بغداد: صدر للشاعر العراقي رضا المحمداوي مجموعة تحمل عنوان ( ما مضى ... في وقت لاحق ) عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد &

&
يقع الكتاب في 160 صفحة من القطع المتوسط ،ويضم بين غلافيه 63 قصيدة ، وهو في الحقيقة مجموعتان شعريتان في كتاب واحد وليست واحدة ،تحمل الاولى العنوان الرئيسي للمجموعة فيما تحمل الثانية عنوان (ما جاء .. بعد الانتظار)، وحتى في العنوانين كان الشاعر يضع تصوراته المرتبطة ببعضها وهي تحمل هموما متشابهة على مدار حياته التي هي جزء من مجتمع عاش فيه وعانى ما عانى في تفاصيل ايامه ، وقد امتلكت القصائد تواريخ كتابتها المختلفة الممتدة الى الثمانينيات حيث الهموم تتنامى ولا يحاول الشاعر ان يتخلص منها لانه يجدها راسخة في روحه كشاعر ، وقد اكد الشاعر من خلال اختياراته لقصائد المجموعة على قدرته في لفت انتباه القاريء الى قصائده من خلال مفرداتها والعزف على اوتار اللغة مما يدعو الى التأمل واعادة القراءة للتعبير عن قيمة المتعة في النصوص .
فهو يفتتح المجموعة كمن يريد ان يؤدي تحية الصباح لقرائه ، لكن تحيته تأتي عبر عنوان نص (صباحات غير مسعّرة) ،فيرسم له سيناريو لممثل يواجه جمهوره وهو في غاية الاحباط ليقطع كلماته ويمنحها سخرية وألما :
(صباحُ الخي....بة&
صباحُ الخي...ط الذي إن...ق...طع&
وَتَرَكَ حباتِ المِسبَحة&
عرضة للعبة ال (الطمة اخريزه )&
فشّد نحولك الى نحولي
ايها الظلُّ
ودعنا نقم جسرا للتواصل)
&
& &ويفاجؤنا بالعديد من المفارقات التي يجعل القاريء يشعر بالصدمة لا سيما في نهاية النص حيث يرفع من درجة الدهشة والتأمل فيستحسن بالتأكيد تلك الصورة المؤثرة التي لها دلالات يمسكها القاريء بسهولة مثل :
(في ملجأنا&
الذي&
لا يتسّع &لاثنينِ&
وَجدْنا جثة &ثالثة)
&
أو &مثل هذه الصدمة – المفارقة وبالتأكيد الصورة واضحة الملامح :&
(كمْ الساعةُ ألآن &يا شوارسكوف&
حسب التوقيت النووي&
المزمع شَنَّه &على الضحايا
قَبلَ الانسحا.......ق) !!
&
كما انه يفاجؤنا بمفارقة (فقدان شخص) وهو يضع صورته وقد تمت الاشارة اليه من قبل من لا يعلن عنهم بعدم فضح اسرار وخفايا &دائرة العذاب التي يعمل فيها بدرجة مصحح لاخطاء الاخرين والا يعتبرونه شخصا ميتا، ويوضح بمصطلحات عسكرية (القسم الثاني) غيابه منذ يوم ولادته الى تاريخ كتابة القصيدة ، وهو هنا يعلن عن فنتازيا حياتية مؤلمة ، ربما اراد ان يسخر من الازمنة التي اضاعت الانسان العراقي فلم يعد له حضور على مداراتها او انه حضوره مجرد ضجر واكتئاب :
&(غابَ عنَّا&
فانتظرناهُ طويلا&
وحينمَا جاءَ في لُجَّةِ الظلام&
تَرَكَ سرَّه عِندَ نجمةٍ
في الاُفقِ البَعيد&
وارتَحَلَ عنَّا غفلة &
يَغمرُه الضجرُ والاكتئاب &
مِثل &قمرٍ ....غاب )
&
واذ يمضي الى لفت انتباهنا بصوره التي يلتقطها من واقع الحياة العراقية الدرامي فهو يدرك معنى ان يكتب شعرا ليصل به الى خلايا الاحساس عند المتلقي فيستفزه بتلك الصورة التي ما زال يراها حية وهي تتشكل بتلك الجمل التي تتناغم على روح النص عبر العديد من المفارقات التي تجعل الدهشة مرتسمة على محيا النص ذاته ،حيث لا يتعكز النص على مفردات مثيرة من دون مشهد تتسلط فيه الاضواء بصدق الاحساس وتنساب بهدوء بلا تلعثم :
(برومثيوس أحرقَ أوراقَ الخيبة &
لكنَّه لم يمسحْ عن وجوهِنا&
غبارَ الاسلحة&
موظفون شملتهم مخصصات الجوع
فابتهجوا في اخرة الليل
قبل ان تداهمهم شمس الحقائق
بالهزيمة
&شحاذون ....
أنزلوا المَعنى الُمعَّلقَ&
في نُصبِ الحُريَّةِ&
وَمَضَوا&
تسبقُهم رغبة لا معنى&
في الاختفاء)
&
في نصوصه يبحث الشاعر عن الحقائق التي يؤمن بها ويعرف انها تسمح له ان لا يؤطرها بالمبالغة او اللعب على فخامة الجمل بل انه يمنحها تدفقا من قلبه ولا يسترسل به الى ما تشاء الكلمات التي في قاموسه بل انها تجيء على قدر الفكرة التي يريد ان تنبع من اعماقه لانه يعلم ان مشاعره حين تتحول الى موجات متلاطمة ستتخلى على الشعر :
(ابي..
&اهكذا يكون الموت؟
رعشة...
كما السعفة
في ريح بللها المطر؟
وحشرجة...
تحاصرها النزوات عنوة
حتى تثقل الصوت ببوح السفر؟
وهدأة...
تنازعها الروح
حتى اذا حضرت
احالت الجسم حجر؟)
&
ان المجموعة الشعرية هذه تحفل بالكثير من الاسئلة والهموم والدخان والانين والخيبات والاحتراقات والحنين والانتظار ورسائل الحب والغزل ايضا وكلها تمتص رحيقها من الازمنة التي تتشابه تفاصيل سنواتها لاسيما في بلد مثل العراق مثقل بالمواجع وابواب الامل المغلقة :
(دعوها تمر دونما غزل
هذه السيدة
فستغمرنا بالدهشة حينا
وتنوء بعطرها البهي
مثلما تنوء الورود بالندى
ثم تترك بدمائنا
نار القصيدة).
&
في قراءة ثانية للمجموعة تتراءى لي الكثير من ملامح الجمال التي يريد ان يؤكدها الشاعر ويعلن عنها على الرغم من الاحتراقات الداخلية التي تتطاير اعمدة دخانها ،الا ان سلاسة النصوص تبث المتعة وهي شيء جميل.