يلاحظ الشاعر السعودي محمد الحميد ، في مجموعته الجديدة (معلقا من كتفه) الصادرة عن دار طوي 2015 ، حالات على هامش الحياة &من أجل لا شيء ، سوى احتمال الوقوع على الشعر . فليس ما تشير إليه &قصائد هذه المجموعة هو المعنى المتخفي وراء الكلمات ، بل ما تقوله القصيدة هو جزء من سيرة أحداث وأشياء وحيوات منسية ، عديمة الجدوى وبلا طائل تقريبا . إلا أن رصد الشاعر في ملاحظاته &يختزن الكثير من خفايا خبرة يومية بما هو مبتذل وعادي ، على نحو غير عادي ، في سياق كتابة مبررها &الوحيد : تحويل تلك العادات إلى حالات شعرية؛ &فملاحظات محمد الحميد المتخففة من كل صنعة تكتفي بالوصف والتعليق أحيانا، ما &يعني ، بصورة ما ، أن المعنى في القصائد جزء من تأويلها العام ودلالتها الكلية عبر جملة من عمليات الإيهام ، والتخييل والمراقبة &وأفعال الاستقبال التي تأخذ القارئ إلى خلاصة يختتم بها الشاعر بعض قصائد المجموعة .
&لعل أهم &ما يلاحظه قارئ هذه المجموعة &: التغييب الواضح والمقصود للعناوين في النصوص ؛ فالقصائد بلا عناوين لأن الشاعر يكره العناوين ، متماهياً في ذلك مع إحدى أهم خصائص قصيدة النثر الحديثة : " اللاغرضية " كهدف وغاية &في شروط تلك القصيدة ، حيث لا يشتغل محمد الحميد &إلا على هوامش عادية في يوميات لاتهم أحدا غيره (بل ربما لا تهمه هو أيضا) لكن ما يحفز على متابعة الغواية في &هذه النصوص ويمنحها طاقة الشعر هو تكويناتها البصرية ، واشتباك بنيتها في مزيج متحول من الملاحظات والتعبيرات والخلاصات التي تنسج في تلك البنية حالة شعرية لطيفة.
يرى محمد الحميد في فضول الوقت ، عالما منسيا ، الآخرون فيه هوامش وأصداء؛ &عالم لا يحضر في النصوص بوصفه مكانا ، بل انعكاس تظهر به الذات فيما هي تمارس هواياتها العبثية &بمزاج حرج مهتز حيال &كل ما هو مستقر ومقولب وجاهز &فانتظام الشعرية الذي يخترق هذه النصوص يتوخى " لغوا " صافيا للمتعة الشخصية :&
ليس من المجدي استعمال اللغة هذا اليوم / السائق يعرف ما يفعل / النادل في المقهى يفهم ما تريد / زملاء العمل يتنبئون عن مزاجك من طريقة مشيك / تقفل الزجاج على نفسك / وتفكر بالطريقة التي تنفجر بها الخلايا داخليا&
& & & & &في نصوص المجموعة يقع القارئ على كيانية مستقلة &للأشياء والمعاني ، فيما يحاول الشاعر من خلال ممارسة الحياد مع كائناته الشعرية صناعة متخيل معكوس &مستمتعا عبره بعناصر ومفردات عالمه الشعري كما لو أنها ذوات فاعلة فيه . فهوية العناصر الحية والمنفصلة حتى عن علاقات الوصف هي التي تحتل فضاء القصيدة :&
أغنية بائسة / تمنعك من التفوّه هذا المساء / بينما ينتحر صوتها فيك.
ثمة سهو مقصود لفوات يقع عليه &الشاعر ولا يحفل به من خلال تصويره الشعري إذ يعكس الشاعر في قصائده حالات نفسية ومزاجية تتواطأ مع اللامبالاة والعدمية: &
تغيرك العلامات التي تحذرك من التوجه إلى الحافة / تغير تعابيرك / وأنت تدرك ذلك في اللحظة الأخيرة / قبل أن تسقط
&تسكن الذات عبر شلل إرادي في مساحات واسعة من القصائد ، وإذا ما بدا أن محمد الحميد أكثر تعمدا لتجريب الأخطاء المتجددة بالحماس ذاته في كل مرة ؛ فإن اللامبالاة وحدها هي حافز التجريب الذي يحاول من خلاله ، باستمرار ، اختبار شعرية ما في تلك التجارب :&
منذ متى وأنت تتفق معه بأن لا تقول شيئا / وأن يقوم بدوره بتنظيف الغرفة كل يومين / لتتعهد كل مساء بأن تتوقف عن الصراخ وأنت نائم / الليلة ستصرخ / ليضربك من رأسك وتصمت للأبد.&
& ينتظر الشاعر ضوء الفجر ليتخلص من ظلمة المساء ، ويبحث عن مزاد الجمعة ليتخلص من الذاكرة ، ويصوب البندقية على غداء محتمل من الطير ليصبح هو الفريسة التي تطالها طلقة منعكسة من بندقيته، فجسده الذي ظل :&
ساقطا تحت الشجرة / لم يكن ليمنع تلك الرصاصة القادمة من الجهة الأخرى&
حالة &الشاعر داخل نصوصه أقرب إلى هوية كائن لا يكاد يحتمل الحياة ، ليس يأسا من العيش ، وإنما تعبير عن حساسية تأخذ الحياة فيها هوامش منسية وأحاسيس مشوشة حيال مأزق الوجود . فتركيز الشاعر في نصوصه على الأصداء والبقايا والظلال والذكريات وانعكاس الأثر ، فيما يشبه احتفاء بماضٍ قريب من الذاكرة ، هو الوجه الآخر لقناع الخوف من مضي الحياة وسرعة انقضائها :&
ستنزلها /قطعة قطعة / الشجرة التي قطعتها / تجمعها من جديد / وببطء تحرق أجزاءها العشرة / مبعدا الظلمة التي تحيط بك ، نادما من جديد / على عدم آخر.&
ثمة اغتراب يشعر القارئ بالنسيان البهي الذي ينزع إليه الشاعر من ضغط وجود الآخرين في حياته ، في بعض نصوص المجموعة التي يمكن أن تكون &قصائدها موضوعة واحدة لحياة الشاعر جملة ، بلا محطات ولا عناوين :&
كل مرة / تتجه صوبها / الأشياء التي تبعدك عنهم حين يريدوك / كلما حاولوا الوصول إليك ضللّتهم عنك / تفعل ذلك دون مهارة / وكل مرة / يوشك احدهم أن يبلغك &
&
&