عدنان أبو زيد: قال الصحافي والكاتب اللبناني وعضو مجلس التحرير في جريدة quot; النهار quot; راجح الخوري في حوار أجرته معه إيلاف ضمن سلسلة حوارات مع الكتاب والمثقفين والصحافيين العرب، أن هناك فارقا كبيرا بين الانتشار الورقي والرقمي، وفي بلد مثل لبنان، لا يمكن مقارنة عدد قراء الصحف الورقية محلياً بعدد الذين يقرأون هذه الصحف عبر الانترنت.
ويتابع الخوري الذي يكتب تعليقا سياسيا يوميا في جريدة quot; النهار منذ العام 1993، quot;مواقع quot;النتquot; وفي مقدمها quot;ايلافquot; كل يوم التي يفخر بها ndash; بحسب قوله - كتجربة عربية رائدة.
وفي هذا الصدد يقول الخوري.. ناقشت الزميل الاستاد عثمان العمير قبل أعوام في مسألة quot;ايلافquot; قبل إنشائها، وبدا حينها واثقاً من انه سيصل الى هذا النجاح. وأضاف... كنت متشككاً يومها وقد ثبت انه أصاب الهدف، ليسبق الصحافة المكتوبة بزمن!.
عُرِف الخوري بعموده اليومي الشهير في جريدة quot;النهارquot; اللبنانية، محللا للحدث وكاشفا في لغة سلسلة وتفسير علمي جدليات الظواهر السياسية اليومية، وفي هذا الصدد يرى الخوري أن فكرة العمود اليومي تأتي من خلال المتابعة الدائمة للأحداث والتطورات، ومن خلال الحرص على اختيار الموضوع او الحدث الذي يكون محط اهتمام القراء ومتابعتهم.
كيف يقرا الخوري مستقبل الصحافة الورقية، البعض يرى ان الصحافة اللبنانية الاكثر صمودا بوجه الهجمة الالكترونية؟
مستقبل الصحافة الورقية الى انحسار وتآكل. بالتأكيد. وهذا الأمر مرتبط بالاتّقان المتزايد والمتسع عند الجيل الجديد لوسائل الاتصال الرقمية، وخصوصاً أن هذا الجيل يشكل قراء الغد. هذا شيء طبيعي، وربما يحتاج في العالم العربي الى مزيد من الوقت، قياساً بتجربة الدول الغربية وخصوصاً اميركا.
ليس صحيحاً ان الصحافة اللبنانية هي الاكثر صموداً في وجه الاعلام الالكتروني، ربما لأن نسبة القراء اللبنانيين، الذين يجيدون استعمال وسائل الاتصال الالكتروني هي اوسع مما هي عليه في أي بلد عربي آخر. والدليل، أن عدد المواقع الاخبارية العاملة حالياً في لبنان، يتجاوز ضعف عدد الصحف والمجلات الورقية. وان نسبة كبيرة من القراء تذهب الى قراءة هذه المواقع بدلاً من الصحف. ومما يساعد على ذلك، ان الدخول الى المواقع الالكترونية مجاني بينما يضطر القارىء الى شراء الصحيفة.
راجح الخوري كاتب عمود يومي معروف.. ترى من أين تبدأ فكرة العمود والى أين تنتهي.. ومتى يقرر اختيار موضوعه اليومي ؟
ليس هناك بداية بمعنى التوقيت اليومي ونهاية بالمعنى عينه. ففكرة العمود اليومي تأتي من خلال المتابعة الدائمة للأحداث والتطورات، ومن خلال الحرص على اختيار الموضوع او الحدث الذي يكون محط اهتمام القراء ومتابعتهم. احياناً أكتب العمود اليومي بعد اجتماع مجلس ادارة التحرير، اي في السابعة مساء وبعد أن تكون صورة الحدث الاساسي، الذي يهم القارىء قد استكملت عناصرها. واحيانا اضطر الى العودة ليلا، اما لتعديل ضروري في المقال فرضته التطورات او حتى لكتابة مقال جديد تقتضيه هذه التطورات. والقاعدة الاساسية لكتابة التعليق، انني اطرح دائماً على نفسي وانا اكتب سؤالين: اولا: من يهتم بما اكتبه للتو؟ ثانياً: هل ما اكتبه واضح ومقنع؟
هل للمقال في الصحف قراء جادون يتابعون باستمرار لاسيما أمام الكم الهائل من المقالات quot; الرقميةquot; اليومية ؟
بالتأكيد، هناك قراء جادون يتابعون كاتب المقال بشكل يومي تقريباً، ونسبة كبيرة من هؤلاء تتواصل مع الكاتب وتحاوره عبر الانترنت. غالباً ما اتلقى رسائل يومية من القراء، بعضها يثني على ما قرأ وبعضها ينتقد وبعضها الآخر يقترح افكاراً او مواضيع للمعالجة. علماً أن البعض لا يتردد في تصحيح اي معلومة او تاريخ ورد خطأ في المقال وهو ما يستدعي مني الرد مع الاعتذار والشكر. وقد تضاعفت مراراً عملية التواصل بين الكاتب والقراء وخصوصاً بعدما صارت المواقع الالكترونية تنقل مقالات مختارة من الصحف.
كيف يقرأ الخوري المستقبل السياسي للعراق، وهل ثمة مقارنة له مع الوضع اللبناني ؟
في ظل رياح الانقسام المذهبي التي تعصف بالمسلمين سنّة وشيعة في العراق، يبدو مستقبل هذا البلد مرهوناً الى حد كبير بالمآل الذي ستصير اليه مسألة النوويات الايرانية، وكذلك بالخطط والطموحات عند الايرانيين للعب دور محوري على المستوى الاقليمي، هذا ما تطالب به طهران علناً وتحاول فرضه عبر أذرعها العسكرية وتدخلاتها المرفوضة.
المثير أن المصالح الكبرى تقضي بعدم وضع حد نهائي لمسألة الدور الايراني والطموحات النووية الايرانية. لأن هناك رغبة في ارساء وتيرة صراع متوازن ومتمادي وطويل بين ايران ودول الخليج. الامر هنا يعمّق المشاعر المذهبية ويبقي العراق ساحة قابلة للاشتعال والتوظيف. والعراق يشكل بالنسبة الى حسابات طهران، منصة لمد الأذرع الى دول الخليج، لذا فإن الصراع الداخلي في العراق يتجذر. الدليل هو الفشل الفاضح في تأليف الحكومة الجديدة، وهو ما شكل انقلاباً سافراً على نتيجة الانتخابات.
لبنان مرآة تعكس حساسية الشعور المذهبي المتفاقمة في المنطقة، لكنه سيكون الشرارة الأدهى اذا اشتعلت الفتنة المذهبية فيه لا سمح الله. ناره ستمتد بسرعة الى عمق المنطقة العربية.
لماذا؟ ربما لأن لبنان واجهة سياسية منظورة ومهمة وحساسة في كل العالم الاسلامي.
كيف يصف الخوري علاقة الصحافة اللبنانية برجال السياسة، وربما بدت الصحافة هناك الاكثر تحررا من سطوة السياسي مقارنة بالبلدان الاخرى؟.
نحن في زمن التردي السياسي في لبنان، فالحديث عن رجال سياسة عموماً في لبنان أشبه بالترهات. لا أريد التعميم، ثمة سياسيون محترمون يستحقون هذه التسمية، ولكن هناك من فُرضوا على البلاد فرضاً quot;سياسيينquot; تافهين هم أشبه بالمهرجين والدجالين. أما عن سطوة السياسي في لبنان، فهي نسبية وترتبط بمنطق القوة لا بقوة المنطق. ليس للسياسي أي quot;سطوةquot; الا عمله والتزامه احترام دوره في الشأن الوطني العام. السياسي المحترم ينظر بحذر وتقدير الى عمل الصحافة الليبرالية طبعاً.
كيف يتابع الخوري نشر مقاله رقميا على النت لاسيما في ايلاف وكيف تصف البون الشاسع في الانتشار بين ما هو ورقي وآخر رقمي ؟
طبعاً أتابع صباح كل يوم مواقع quot;النتquot; وفي مقدمها بالتأكيد quot;ايلافquot; التي نفخر بها كتجربة عربية رائدة. وفي الواقع عندما ناقشت الزميل الاستاذ عثمان العمير قبل أعوام في مسألة quot;ايلافquot; قبل انشائها، بدا واثقاً من انه سيصل الى هذا النجاح. أنا كنت متشككاً يومها وقد ثبت انه أصاب الهدف، لا بل أنه سبق الصحافة المكتوبة بزمن!
طبعاً هناك فارق كبير بين الانتشار الورقي والرقمي. ففي بلد مثل لبنان، لا يمكن مقارنة عدد قراء الصحف الورقية محلياً بعدد الذين يقرأون هذه الصحف عبر الانترنت في أربع رياح الارض، وعندما أتلقى تعليقات على ما أكتب من قراء في أقاصي الارض أعرف تماماً مدى الانتشار الهائل الذي توفّره مواقع quot;النتquot;.
الخوري يبتعد ويقترب من الشعر، وربما جرفه الهم السياسي بعيدا عنه، كيف ترتب اهتماماتك بين هذا وذاك؟.
لست مبتعداً عن كتابة الوجدانيات. هناك من يقول أن كتبي الثلاثة الصادرة، (والرابع قيد الطبع) في هذا السياق هي شعر. انا اقول ان هذه الكتابة هي لجوء حميم الى العالم الآخر، الافضل والانقى، من كل ترهات المتابعة السياسية في بلد رخصت فيه السياسة والسياسيون.
أجد دائماً في قبضة الغمام الجبلي وفي إطراقة الوديان وفي نفح الريح، مما يفتح نوافذي على كتابات أدوّنها لأرضي مشاعري قبل أي شيء آخر. كتابة الوجدانيات تعويض ذاتي عن الغرق في المقال السياسي اليومي. ثم ان جدلية الكينونة في سياق التكاملية المتفاعلة والمتناقضة والضرورية للحياة والموت، هي التي تحض دائماً على التأمل وكتابة الوجدانيات التي يمكن تسميتها شعراً.
هل يقرأ العرب.. سؤال مكرر لا نريد اجابة عنه بل الحديث عنه؟.
العرب لا يقرأون وإن قرأوا لا يتعلّمون. عدم القراءة سببه الأساسي اليأس من قدرة المواطن على التغيير والاقتناع بأن المعرفة الحقيقية ليست متاحة، وإن اتيحت فأنها غالباً ما تكون عرضة لاضطهاد النظام. والضحايا غالباً هم المؤلفون والكتّاب.
الديموقراطية التي هي أساس حرية الرأي والتعبير تشكّل الحاضنة الاساسية للكاتب والقرّاء. عندما تنتفي الديموقراطية تغيب حرية الرأي والتعبير، وعندها يصبح السؤال: اذاً ما نفع القراءة؟!
المؤسف في النهاية ان هناك احساساً عاماً بعدم الجدوى وهذا يمثل استسلاماً للواقع وتخلياً كارثياً عن التعلق بالمعرفة.
هل مازال الخوري رساما، كيف نرى ذلك ؟
لست رساماً بالمعنى العلمي والفني، انا اهوى الرسم والجأ اليه كمتنفس بين وقت وآخر. وأعتقد انه عندما ينزل اللون على القماشة او الورق، فأنه يصيح مثل شاعر يقرأ القصيد او مطرب يسكر الجماهير بصوته. غالباً ما أرى أن اللون اكثر فصاحة من الحرف، وان في وسع تشكيلة الالوان والابعاد، ان تحمل المرء الى عوالم خارج اطار المكان. ان تفاعل المخيلة مع التشكيل الغني يوقد نار الحس الحميم في المشاهد. وما بين اللوحة والمتذوق عالم ربما لا علاقة له بالرسام.
المستقبل الفلسطيني في لبنان كيف يراه الخوري، وهل ثمة تسوية لموضوع اشكالي مضى عليه عقود ؟
هناك حاجة اخلاقية ووطنية وانسانية لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية شرط الا يفضي ذلك الى التوطين مع مرور الزمن. في ظل الواقع المتصل بالتسوية المعطلة، وبعد مرور 62 عاماً على تهجير الفلسطينيين الى لبنان والبلاد العربية الاخرى، من الصعب الافتراض ان quot;حق العودةquot; قائم غداً. ولهذا تبرز مخاوف جادة من ان يصبح التوطين واقعاً قائماً من دون اعلان. في الواقع اذا كان للأخوة الفلسطينيين حق مشروع في الحصول على حقوقهم الانسانية وهذا امر طبيعي، فللبنان حق سيادي ومشروع بالأمساك بالأمن في المخيمات كما هو حاصل في البلدان العربية الشقيقة.
في حديث لكم مع وسائل الاعلام قلتم quot; العالم أصبح قرية صغيرة وهذا يفرض الكثير من التحديات على الإعلام، فهناك تقاليد ومشاعر لا يمكن إدراكها بالسرعة نفسها التي ينتقل فيها الإعلامquot;.. ترى كيف يستطيع الصحافي العربي الاندماج مع الوقع الجديد وهل امتلك تقنيات تؤهله لذلك ؟.
ثورة الاتصالات فرضت على الاعلاميين تحدياً كبيراً. صارت المنافسة أقسى لأن المعرفة باتت أسرع، ولكن السرعة قد تشكل فجوة للوقوع في الأخطاء أحياناً. كنا نرى الشجرة في الماضي قبل ثورة الاتصالات والانفجار الهائل للمعلومات، في وسعنا الآن ان نسبر أعماق الغابة كلها بسرعة. أحياناً يصبح تراكم المعلومات وإنهيارها على الإعلامي مثل سيل جارف. هذا الطوفان يفرض عليه تحديات لم تكن من قبل. وظيفة الإعلامي، كما قال الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لرؤساء تحرير الصحف الأميركية، هي الامساك بيد القراء وارشادهم الى ارجاء الغابة التي تزدحم بالضواري. والمقصود هنا المتاهات والتعميات والمعلومات التي ليست صحيحة بالضرورة.
هذا صحيح، والصحافي العربي مضطر في النهاية الى إتقان هذا الدور وامتلاك التقنيات التي تؤهله لذلك. والمقصود معرفة ما في الغابة من زهور واشواك ومن طيور جميلة وضواري وافاعي ووحوش.
لحزب الله في لبنان تصنيفات بحسب الهوى السياسي، فهو حزب لدى البعض ومقاومة مشروعة عند آخرين، وآرهاب منظم في نظر البعض.
كيف يرسم الخوري علاقة حزب الله بالدولة وبالجمهور على حد سواء، وكيف نقرأ مستقبل الحزب في لبنان ؟
quot;حزب اللهquot; مقاومة حققت إنتصارات على العدو الإسرائيلي، وهذا أمر ممتاز للبنان والعرب. أما علاقته بالدولة فهي معروفة، كونه يشارك في الحكومة وله نواب في السلطة التشريعية. علاقته بالجمهور كانت جيدة إلى أن إستعمل السلاح في الداخل، وهذا ما خلق مرارات عند كل اللبنانيين وخصوصاً في اوساط السنّة. مستقبل quot;حزب اللهquot; يرتبط الى حد كبير بالسياسة التي سيتبعها بعد إستكمال تحرير الأراضي اللبنانية، وما إذا كانت ستلتقي دائماً مع التوجهات والاطماع السياسية الايرانية في المنطقة.
سيرة ذاتية
- عضو مجلس التحرير في جريدة النهار
- كاتب ومحلل سياسي، يكتب تعليقا سياسيا يوميا في جريدة النهار منذ العام 1993
- يكتب تحليلا سياسيا أسبوعيا في جريدة الشرق الأوسط منذ العام 1994
- استاذ سابق في كلية الإعلام
- عضو المجلس التنفيذي في الهيئة الوطنية للاونيسكومنذ العام 2005
- عضو الهيئة التحكيمية في جوائز الصحافة العربية في دبي
- له مؤلفات وإصدارات في التحليل السياسي وكتابة الشعر.
التعليقات