من يزور طهران هذه الأيام يشعر بأنها تستعد لخطوات واستحقاقات كبيرة تتصل بمستقبلها على كل المستويات سيفرضها "اتفاقها الشامل" الوشيك مع الدول الغربية حول ملفّها النووي.

طارق عبد الهادي: هذا الاستعداد لم يلغ اهتمام القيادة الإيرانية بالأحداث والتطورات الجارية على مساحة المنطقة، وكذلك بموضوع ترتيب العلاقة بينها وبين دول الجوار، ولا سيما منها الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

ولذلك تفاءلت هذه القيادة بزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الأخيرة لطهران متوسمة منها أن تكون فاتحة لزيارة ملوك وأمراء خليجيين عرب آخرين لها في وقت لاحق، أو فاتحة لزيارات مسؤولين إيرانيين لدول الجوار، وفي مقدمها السعودية.

أبعد من إطراء
لم يخف المسؤولون الإيرانيون إغتباطهم بوصف الشيخ صباح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ علي خامنئي بأنه "مرشد المنطقة". ورأوا أن هذا الوصف ينطوي على خلفيات سياسية كبيرة ومهمة، ولا يمكن لأمير الكويت أن يطلقه فقط على سبيل "الإطراء" إزاء رجل بحجم خامنئي.

لكن طهران ترجّح أن تكون خلفية هذا التوصيف الكويتي لخامنئي تعبيرًا عن رغبة مجمل دول الخليج العربي في ترتيب علاقاتها مع إيران. فمع اغتباطها بأمير الكويت فإن إيران عينها على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ليحصل لقاء القمة المأمول بينه وبين الرئيس الإيراني في وقت ليس ببعيد.

وحسب المعلومات التي توافرت لـ"إيلاف" فإن أمير الكويت ذهب إلى طهران باحثًا تعزيز العلاقات الإيرانية - الكويتية على خلفية تيقنه من أن الاتفاق "حاصل حتمًا" بينها وبين الدول الغربية، وأن مشاريع شن حروب دولية أو إقليمية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تعد واردة لدى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين، ولا حتى لدى إسرائيل التي لا يمكنها الإقدام على أي مغامرة عسكرية من دون موافقة واشنطن المسبقة.

لذلك وجد أمير الكويت الفرصة المؤاتية لملاقاة الاتفاق الإيراني- الغربي بتعزيز علاقات بلاده الراهنة والمستقبلية مع طهران لما يشكله هذا الأمر من "شبكة أمان" لدولة الكويت، خصوصًا أن إيران، ومن خلال نفوذها الكبير في العراق، من شأنها أن تمنع حصول أي جنوح عراقي جديد ضدها على غرار ما فعله نظام صدام حسين في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما اجتاح الأراضي الكويتية، وضمها إلى العراق محافظة 19 قبل أن يشن التحالف الدولي لاحقًا حربًا عليه ويخرجه منها.

تسريع التقارب
كذلك ذهب أمير الكويت إلى طهران بنية التوسط لتسريع خطى التلاقي والتقارب بين الجانبين الإيراني والسعودي، خصوصًا أن النوايا الطيبة موجودة لديهما في هذا الاتجاه، إذ يعتقد أن العلاقة الكويتية – الإيرانية لا تكون مزدهرة وراسخة إلا إذا سادت علاقات ثابتة وراسخة بين السعودية الدولة الخليجية العربية الكبرى ذات النفوذ والتأثير الكبير في المنطقة والعالمين العربي والإسلامي وبين إيران الدولة الكبرى أيضًا وذات النفوذ المماثل في العالمين العربي والإسلامي.

وتشير المعلومات إلى أن أمير الكويت أودع الجانب الإيراني والسيد خامنئي والشيخ روحاني تحديدًا، مجموعة أفكار ومواقف تشجع القيادة الايرانية على التلاقي مع القيادة السعودية والتعجيل في ارساء تفاهم مرحلي واستراتيجي بينهما، لأن من شأن هذا التفاهم ان يحقق استقرارا كبيرا للمنطقة ويعزز مصالح دولها ويحميها، كذلك من شأنه ان يخرج العالمين العربي والاسلامي من اتون الفتنة المذهبية التي تتطاير شظاياها من سوريا والعراق وغيرهما وتصيب مختلف البلدان العربية والاسلامية وتفقدها المنعة والوحدة الشعبية، وحتى الوحدة الترابية، حيث ان بعض هذه البلدان يخيّم عليها الآن شبح التقسيم بما يحولها دويلات مذهبية متناحرة.

إلى ما بعد النووي
وإذ تشير المناخات السائدة في طهران الى ان القيادة الايرانية خففت من حماستها واستعجالها لاقامة افضل العلاقات مع دول الجوار العربية، خصوصا مع السعودية، وهي حماسة كانت جلية اثر انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية،& فقد تبين ان هذا التخفيف مرده الى ان ايران تعطي الاولوية الآن لانجاز اتفاقها النووي مع الغرب، والمتوقع ان يتم خلال الشهر المقبل، وبعده سيتم تسريع الخطى في اتجاه عقد قمة سعودية – ايرانية، قد يكون موعدها على الارجح خلال الايام العشرة الاخيرة من شهر رمضان، التي ستصادف في اواخر تموز المقبل، وتعقد لدى زيارة روحاني لمكة المكرمة مؤديًا مناسك العمرة بناء على دعوة يمكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ان يوجهها اليه لهذه الغاية.

ولكن الايرانيين يشعرون بأن الدول الغربية وبمقدار رغبتها بانجاز الاتفاق النووي مع ايران فانها ترغب ايضا في ان تقدم ايران تنازلات معينة في موضوع دورها الاقليمي لمصلحة الدول المجاورة لها، خصوصا للسعودية حتى يكون هناك توازن بين الدورين السعودي والايراني مستقبلًا.

في هذا السياق يدرج الايرانيون اثارة الدول الغربية مسألة الصواريخ البالستية الايرانية في اجتماعات جنيف قبل اسابيع، والتي لا علاقة لها بالملف النووي، في اطار دفع ايران الى تقديم تلك التنازلات.

الضغط على المالكي
كذلك يدرج الايرانيون التطورات الجارية حاليا على الساحة العراقية والمتمثلة في المواجهات العسكرية بين قوات حكومة المالكي وتنظيم "داعش" وغيره من قوى المعارضة العراقية، في اطار رغبة معارضي المالكي وحلفائهم من دول وجهات عربية وغربية في الضغط عليه وتمهيد الطريق لضمان أن تأتي السلطة التي ستنبثق من نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة سلطة متوازنة في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي فاز ائتلاف "دولة القانون" برئاسة المالكي بأكثرية المقاعد في البرلمان العراقي ويتجاهل رغبة مجمل المكونات العراقية ومعها دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية في تأليف حكومة وحدة وطنية.

فالدول الغربية وحليفاتها الخليجية تدرك ان المالكي يحظى بدعم ايراني كبير، وأن الضغط سيدفع ايران حتماً الى التأثير عليه وإقناعه بتقديم تنازلات لمصلحة اقامة سلطة متوازنة تتمثل فيها كل المكونات والقوى السياسية العراقية، لأن التجربة في ظل الحكومة الحالية اظهرت ان المالكي مارس ولا يزال يمارس سياسة الاقصاء لعدد من هذه المكونات الاساسية عن سلطة القرار.

على ان بعض السياسيين اللبنانيين الخبراء في الشأن العراقي يقولون في هذا الصدد ان ما يحصل في العراق سيؤدي حتما، وفي وقت ليس ببعيد، الى اتفاق بين المالكي ومعارضيه، وكذلك بين القوى الاقليمية والدولية المعنية بالشأن العراقي على تأليف حكومة وحدة وطنية ترسي سلطة تنفيذية متوازنة تطمئن الجميع، وعندئذ سيتبخر "الداعشيون"، وكل من يقاتل الى جانبهم من بعثيين ونقشبنديين وغيرهم مثلما تبخّر "قادة المحاور" في طرابلس ـ لبنان قبل اشهر اثر حصول الاتفاق السعودي ـ الايراني الذي سهل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بعد عشرة اشهر من التأخير.


&