&
قد لا أجد ما أحيي به أ . د . إنعام الهاشمي المقيمة في أمريكا منذ سنين طويلة والتي قامت بترجمة ما يقارب أو يزيد على الستين نصا لاكثر من ثلاثين شاعرا عراقيا إلى اللغة الإنكليزية الذي ضمهم جميعا كتابها : A Tapestry OF Contemporary Iraqi Poetry : English Translation & " منسوجة من الشعر العراقي المعاصر " الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013 ، سوى أن أنحني لها تقديرا لجهدها الكبير في : " أن يرى ويسمع العالم الصوت العراقي الجميل – كما تقول الهاشمي في مقدمة الكتاب – الذي استمر يغرد رغم الكوارث والحروب والحصار والمفخخات ، وبهم وبأصواتهم سينهض العراق كما نهض من قبل مرات ومرات عبر التاريخ ... وكما نعلم أن من فوائد احتراق الغابة أنها تجدد نفسها بعد الاحتراق " .
الكتاب جاء بعدد صفحات بلغت 392 من القطع المتوسط وبطبعة أنيقة جدا اشتملت أولى صفحاته على فهرس عربي – إنكليزي بأسماء الشعراء ونصوصهم الشعرية مع صورة ملونة لكل واحد منهم ، أما الإهداء فيعكس روح العمل الجماعي الذي تؤكد عليه الهاشمي دائما وهو السبيل لنجاح أي مشروع أو كما تقول : " إلى شركائي في التجربة العالمية تعالوا لنقفز الحواجز فلا شيء يقف في طريقنا ! " ، ومن مقدمته نتلمس كيف بدأت بمشروعها هذا والظروف التي أحاطت به حتى رؤيته النور لتنطلق بعدها في تقديم ترجمتها للنصوص الواردة فيه بحرفية الواثق من عمله وقد تناولت بداية ثلاثة نصوص للشاعرة زينب محمد رضا الخفاجي : " حنين مشيبه ... لحناء قلبي &" ، " صبر لألف وليلة " ، فطام وجهي وشيطان سبابة " ، والجميل في ترجمة الهاشمي لنصوص الشاعرة الخفاجي وبقية من ترجمت لهم نصوصهم أنها قدمت خلاصة تعريفية بالكيفية التي مكنتها من اختيارها لها ما يمنح القارئ الغربي التعرف أكثر على صاحب أو صاحبة النص وهو أمر متعارف عليه هناك ، نقرأ بعض ما حواه نص الخفاجي " &حنين مشيبه ... لحناء قلبي " بترجمته إلى الإنكليزية مع أصوله العربية لنتعرف كيف بذلت مترجمته جهدا كبيرا في نقله &وهذا يمنح القارئ العربي له أيضا فرصة التعرف على جمال وقوة ترجمته :
What other man like you,
To the sails of his stature
Proudly
Sprinkling its fish around his shadow
Waves urging its footsteps
Moved by longing
To his aromatic patience
أي رجل مثلك
شراع قامته ..
يعدو البحر إليه مختارا ,
مزهوا ...
ينثر أسماكه حول ظله ..
وتحث خطوه أمواج ..
يهزها شوق
لعبير صبره
من هنا سنتحدث عن ترجمتها لهذه النصوص التي وضعتها تحت مجهر المفردة الإنكليزية مقابل العربية منها ، لكنها لم تقيدها برديفتها بل منحتها لغة شفيفة يتقبلها المتلقي الغربي ولا يمل من مطالعتها ، في مقابلة أجرتها صحيفة " وول ستريت جورنال " مع أبين شابيرو الأستاذ بجامعة برينستون الأمريكية المسؤول عن منح شهادات الترجمة فيها والمؤلف لعدد كبير من الكتب الخاصة بها ومنها كتابه ذائع الصيت : " The Art of Translation " فن الترجمة ، يقول في إجابته لأحد اسئلة الصحيفة : " لماذا نجد ما هو شائع الآن التقليل من شأن القراءة المترجمة وانتقاد نوعية ترجماتها ؟ قال : " ازدراء القراءة المترجمة يبدو لي أقل انتشارا مما كانت عليه من قبل ، فقد يعبر القارئ الأجنبي عن تخوفه عند قراءته لها بسبب أن بعضها لا يتمتع بالصدقية كما تقرأ بلغتها الأصلية " ، وعن النصيحة التي يمكن أن يسديها للراغبين بالترجمة قال : " أود أن لا أحث هنا أي شخص لتولي الترجمة كمهنة إذا لم تكن لديه الرغبة بمتابعتها جنبا إلى جنب باستكشاف لغتها الخاصة ، وهذا ينطبق أيضا على التمثيل وتسلق الجبال وركوب الدراجات وأي شيء آخر يقرب إليها حبا ومعرفة " ، &هكذا وجدت كلام شابيرو يتجسد على صفحات كتاب أ . د . الهاشمي من رغبتها وحبها لهذا الفن الذي يقربنا من غير الناطقين به .
وإضافة للشاعرة الخفاجي قدمت المترجمة الهاشمي نصوصا مختارة من أعمال الشعراء : عدنان الفضلي ، سلام كاظم فرج ، حسين أبو سعود ، يقظان الحسيني ، د . سعد ياسين يوسف " شاعر الشجر " الذي يطلق عليه النقاد – كما تقول - &والذي يمكن أن تكون ترجمة نصوصه " غيمتان " و " مرآة النوارس " أنموذجا لبقية نصوص الشعراء الذين ترجمت لهم الهاشمي بنفس الإحساس الذي نقلت به مفردة نصيه آنفا الذكر .
&في نصه " Two Clouds " غيمتان نقرأ :
The cloud that sheltered me
Yesterday
And rained on my soul
With kisses of affection
The transient cloud
In the skies of faraway
الغيمة التي آوتني
البارحة
وأمطرت روحي
بقيلات التودد
الغيمة العابرة
في سماء المدن القصية
هذا المجتزأ من نص الشاعر د . سعد ياسين يوسف يحيلنا للإحساس العالي الذي تتمتع به د . الهاشمي بتذوقها المفردة على الصعيدين العربي والإنكليزي ولولاه لما شعرنا بذلك الجرس الجميل فيه والذي غطى مساحة حروفه ، والمدهش في الأمر أنها ولدى نقل نصوص الشاعر فلاح الشابندر التي تتمتع برمزية عالية تمكنت بذات الدهشة التي تعاملت مع نصوص بقية الشعراء من منح المتلقي الإحساس بروعتها ، مع أنها كانت الأصعب في استقدام المفردة الإنكليزية بما يقابلها بالعربية كما نقرأ ذلك في قصيدته " سماء من ماء " التي تقول عنها : " ما جذب انتباهي إلى هذا النص الرمزية الأسطورية فيه ، ففلاح الشابندر كما لاحظت بدأ في هذا النص سلسلة من الفهارس ، من فهرس الطير إلى " فهرس الشاعر " في نص آخر يحمل هذا العنوان ، وكأن الفهارس هي ملحمة أسطورية بين الطير والبحر .. يبدأها هنا بالطير المحلق فوقهم كالقدر ، يتبعهم في حلكة ليلهم وتأهبهم لرؤية ما يخرج من مأواه في تعلقهم بالمفاجئ ، ولكنه يتأخر ثم يظهر هناك مرة أخرى يصفق بجناحه ويحط على شراع مركبهم .. فيتبين لهم أنه صاحبهم الشاعر ! فلا غرو أن بذاره الكلمات :
A sky of water
Doesn’t blaze in a glance
It follows us, as we head towards it
Fraying its essence
And transcending in its mysteries
Emptiness .. Mooing .. And dizziness swallow us
Undigested .
سماء من ماء
لا تستعر بالتفاتة
يتبعنا .. ماضون إليه
ينسلُ ذاته
يتسامى بخباياه
خواء .. خوار .. ودوار يبلعنا بلا هضم
يذكر أن موقع الأمزون المعروف قال عن أ . د . إنعام الهاشمي هي أستاذ فخري في إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة ولاية نيويورك – بروكبورت ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وبعد تقاعدها قالت أنها عادت الى الكتابة وهي الهواية القديمة المحببة لها بلغتها الأم اللغة العربية ، فكتبت الشعر والقصص القصيرة والمقالات النقدية الأدبية ، وأجرت أيضا العديد من الحوارات مع الشعراء والكتاب باللغة العربية ، ولغرض مد الجسور بين بلدها العراق ووطنها الثاني أمريكا فإنها قامت بترجمة الشعر العربي إلى الإنكليزية ومن الإنكليزية إلى اللغة العربية لعدد كبير من الشعراء
التعليقات