تقرأ "إيلاف" كتاب تركي الدخيل "هشام ناظر... سيرة لم تروَ"، قراءة متأنية لما فيه من تفاصيل ممتعة ومفيدة. وفي هذه الحلقة الأخيرة قراءة للفصول السابع والثامن والتاسع من الكتاب.
نهاد إسماعيل: لا أقدم هنا تكثيفًا لسيرة هشام ناظر كما كتبها تركي الدخيل في كتابه "سيرة لم ترو"، بل أستمر في هذه الحلقة الخامسة والأخيرة في عرض انطباعات شعرت بها في أثناء قراءتي الكتاب. فلا بديل من تصفحه بهدوء، وقراءته بتمعن، لجني فائدة كاملة من كنز معلومات وتفصيلات لم تنشر سابقًا بهذا الأسلوب الشيق والصريح والممتع.
إلى مصر الكنانة سفيرًا
في الفصل السابع من الكتاب، يقول الدخيل: "في واحدة من الجلسات التي حصلت بيني وبين هشام ناظر في جدة، فتح لي قلبه، حيث فتح دفاتر أسراره وروى لي بالتفصيل قصة تعيينه سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين في جمهورية مصر العربية". في الأول من حزيران (يونيو) 2003، دعاه الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية إلى مكتبه في الرياض، وفي 2 أيار (مايو) 2004، دعاه الراحل الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية آنذاك، إلى مائدة العشاء في منزله في جدة.&
&
وفي الحديث عرض الأمير على هشام ناظر اختيار أي سفارة يريدها، لكنه تردد في العودة إلى الخدمة. وفي مكالمة هاتفية حصلت في 2 كانون الثاني (يناير) 2005، "طلب (الفيصل) مني مقابلته في باريس، وخلال حديثنا في لقاء باريس، بدا الأمير مصرًّا على أن أعود إلى العمل، وتحديدًا سفيرًا للمملكة لدى جمهورية مصر العربية".
&
يتابع هشام: "حينها، شعرت بأن ذهابي إلى القاهرة صار قدرًا مقدرًا، وبتاريخ 15 شباط (فبراير) 2005 زرت الأمير سعود الفيصل في وزارة الخارجية في الرياض، وأعلمته بأنني سأقبل التعيين. وفي 1 آذار (مارس) أمر الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بتسميتي سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين لدى مصر، وبتاريخ 26 آذار (مارس) أبلغت الحكومة المصرية قبولها بترشيحي، وإن في القاهرة شعورًا مفاده أن من شأن ترشيحي أن يضيف زخمًا إلى العلاقة بين البلدين".&
&
&
&
هشام ناظر… سيرة لم تروَ |
&
&
في تلك الفترة، كان العالم العربي يمر في واحدة من أصعب أيامه. ففي فلسطين، تجاهل دولي تام، وقتل يومي وتهجير. وفي العراق قتل يومي أيضًا وتدمير ممنهج. وفي سوريا وإيران توتر وضغوط بعد إعادة انتخاب جورج بوش الابن. وفي لبنان، اغتيال رفيق الحريري وقرار دولي بطرد الجيش السوري من لبنان.&
&
ماهر قتل رفيق!
في مصر، بدأت بذور الربيع العربي في نظري عندما نقرأ على صفحة 270، التي تتناول تظاهرات شعارها "كفاية"، بسبب التمديد لحسني مبارك. في 28 تموز (يوليو) 2005، يعلن مبارك عن ترشيح نفسه لولاية سابعة، وتبعت ذلك سلسلة من الانفجارات، فكان المشهد مضطربًا.&
&
في 7 أيار (مايو)، عقد اجتماع خاص مع الأمير سلطان، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي حينها، تم فيه نقاش مسائل تتعلق بالسعوديين الذين يعيشون في مصر، وبالتعاون مع مصر وإعطائها الدعم المطلوب. وفي 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، ذهبت إلى مكة المكرمة لوداع الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان رحمهما الله.&
&
وفي القاهرة، زار هشام ناظر وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، ووزير الدفاع المشير محمد طنطاوي، ورئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور، ورئيس الاستخبارات عمر سليمان، ورئيس الوزراء أحمد نظيف. ومن المثير للاهتمام أن سليمان كشف خلال الاجتماع عن احتمال تورط ماهر الأسد، شقيق بشارالأسد، وصهره آصف شوكت ورستم غزالة في اغتيال الحريري.
&
وفي 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، قدم ناظر أوراق اعتماده للرئيس السابق محمد حسني مبارك، الذي ضرب بالبروتوكولات الرسمية عرض الحائط، ورحّب بهشام ناظر قائلًا: "وأخيرًا حصلنا عليك". في ذلك الشهر، كان أهم حدث في مصر انتخابات مجلس الشعب، حين حقق الإخوان المسلمون انتصارًا انتخابيًا، فزادوا عدد مقاعدهم من 15 إلى 88.
&
&
& |
&
&
عاد ناظر إلى جدة لحضور اجتماع للتحضير للقمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة المقررة في 7 و8 كانون الأول (ديسمبر) 2005. ويروي قائلًا: "كلفت بمرافقة الرئيس مبارك إلى مكة المكرمة، وكانت فرصة ذهبية لبحث مختلف موضوعات الساعة".
&
العودة إلى الديار
قال مبارك لهشام ناظر إنه كان معجبًا بأرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، وقدرته على التأثير في الأميركيين. واعترف مبارك لناظر أنه كان يستعمل شارون كلما أراد شيئًا من الأميركيين. وفي عودة إلى القاهرة، ولقاء هشام ناظر بجمال مبارك، نجل الرئيس السابق، فقد ناقشا نتائج الانتخابات، ووصف جمال الإخوان بأنهم جماعة انتهازية. وفي لقاء مع نعمان جمعة، رئيس حزب الوفد، قال جمعة: "أن تتدخل الولايات المتحدة في شؤوننا تحت مسميات حقوق الإنسان وحرية الأديان هو نتيجة فشل الحكومات العربية والإسلامية في تلبية احتياجات شعوبها".
&
سأله الدخيل كيف كانت السفارة تتعاطى مع المكونات السياسية المصرية؟، فأجاب هشام ناظر: "السفارة مفتوحة للجميع". وخلال وجوده في مصر، حرص هشام ناظر على جعل السفارة بيتًا للكل وصالونًا ثقافيًا، وافتتح "مقعد الأربعاء" صالونًا أسبوعيًا يستضيف كل أربعاء محاضرًا مصريًا أو سعوديًا ليتناول موضوعًا يتفاعل معه الحضور.
&
في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، خرج هشام ناظر من المستشفى ليجد التظاهرات والفوضى وغياب الأمن وانقطاع الاتصالات. يقول هشام: "يومها أشرفت شخصيًا على استئجار فندق كامل من فئة خمس نجوم باسم السفارة لإيواء المواطنين السعوديين، الذين اضطربت أمور الكثير منهم مع الثورة"، إضافة إلى مشكلات أخرى عديدة تخصّ متابعة راحة المواطنين، والنظر في شكاويهم وحلها. وقام بترتيب سفر أكثر من 45 ألف مواطن سعودي في تلك الظروف الصعبة جدًا.
&
كمين إعلامي&
يقول الدخيل في الصفحة 314: "كان على هشام ناظر أن يتعامل مع كل هذا، وأن يتابع راحة المواطنين وتأمين خدماتهم الشخصية والاختلاط بهم في ساحة الفندق مستمعًا إلى مطالبهم وشكاويهم".&
&
يتابع هشام: "أتت امرأة تسأل عن الاستعدادات التي قمنا بها. أخبرتها بالتفصيل عمّا تقوم به السفارة وموظفوها المقيمون في الفندق وعن أسطول الطائرات التي جهزتها المملكة لنقلهم، وطلبت منها التروي، لأن عدد موظفي الجوازات في مطار القاهرة لا يحتمل استقبال هذا العدد الكبير من المسافرين، ولأن الطائرات سوف تصل تباعًا حال ترتيبها من قبل السلطات المسؤولة في المملكة. ثم انتقلت للحديث مع مواطنين آخرين. إلا أن السيدة المذكورة قررت أن تتبعني مرة أخرى معها مصوروها". يضيف: "كررت السيدة السؤال الذي سبق وأجبتها عنه، وهذه المرة كررت السؤال بشكل استفزازي، ما أوحى بوجود نية مسبقة بالأذى".&
&
سألها: "هل لديك حلول أخرى؟". وبعد ذلك، قامت القيامة، حيث استغل الإعلام ذلك المقطع من الفيديو لتضخيم القصة، وكل من يتابع الإعلام يعرف أن الإثارة والمبالغة لجذب القراء أو المشاهدين هي من أساليب الإعلام الحديث. يأخذون من قصة أو مشهد جزءًا، ويختارون المثير، بمعزل عن الصورة الكاملة. لم يركز الإعلام على أن السفير ناظر قام بترتيب أمور سفر 45000 مواطن سعودي في ظروف صعبة جدًا وفوضى أمنية عارمة.
&
& هشام ناظر مؤلف الخطط الخمسية السعودية& |
& |
&
خمسة ملوك
في الفصل الثامن، يتحدث هشام ناظر عن خمسة ملوك أحبهم وأحبوه. كان محل تقدير ملوك السعودية فيصل وخالد وفهد وعبدالله (رحمهم الله).. كما كان على صلة وثيقة، ومنذ وقت مبكر، بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. يذكر هشام ناظر أنه في اليوم الذي تم اغتيال الملك فيصل فيه، كان يجري مقابلة مع قناة بي بي سي البريطانية، فدخل عليه أحدهم مطلعًا إياه على الخبر المشؤوم.&
&
ترك المقابلة، وذهب فورًا إلى قصر الملك، ويتذكر لحظة بكائه بألم، ولحظة قام أصدقاؤه بالتهدئة من روعه. في اللحظة التي يبدأ فيها هشام ناظر بالحديث عن الملك خالد، يفتتح حديثه بجملة عنه: "كان طيبًا وكريمًا طيب الله ثراه". ولعل أطول فترة قضاها هشام مع أحد الملوك الخمسة كانت مع الملك فهد عندما عُيّن وزيرًا للتخطيط.&
&
وعن علاقته بالملك عبدالله، يذكر هشام أن اللقاء الأول الذي أتاح له التعرف إليه حصل في منزل الأمير ماجد بن عبد العزيز في الرياض. وعن الملك سلمان، يقول هشام ناظر إنه كان يومًا أميرًا للرياض، وأدى دورًا مهمًا في تثبيت صورته في أذهان الناس، وهو تثبيت استحقه بجدارة، لأنه كان كريمًا، وبابه مفتوح لمساعدة الناس.&
&
الكاتب
في ختام الكتاب، في الفصل التاسع تحديدًا، نقرأ أمثلة من كتابات هشام ناظر. يقول الدخيل إن ناظر لم يسمح للمسؤولية التي تقلدها ولا للمناصب التي تولاها أن تمنعه من الكتابة، ومثال على كتاباته الموجّهة إلى صغار السن أن ربيعهم الذي يعيشون فيه لن يستمر، وبأن عليهم قطف وروده وشمها ذخيرة لما سيأتي لاحقًا في الحياة.
&
هشام ناظر يتنبأ بغزو صدام حسين للكويت |
&
&
يؤمن هشام ناظر ككثيرين منا بأن المواقف والأحداث المهمة هي الكفيلة بإبراز معدن الرجولة، لذلك كتب عن ذلك في أحد مقالاته: "وأصحاب المواقف يتصرفون دومًا بإيمان منبثق من عقيدة أو علم أو تجربة. ولهذا من الصعب زحزحة أصحاب المواقف عن مواقفهم بطلب لا يستند إلى أساس".
&
يقول الدخيل إنه لم يغب عن بال هشام ناظر الكتابة عن العدالة، مناقشًا بأن الإنسان متى أحس بالقيد إزاء الظلم تراه يلجأ إلى العدالة: "وكلما أحس الناس بالقيد على حرياتهم أو الظلم في معاشهم، لجأوا إلى العدالة، باعتبار أنها الأفق الرحب الذي يمكن أن يقربهم من الحرية والمساواة، أو ما تبقى للناس منهما على أية حال، إلا أن العدالة مبدأ مؤسس على فرضيات، يكون الإنسان فيها هو الخصم والحكم، وهو الآخذ والمعطي في آن واحد".&
&
رحم الله هشام ناظر، الديبلوماسي والاقتصادي والتقنوقراط والمثقف، الذي كسب ثقة الملوك واحترام الدول، والحائز أوسمة رفيعة من بلده السعودية ودول كبيرة، مثل بريطانيا وفرنسا واليابان والصين وفنزويلا وإسبانيا والدنمارك وكوريا الجنوبية وغيرها. والشكر لتركي الدخيل على جهده الكبير في تقديم هذا الإنجاز العظيم.
&
التعليقات