رواية "ثلاث سويديات في القاهرة" للكاتبة السويدية آن إيديلستام، هي قصة حقيقية، فالمؤلفة عاشت جزءًا منها بكامل تفاصيلها، وتقدم من خلالها تفسيرًا للأجيال الجديدة، التي تريد أن تفهم طبيعة ما يحدث في مصر. حيث تسرد المؤلفة بأسلوبٍ أدبي رشيقٍ، راقٍ، قصة ثلاث سويديات، يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة؛ ساقهن القدر للحياة في مصر، ومن خلالهن، ترصد المؤلفة التحولات الحادة التي شهدها المجتمع المصري منذ عشرينيات القرن العشرين، وحتى سنة 2011م.
قدم للرواية الأمين العام السابق للأمم المتحدة د.بطرس بطرس غالي الذي رحل عن دنيانا منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، وقد أكد أن أصالة الرواية ليس فقط في كونها مكوناة من عدة أجزء منفصلة تجتمع معا لتكون رؤية للتاريخ المصري، إنما أيضا في التناقض الصارخ بين الواقع المؤلم الذيي تكتشفه مؤلفة الرواية بعد سنوات من الغياب، وبين عمق الذكريات الساحرة، التي انتقلت عبر الأجيال فيي عائلتها، فتعطي لنا بذلك شهادة موثقة، لنشاركها شغف ثلاث سيدات من السوييد بمصر صاحبة الستة آلاف سنة من الحضارة".
وقال "من خلال الأم التي نشأت وسط القصور والمنازل الفاخرة ذات الطراز الأوروبي في القاهرة نتعرف على الثورة السياسية التي حولت مصر من ملكية إلى دولة اشتراكية تحكمها السلطة، وأخيرا تصف الكاتبة الثورة السكانية التي حولت مصر إلى ما آلت إليه اليوم من مدينة مكتظة يقطنها عشرون مليون نسمة تمتلئ بالصخب والتلوث". & &
تبدأ الأحداث في الرواية التي صدرت أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية، في السويد بتاريخ 25 يونيو 1888م، من خلال حريق يأتي على منزل ومطعم الزوجين "رانهيلد" و"ألفريد" في ساندس ﭬـال، وعلى عدد كبير من البيوت المجاورة لبيتهما، ولكن يستطيع "ألفريد" بمساعدة والد "رانهيلد" إعادة تأسيس مطعم جديد والاستفادة بزبائنه المتعاطفين مع العائلة المنكوبة، وتأتي "هيلدا" إلى الحياة في عام 1889م، و"هيلدا" هي السيدة الأولى من ثلاث سيدات سويديات عِشن في القاهرة، تحكي الأحداث قصتهن على لسان السيدة الأخيرة - الحفيدة – "آن إيديلستام"، مؤلفة الكتاب، التي تتحدث عن جدتها قائلة: "ما زلت أذكر جدتي. أُغمض عيني، وأتذكر كل تفاصيلها: شعرها الملفوف، الابتسامة التي تضيء وجهها، وقرطها الماسي الذي ما زلت أرتديه. لازمتنى جدتي وذكرياتها، ومن خلالها لازمتني مصر طيلة حياتي دون حتى أن أدرك أو أشعر بهذا".&
وأضافت "بدأت التفكير بجدية في الذهاب إلى مصر، ولكني لم أكن واثقة مما سأجده بعد سنوات البعد الطويلة. فكرت في الصدمة التي أصيبت بها والدتي بعد عقود من الغياب، والفرق الشاسع الذي وجدته بين الطفولة، والمراهقة الوردية، وبين ما آلت إليه الأمور، هل سأستطيع التعرف على القاهرة بعد سنوات الفراق؟ ماذا لو أصابني الإحباط؟ ألييس من الأجد بي أن أحتفظ بالذكريات السعيدة دون العودة مرة أخرى؟ انتصر فضولي في نهاية الأمر على كل هذه الأفكار وقررت السفر إلى مصر". & &
تبدأ قصة السيدات الثلاث مع القاهرة، حين يقع الشاب "طورشتين" في حب "هيلدا"، ويفكر في الزواج منها، لكنه ينتقل للعمل في مصر كقاضٍ بالمحاكم المختلطة التي كانت منتشـرة آنذاك، ويصل "طورشتين" بالفعل إلى القاهرة يوم 24/10/1926م، ثم تلحق به "هيلدا" بعد ذلك، ويتم الزواج في القاهرة، ثم ينتلقان للعيش في مدينة المنصورة، حيث يعمل "طورشتين" في محكمتها المختلطة.
تسافر "هيلدا" إلى السويد لتضع مولودتها خوفًا من عدم رعايتها طبيًّا بشكلٍ مُرضٍ في مصر، ثم تعود بابنتها "إنجريد" – السيدة الثانية من السيدات الثلاث - التي تقضي طفولتها وشبابها في مصر، ولا تعرف لها وطنًا غيره، لكنها تضطر لمغادرة مصـر إلى السويد بشكل نهائي قبيل ثورة 23 يوليو 1952م، وهناك تلتقي دبلوماسيًّا شابًّا اسمه "أكسيل إيديلستام"، الذي يصبح زوجها فيما بعد، وتُنجب منه "آن" – السيدة الثالثة، والراوية التي تحكي قصة السيدات الثلاث اللاتي عشن في القاهرة – ولا تنسى "إنجريد" عشقها لمصر، حتى يفاجئها زوجها بأنه تم تعيينه سفيرًا للسويد في القاهرة، وتعود "إنجريد" مرة أخرى إلى وطنها مصر بعد سنوات من البعاد، كزوجة للسفير السويدي في القاهرة، وسرعان ما تلحق "آن" بوالديها لتحيا معهما في مصر، وتبني ذكرياتها الخاصة بها، وهكذا تكتمل قصة السيدات الثلاث، التي من خلال حياتهن في القاهرة، نتعرَّف على شكل الحياة المصرية في فترة زمنية طويلة نسبيًّا، عبر ثلاثة أجيال، ونعرف كيف كان يفكر المصريون؟ وكيف كانوا يعيشون؟ ونلمس – مع السيدات الثلاث - مدى تغيُّر الحياة من سيئ إلى أسوأ، حيث تختفي ملامح الجمال من الشوارع والمباني والحدائق بمرور السنين، وزيادة عدد السكان، وانتشار السيارات في الشوارع، وتغيُّر سلوك الناس، تتحدث "آن" عن عودتها إلى مصر بعد فترة انقطاع، فتقول: "بدأت التفكير بجدية في الذهاب إلى مصر، ولكني لم أكن واثقة مما سأجده بعد سنوات البعد الطويلة. فكرت في الصدمة التي أُصيبت بها والدتي بعد عقود من الغياب، والفرق الشاسع الذي وجدته بين أيام الطفولة، والمراهقة الوردية، وبين ما آلت إليه الأمور. هل سأستطيع التعرف على القاهرة بعد سنوات الفراق؟ ماذا لو أصابني الإحباط؟ أليس من الأجدر بي أن أحتفظ بالذكريات السعيدة دون العودة مرة أخرى؟ انتصر فضولي في نهاية الأمر على كل هذه الأفكار، وقررت السفر إلى مصر".
وهكذا عادت "آن" إلى مصر، لتجد في انتظارها ما لم تتوقعه أو تفكر فيه قبل عودتها، ولتُقدم للقارئ هذه الرواية التوثيقية الممتعة، التي تأخذه معها ببراعة في رحلة طويلة، بدايةً من وصول السيدة الأولى "هيلدا" إلى مصر سنة 1927م، ووصولًا إلى ما بعد 25 يناير 2011م، لتتوقف القصة قبيل وصول الإخوان إلى حكم مصر.
بنهاية الرواية وضعت المؤلفة مجموعة من الصور التي تمثل العائلة الجدة رانهيلدا والأم هيلدا، وهليدا وزوجها القاضي طورشتين سالين، وصورة عائلية لأسرة هيلدا وصور للفيلا والشقة التي عاشت فيها هيلدا في القاهرة وكذا لإنجريد وإنجريد وآن في شقتهما بالقاهرة.
كما ضمت الصفحة الأخيرة كلمة للأميرة ملك بير طوسون ـ حفيدة الأسرة المالكة المصرية وأخرى للسفيرة شارلوتا سبار سفيرة دولة السويد في مصر. &
يذكر أن المؤلفة آن إيديلستام، باحثة اجتماعية في علم الأجناس البشرية، ومؤرخة إسلامية، وصحفية، تتحدث السويدية، والفرنسية، والإنجليزية.