الثقة مفقودة بين المثقف - المواطن والسلطة في العراق، فنرى مثقفي هذه البلاد غادرت عزلتها وانضمت إلى الشارع المحتج، في نزعة إنسانية ترفض التسلط.
بغداد: يودع العراقيون العام 2015 فيما يغادر المثقف العراقي عزلته من دائرة النخبة بنزوله إلى الشارع بين المتظاهرين. إنها لحظة ليست عابرة أن يشهد العام 2015، قبيل طي صفحاته الأخيرة، اجتماعين مهمين: الأول لفعاليات اكاديمية وفكرية تحت يافطة المبادرة الوطنية التي دعا لها المركز الوطني للتنمية، والثانية لتنسيقيات التظاهرات لتوحيد الاحتجاجات ومطالبها وشعاراتها وأطرها التنسيقية.
خطوة عابرة
قال مدير المركز العراقي للتنمية والديمقراطية غسان العطية لـ"ايلاف" إن لقاء شخصيات اكاديمية وفكرية مع شخصيات سياسية واتفاقها على تشكيل تيار عابر خطوة مهمة لتجاوز الانقسام الطائفي والعرقي وخطوة نحو مكافحة الفساد السياسي قبل الإداري، "فالأمر وصل إلى مستويات خطرة وباتت الدولة العراقية مهددة بالتفكك، واندلعت موجات الاحتجاج الشعبية الواسعة في وسط العراق وجنوبه لتفتح أبواب الاصلاح بعد أن وصلت العملية السياسية إلى أبواب مغلقة، لذلك باتت مساندة التظاهرات واجبًا وطنيا تاريخيًا، يستلزم الشروع بالعمل بشكل جماعي لبذل جهود ضاغطة من أجل ترشيد الحكم وتحقيق إصلاحات حقيقية في أدارة البلاد".
يضيف العطية: "نحاول أن نلعب دور الوسيط، او الجسر، وهنا اشبه حال المثقف او قوى الاعتدال التي يكون المثقف قطبها بالخيط في المسبحة، وربما يكون ارخص ما في المسبحة لكنه اهم ما فيها حبات المسبحة الثمينة هم الاخرون، لكن دورنا هو كيف نربط الاخرين ونعيد تشكيل المسبحة".
نماذج ثقافية
من جانب آخر، يقول الكاتب والباحث سهيل سامي نادر لـ"إيلاف" إن المثقفين في العراق لا يشكلون قوة مستقلة عن السياسة، "فالمثققفون لم يتعرفوا على بلدهم عن طريق تحليل تاريخي – اجتماعي، بل عن طريق نزعة إرادية مرة، واختزالات ذهنية مرة، وأسطورية وآديولوجية مرة ثالثة".
يضيف: "القوميون اعتقدوا دائمًا بوجود وحدة قومية في الماضي، فجعلوا من الماضي مبدأ مقارنة سياسية، لم يتبينوا الفرق البديهي بين وحدة امبراطورية من الطراز القديم، والوحدة القومية من الطراز الحديث، وعلى الرغم من تأثرهم بالفكر القومي الاوروبي، فإنهم في بيئتهم الثقافية المتخلفة طوروا لفظية ثورية ولم تدرس الحاضر بل احتقرته وأرادت تغييره بالقوة"، في حين أن الشيوعين، والحديث لنادر، قاموا بتنشيط الحياة السياسية في سياقات مباشرة بلا أفق، مع وجود أنموذج عالي التركيب يقع خارج التجربة، هو خليط من فكرة العدالة الاجتماعية وشن الحرب على الامبريالية مصدر كل الشرور، والتماهي مع دولة شمولية متعسفة أثبتت التجربة التاريخية فشلها.
ويتابع نادر تصنيفه المثقف العراقي: "سيّس الاسلاميون الدين في صراع يائس ضد الحداثة والتقدم، وحولوا الدين إلى سيرة فقهية عقائدية فاقدة للحياة، وهذه النماذج الثلاثة مارست دورها في العراق ولم تستطع غير إرجاعنا إلى الخلف، مقدمة خيارات فاشلة في كل شيء، فالمثقفون لم يكونوا لاعبين كبار بل ملتحقون في هذه الأطر".
دور مغيّب
وتحدث رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي عما وصفه ازمة الثقة بين المواطن والحكومة لافتًا إلى أنها "ازمة قائمة" منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وراى أن دور المثقف مغيّب تجاه ما يعيشه العراق، مؤكدًا أن الوضع بحاجة إلى أصحاب الفكر والقلم وليس إلى السياسيين الذين فشلوا في إدارة العراق طوال السنوات المنصرمة.
أضاف: "ينبغي أن تولي الحكومة دورًا كبيرًا للمثقفين من أجل حل المشاكل التي تمر بها البلاد، لأن إشراك المثقفين يقوي سياسة الحوار والمناقشة، ويبقي البلاد بعيدة عن الازمات التي قد تتعرض لها، وغياب المثقف جعل المشاكل في تزايد مستمر".
الإعلامي رافد جبوري يقول: "للاسف لا يخطو العراق إلى بر الأمان في العام المقبل وان كنّا نتمنى ذلك، فالعراق فقد الزخم الذي اكتسبه في عام ٢٠١٤ حينما تعاطف العالم معه وتشكلت حكومة جامعة وممثلة لكل أطيافه".
ويرى جبوري، الذي عمل متحدثًا باسم رئيس الوزراء، أن هذه الحكومة حصلت على فرصة عظيمة الصيف الماضي للقيام بإصلاح حقيقي، حينما تحرك متظاهرون سلميون غير طائفيين كادوا أن يحطموا معادلة الطائفية والفساد وتضامنت معهم ودعمتهم مرجعية النجف، وكانت فرصة لإصلاح شامل على كل الأصعدة والمثقفون شكلوا جزءًا أساس من عملية التحفيز لهذه التظاهرات والإصلاحات".
إيمان مفقود
لكن علي حسين، الكاتب والصحفي في جريدة المدى، يرى أن المواطن فقد إيمانه بالوطن وتنحى جانبًا بسبب ادراكه أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة بسبب فقدان روح الثقة واحياء هذه الروح هي مهمة المثقف العراقي.
ويضيف: "إن معايير إعادة الثقة هي نزاهة المسؤول وحرصه على المال العام والمعيار الاخر هو الكفاءة وأن يلغي مبدأ أهل الثقة ليحل بدلًا منه مبدأ أهل المعرفة والدراية" مشيرا إلى انه بهذا يمكن أن نخطو نحو تصحيح في العام 2016.
ويرى عضو المجلس العراقي لحوار الأديان الباحث الدكتور سعد سلوم أن إعادة بناء الثقة عموديًا بين الفرد والسلطة ينبغي أن تتضمن مداخل متعددة، منها ما هو نفسي من خلال استعادة ثقة المجتمعات المحلية الساخطة حتى تثق في قدرة الدولة على ضمان حمايتها من العنف، وتحقيق العدالة وتهيئة الظروف من اجل مشاركتها العادلة في المجتمع. ومنها ما هو اقتصادي".
يضيف: "من الضروري أن يتضمن ذلك تحرير مناطق البلاد من قبضة داعش مع توفير موارد كافية لاصلاح البنية التحتية الأساسية وإصلاح نظام الخدمات، بحيث تتوافر بيئة جاذبة لتكون بديلًا عن الاندماج في المناطق التي تم النزوح اليها او التفكير في خيار الهجرة".
&
التعليقات