسطيني؟
-الفرق كبير، على الرغم من أنّ العمليات الانتحارية ابتكرها اليهود أيام الانتداب البريطاني لمقاومته، لكنها اليوم... بل أقصد، عندما كانت الانتفاضة في أوجها، كان الفلسطيني يمسك الحجر ويواجه به الدبابة، هذا المقاتل الصغير السن أو الكبير، لديه الشعور النفسي والإيمان الروحاني وهو الفرق الوحيد بين الجندي الاسرائيلي الخائف والمقاتل الفلسطيني الذي لا يعرف الخوف. عندما كنتُ في جنين فرّق بيني وبين الجيش حائطٌ وكنتُ اسمع أحاديثهم ع الخوف والقلق المستمريْن، في المقابل رأيتُ الفلسطينيين الذين كانوا على استعداد لفداء الوطن بأرواحهم، لكن للأسف، كتاب شهداء الأقصى، حاربوا في النهاية quot;ع الفاضيquot;، بعد استسلامهم.

* سمعتُ انكِ قطعتِ جميع اتصالاتك بزكريا الزبيدي القيادي في كتائب شهداء الأقصى؟
-بل وصفته بـquot;زانية الشاباكquot;، لقد احترمته سابقًا، وقدرته، لكنه عندما ترك المقاومة من أجل حياته الشخصية وتأمين مستقبله ببضعة آلاف من الشواقل، لم أعد أهتم بمعرفته، اليوم خفـّت حدة غضبي، لكنني كنتُ أتوقع من شخص مثله ألا يستسلم، وأنا يعترف أنه ضعيف، فهذا الأمر ليس بمعيب، المعيب حقًا أن يكذب هؤلاء في مسائل مبدئية. اليوم يحزنني مصير هؤلاء الشباب الذين كانوا في قمة الرعوة وتلقوا دعمًا جماهيريًا كبيرًا، والزبيدي كان صديقًا تنازلت عنه عندما تنازل عن مبادئه، كان بيننا اتصالٌ سياسي، فلما تغيّر وباع حريته بثمنٍ بخسلم أعد أهتم له. اليوم نحنُ لسنا أعداء، فكلانا يعيش في السفينة ذاتها، هو يعيش واقع احتلال هناك، وأنا أعيش الاحتلال هنا، لكن طريقنا اختلفت ليس لأنني تغيرت بل لأنه تغيّر، انا ما زلت ثابتة في مواقفي وهو تراجع كثيرًا.

* ولماذا انسحبتِ من المجتمع الإسرائيلي؟
-لأنني ببساطة ما عدتُ جزءًا من المجتمع اليهودي، لا أؤمن بدولة اسرائيل، غيرتُ اتجاهي، صرتُ انتمي الى الجانب الفلسطيني، رغم التعقيدات التي تطال هذا المجتمع، إلا أنني التقي مع هذا المجتمع في الهدف الواحد، وأنا اخترتُ المجتمع الفلسطيني لأكون جزءًا منه، واخترتُ قيادة الشيخ رائد صلاح والحركة الاسلامية الشق الشمالي، لأنتمي إلى هذه القيادة.

*لماذا الشيخ رائد صلاح تحديدًا؟!
-لقد لمستُ عن قرب إنسانًا نظيفًا وقائدًا إنسانًا، يحمل مبادئ نقية، ولا أرى منافسًا دينيًا ولا سياسيًا يمكنه أن يحل مكان الشيخ رائد صلاح. لطالما نظرتُ إليه قبل سجنه وبعد سجنه، فرأيته لا يتغير بفعل الظروف، يقف مثلي، بل أقف مثله في مواجهة السياسة الاسرائيلية دون خوف، بل هم يخافونه، إنه رجلٌ لا يمكن شراؤه بالأموال، والمركز، أما كان باستطاعته العمل في البرلماني الصهيوني؟! لكنه رفض التعاون مع قادة إسرائيليين، نفذوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

*التقيتِ بالأسرى الفلسطينيين من الداخل، واليوم يتحدثون عن صفقة تبادل أسرى بين حماس واسرائيل لتسليم شاليط مقابل مئات أو الف فلسطيني، قد يشملون 20 فلسطينيًا من عرب الـ 48!!
-قبل كل شيء أنا أسأل نفسي وأسأل العالم بأسره لماذا هذا التمييز بين الفلسطيني في الداخل وفلسطينيو الضفة والقطاع؟! ألا يحملون الدماء والعروق نفسها؟! ألا يعرف العالم أن الفلسطينيين في الداخل لم يتباكوا للحصول على الهوية الإسرائيلية ولم يطالبوا بها؟! وأنهم إنما حصلوا عليها قسرًا من أن يعيشوا فوق أرضهم دون أذية؟!! وأتسائل أيضًا أليس هؤلاء السجناء الأمنيين هم من قاوم الاحتلال بطريقةٍ أو بأخرى؟! قد تختلف حيثيات الاحتلال لكن يبقى له المعنى نفسه. اسرائيل هي التي وضعت في عقولنا مصطلحات واستعملناها دون تفكيرٍ مِنا، وأنا آمل من المفاوضين ألا ينسوا الأسرى الفلسطينيين حملة البطاقات الزرقاء، وآمل أن لا يرضخوا لمطالبة اسرائيل بطرد الأسرى المحررين خارج فلسطين.

*كيف تنظرين اليوم إلى القوة الإسرائيلية اليمينة؟!
- (تجيب باستهزاء) كما أنظر الى الأعداء، ولأنّ القوة الصهيونية لا تفهم الا القوة فلا يمكن محوها الا بالقوة. أنا اتحدث عن دولة اسرائيل، عن هذا الحَمل الذي اعتقده كثيرون انه حَمَلٌ وديع، فباتَ مشكلة العصر والخطر الأكبر على العالم بأجمعه. اليوم بتُ أفهم الأطماع الصهيونية وأساليب هذه القوة، لكنني لا استخف بهم، إنني احترم فراسة هذا العدو، ذكائه المبطّن المصحوب بالدهاء، لكنهم في النهاية سيدفعون ثمنًا باهظًا، مهما طال ظلام الليل سيطلع النهار، سيمضي جيلٌ أو جيلين فلسطينيين حتى تعود القوة الى يد الفلسطينيين، بزوال الاحتلال، وسيكون الانتقام شديدًا.

*رغم انتماؤك للفلسطينيين إلا انك غير راضية عنهم!!
-لأنهم لم يتركونني أحيى بصورة انسانية، إنهم يخافون مني؟ افهمهم... انهم يخافون من كل شيء، يخافون (وانا لا أشمل الجميع)، يخافون المواجهة، أمضيتُ سنة كاملة وأنا أبحث عن مسكن، ولم يكن بيدي حيلة لولا أبناء الحلال، لو كان الاسرائيليون يجيزون لي الدخول الى الأراضي الفلسطينية كنتُ دخلت وسكنتُ هناك. لكنني اليوم جزءٌ من هذا المجتمع الفلسطيني، وأن أسكنُ هنا وأترك الإسرائيليين لم يكن أمرًا سهلاً، صدقيني ان قلتُ أنّ عروضًا مالية مغرية انهالت عليّ لأغير اتجاهي، لكنني رفضت ذلك.

*ألا تشعرين بالندم؟
- أبدًا. لو خيرت مرة اخرى لاخترتُ الدرب نفسه، ولو اردت ان اغير اتجاهي، كما تقولين، لتعاونتُ مع الإسرائيليين عندما كنتُ في الأسر، ولكان وضعي المادي على الأقل على أحسن ما يرام... لم أندم يومًا ولن أسامح الدولة على ممارساتها ضدي وضد الشعب الفلسطيني. أتعتقدين أنني اليوم في أمان منهم؟! دولة اسرائيل ضدي وشرطتهم ضدي، والمتطرفون اليهود يلاحقونني ولو ظفروا بي ما كانوا ليرحموني.

* لماذا لا يترك اليهودي الرافض لقيام دولة اسرائيل، البلاد ويهاجر الى دولٍ أخرى؟
-لأنني ببساطة ليس لي مكانٌ آخر غير فلسطيني، لن يطردني الفلسطينيون فمشكلتهم ليست مع اليهود، فقبل النكبة عاش اليهود في البلاد، المشكلة هي في وجود الصهيونية، أنا تركت اسرائيل، تنازلتُ عما يمكن للدولة ان تمنحني اياه، وأعيش الى جانبي المسلمين، وأمارس حريتي، وأقاوم بطريقتي، ولي أفكاري ومبادئي ونضالي الذي لا أتنازل عنه، ومعي قيادة الشيخ رائد صلاح، فلا أبالي بعد ذلك بأيِ تهديدٍ أو محاولة لثني عزيمتي.

*في لقاءاتك مع الصحافة توجهين انتقاداتٍ شديدة اللهجة للقيادة العربية والجماهير الفلسطينية أيضًا لماذا؟
-لأنهم ببساطة لا يعون الخطر المحدق بهم إسرائيليًا، اليوم تمارس الحكومة سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي، وتسير الدولة وفق مخططاتها الاستراتيجية دون أن يجد صاحب المنزل المهدوم سوى بعض الفلسطينيين ليؤازروه، فكيف سنحمي ديارنا ومنازلنا، إذا كان هذا هو الواقع؟! وكيف سنحمي الأقصى، الذي طالما ناديناه انه في خطر؟!، اليوم يتم تفريغ القدس من سكانها الأصليين؟! ولا تجد المدينة المقدسة من يناصرها؟! لقد نجحت الأهداف الصهيونية في تهويد يافا!! فهل سنسمح لها بتهويد القدس والأقصى؟! وما دامت القيادات العربية غير قادرة على المواجهة، لماذا لا تقول إنّ الأدوات الكفاحية يجب ان تتغير؟!!! وأنّ البرلمان الصهيوني ما هو إلا أداة لضرب الفلسطينيين وطردهم أجمعين، في الحقيقة أنا لا استخف بالنوايا الفلسطينية قيادة وجماهير، لكنّنا ما زلنا نستخف بالخطر الذي يداهمنا.

*في النهاية اللقاء، ماذا تتمنين؟
-على الصعيد الشخصي انا اشكر الله على واقعي وعلى ما اشعره في داخلي من هدوءٍ وسكينة ورضىٍ، آمل ان اتزوج اليوم فلسطيني مسلم، لأنجب أطفالاً يعتزون بالدين الاسلامي، ويحافظون على النضال الفلسطيني طالما استمر الاحتلال.
أما على الصعيد السياسي العام فإنني كنتُ اتمنى ألا أكون اليهودية الوحيدة في هذا المكان، تمنيتُ أن نكون كثرًا، لنواجه سياسة اسرائيل، ونوصل رسالتنا الى العالم بأسره، لنكشف وجه اسرائيل الحقيقي.