هل شوهت نيويورك تايمز التغطية الإعلامية لصالح القتلى الإسرائيليين
عبدالله زقوت من غزة:رصدت مؤسسة "لو كان الأمريكيون يعلمون"، التغطية الإخبارية التي قامت بها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، حول القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، خلال العام 2001، والعام 2004، توصلت خلاها النتائج إلى تشويه إعلامي واضح وفاضح، مارسته الصحيفة، لا يستند على الحقائق، ويقدم جبةً للرأي العام الأمريكي، بالارتكاز إلى إحصائيات مغلوطة، تضرب المصداقية وتصادر الحقائق التي كان ينبغي على القارئ الأمريكي أن يتعرف عليها بالشكل الصحيح والمطلوب.
وركزت مؤسسة "لو كان الأمريكيون يعلمون" ركزت على إصدار تقارير لوسائل الإعلام في أنحاء الولايات المتحدة، حول تغطيتهم للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وقد شملت هذه الدراسة التي ترجمها المركز الصحافي الدولي و أرسلت لـ " إيلاف " نسخة منها، تغطية "النيويورك تايمز" للسنة الأولى من الانتفاضة الحالية، أي من (29/9/2000 وحتى 29/9/2001)، مشيرةً إلى أنها اختارت هذه الفترة لأنها تحدد المضمون الذي تم من خلاله قياس تغطية الصراع فيما بعد، موضحةً أن التغطية التي تمت عليها الدراسة، كانت إما في العناوين الرئيسية أو الفقرات الأولى للأخبار التي تغطي ضحايا هذا الصراع، بالإضافة إلى مجموعة ثانوية شملت الضحايا من الأطفال، ناهيك عن دراسة التغطية عن الضحايا في المقالات الكاملة على عينة لمدة شهر واحد في العام 2004.
تغطية السنة الأولى من الانتفاضة
من خلالها تغطيتها لجميع الضحايا بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، خلال السنة الأولى من عمر انتفاضة الأقصى، وجدت مؤسسة "لو كان الأمريكيون يعلمون"، أن هناك اختلافاً ملموساً في مدى تلقي حالة الموت تغطية إعلامية بناءً على الخلفية العرقية للشخص المقتول.
ففي السنة الأولى للانتفاضة الحالية، كان هناك 197 تقريراً منشوراً في العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى في النيويورك تايمز عن القتلى الإسرائيليين. وفي نفس تلك الفترة، قتل فقط 165 إسرائيلياً (ويعود عدم التطابق إلى أنه تم تغطية موت عدد من القتلى الإسرائيليين في التايمز أكثر من مرة واحدة).
وفي خلال نفس الفترة الزمنية السابقة، تم تغطية مقتل 233 فلسطيني في العناوين الرئيسة والفقرات الأولى للنيويورك تايمز، وفي خلال نفس الفترة قتل 549 فلسطيني.
بمعنى آخر، وجدت المؤسسة المذكورة، أن 119% من القتلى الإسرائيليين و42% من القتلى الفلسطينيين تم تغطيتهم في العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى على صفحات النيويورك تايمز، وهذا يعني أن النيويورك تايمز قامت بتغطية القتلى الإسرائيليين بنسبة تفوق القتلى الفلسطينيين بـ2.8 مرة.
وفي النهاية، قامت المؤسسة بعمل منحنى لتصوير مجموع حالات الموت الفعلية والتي يتم تغطيتها بالنسبة للقتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا المنحنى يدل على أن النيويورك تايمز تميل لتصوير واقع خيالي فيه يسقط القتلى الإسرائيليون والفلسطينيون بنفس الوتيرة، ويوضح الفجوة الدرامية بين الواقع والتغطية الإخبارية بالنسبة للقتلى الفلسطينيين.
أما عن تغطية موت الأطفال في السنة الأولى من انتفاضة الأقصى، فتشير المؤسسة إلى أنه تم تغطية موت 35 طفلاً إسرائيلياً في العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى للنيويورك تايمز، بالمقارنة مع 24 طفلاً فلسطينياً فقط (ويعرف القانون الدولي الطفل على أنه من لم يتجاوز السابعة عشر من عمره).
وحسب إحصائيات منظمة "بتسيلم" في نفس الفترة الزمنية، قتل 28 طفلاً إسرائيلياً و131 طفلاً فلسطينياً، وبالتالي فإن عدد الضحايا من الأطفال الفلسطينيين يفوق مثيله من الأطفال الإسرائيليين بـ4.7 مرات.
ومن أجل فهم نمط تغطية النيويورك تايمز بالنسبة لموت الأطفال، فإن 125% من الضحايا الأطفال الإسرائيليين و18% من الضحايا الأطفال الفلسطينيين تلقوا تغطية في النيويورك تايمز، سواء في العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى.
وبما يماثل تغطيتها لحالات الموت بشكل عام، فقد قللت النيويورك تايمز من تغطيتها لموت الضحايا من الأطفال الفلسطينيين وتوسعت في تغطيتها لموت الأطفال الإسرائيليين، بالإضافة إلى إخفاق التايمز في اتباع النسق الزمني الصحيح بالنسبة للأطفال الفلسطينيين، حيث أنه على الأقل، كان يقتل 82 طفلاً فلسطينياً قبل الطفل الإسرائيلي الأول، ولا يلقى منهم سوى 9 التغطية على صفحات النيويورك تايمز.
وفي سياق تغطيتها على مدار العام، حاولت التايمز أن تقزم من تغطيتها لموت الأطفال الفلسطينيين لكنها ضخمت من تغطيتها لموت الأطفال الإسرائيليين، بالإضافة إلى أنها لم تراع التسلسل الزمني بدقة، حيث أنه في حين قتل 82 طفلاً فلسطينياً قبل الطفل الإسرائيلي الأول، غطت التايمز مقتل 9 أطفال فقط.
تغطية العام 2004 من الانتفاضة
في العام 2004، وجدت المؤسسة في دراستها لتغطية النيويورك تايمز، استمراراً لنفس نموذج التشويه المتبع، بل في الحقيقة كان أكثر سوءاً، حيث أنه في العام 2004 تمت تغطية القتلى الإسرائيليين في النيويورك تايمز بـ159 تقريراً، سواء في العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى، وفي نفس ذلك الوقت قتل 107 إسرائيليين فقط.
وفي نفس الفترة الزمنية، تم تغطية 334 قتيل فلسطيني على العناوين الرئيسة أو الفقرات الأولى للنيويورك تايمز، في حين أنه سقط 818 قتيل فلسطيني في نفس الفترة.
وفيما يتصل بالعام 2004، وجد التقرير تبايناً بين تغطية موت الأطفال الفلسطينيين وموت الأطفال الإسرائيليين يفوق مثيله في السنة الأولى للانتفاضة، حيث أن 4 من أصل 8 أطفال إسرائيليين تم تغطية موتهم في العناوين الرئيسة والفقرات الأولى، بالمقارنة مع 12 من أصل 172 طفلاً فلسطينياً تم تغطيتهم.
وبالحديث عن النسب المئوية، فإن النيويورك تايمز قامت بتغطية 50% من حالات موت الأطفال الإسرائيليين، بالمقارنة مع 7% فقط من حالات موت الأطفال الفلسطينيين.
ومن أكثر النتائج التي توصل إليها هذا التقرير إزعاجاً هو أن عدم المساواة في التغطية المعطاة للأطفال الفلسطينيين بالمقارنة مع الأطفال الإسرائيليين قد ازداد سوءا في العام 2004 عنه في السنة الأولى للانتفاضة، حيث أن التايمز قامت بتغطية موت الأطفال الإسرائيليين 7.3 مرة أكثر من موت الأطفال الفلسطينيين، بمعنى أن هناك تأكيداً أكثر على الضحايا الإسرائيليين من الضحايا الفلسطينيين.
تغطية حالات الموت في المقالات لعام 2004
عندما قامت المؤسسة بفحص المقالات الكاملة على مدى شهر اختير عشوائياً في العام 2004، ففي الفترة ما بين 28/6/2004-27/7/2004 قتل 7 إسرائيليين بينهم طفل واحد، في حين قتل في نفس الفترة 60 فلسطينياً بينهم 18 طفلاً، مما يعني أن عدد الضحايا الفلسطينيين يفوق مثيله من الإسرائيليين بـ8.6 مرة.
وفي العناوين والفقرات الأولى للتقارير المشمولة في هذه الدراسة، تمت الإشارة إلى 7 قتلى إسرائيليين، بينهم طفل واحد، مما يعني تغطية 100% من الضحايا الإسرائيليين في تلك الفترة، بالمقارنة مع 33% من الضحايا الفلسطينيين و11% من الضحايا الأطفال.
وهذا يعني أن الضحايا الإسرائيليين تلقوا تغطية في العناوين والفقرات الأولى للمقالات بمعدل يفوق الضحايا الفلسطينيين بثلاث مرات، بينما تلقى الضحايا من الأطفال الإسرائيليين تغطية تفوق نظرائهم من الأطفال الفلسطينيين بتسع مرات.
وفي دراسة فرعية لأول 5 فقرات من المقال، وجدت المؤسسة أن 157% من الضحايا الإسرائيلية و200% من الضحايا الأطفال الإسرائيليين تم تغطيتهم، بينما لم يذكر القتلى الفلسطينيون في فقرات لاحقة، مما يعني أن النسبة بقيت على ما هي عليه (33%). وأشار أحد المقالات إلى أن من الضحايا الفلسطينيين المذكورين سابقاً كان طفلاً، مما يرفع نسبة تغطية الضحايا الأطفال الفلسطينيين إلى 17%، مما يعني أن النسبة بين تغطية الضحايا الفلسطينيين إلى تغطية الضحايا الإسرائيليين زادت إلى 3:4.7 وبالنسبة للأطفال زادت إلى 9:12.
في السادس من يوليو نشر مقال تقول الفقرة الرئيسة فيه: "قتل ضابط في الجيش الإسرائيلي وأربعة فلسطينيين خلال تبادل لإطلاق النار صباح الثلاثاء حول مخيم عين بيت الماء للاجئين في مدينة نابلس بالضفة الغربية، كما صرحت مصادر أمنية إسرائيلية وفلسطينية." وبعد هذه الفقرة كرس الكاتب جل المقال لكي يصف حيثيات وتفاصيل "تبادل إطلاق النار"، ذاكراً في الفقرة الأخيرة للمقال أن أحد القتلى الفلسطينيين كان فتى في الخامسة عشر من عمره.
إن من المعروف أن اهتمام القارئ بالمقال ينحسر تدريجياً مع كل فقرة، بحيث يصل إلى أدنى مستوى له في الفقرة الأخيرة من المقال، مما يعني أن أسلوب النيويورك تايمز في الإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين في نهاية الخبر يقلل من وعي القارئ حول الضحايا من الفلسطينيين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن للنيويورك تايمز خدمة للأخبار العاجلة، حيث توفر الجريدة أخبارها للأمة (الأمريكية) بأكملها، وعندما تكون المساحة محدودة في مثل هذه الخدمة، فإن العرف الصحافي يقضي بأن يبدأ في تقصير المقال من الأسفل للأعلى، وكنتيجة لذلك، فمن المتوقع أن الخدمة التي توفرها الجريدة للولايات المتحدة بأكملها قد تم فيها شطب أي إشارة للضحايا الفلسطينيين، الذي لا يلقون تغطية تذكر على صفحات الجريدة غير المحدودة!
ملاحظات على التقرير
في أثناء جمع المعلومات، وجدت مؤسسة "لو كان الأمريكيون يعلمون"، أساليب أضافية لتشويه تغطية القتلى بناء على العرق، من ناحية توفير معلومات إضافية ذات علاقة بالموضوع. ففي حين كان يتم تصوير حالات الموت الإسرائيلية على أنها لضحايا أبرياء للعدوان الفلسطيني، كانت حالات الموت الفلسطينية تصور بشكل عام على أنها نتيجة ضرورية للصراع، ويتم تعريف الضحايا فيها عادة على أنهم محاربون.
ومن الملاحظ أن معظم -إن لم يكن كل- حالات الموت التي نتجت مما تدعي الصحيفة أنه "صدامات" كانت لفلسطينيين، مما يوحي بمفهوم أحادي للعنف أكثر مما يفهم من معنى الكلمة. وفي نفس السياق، تم التشديد على الضحايا من المدنيين الإسرائيليين، بينما تم تجاهل أو تقزيم الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، إلى حد محاولة إخفاء موتهم أو هويتهم كمدنيين.
وتقول المؤسسة: "إن هذا النوع من التغطية الصحافية يشكل تشويهاً صريحاً لحقيقة الصراع، حيث يقتل المدنيون بأعداد كبيرة على الجانبين، في حين يفوق عدد القتلى الفلسطينيين مثيله من القتلى الإسرائيليين".
الخلاصة
وتخلص المؤسسة إلى أن قراء النيويورك تايمز والشعب الأمريكي بشكل عام يستحق أن يحصل على تغطية كاملة ودقيقة لجميع المواضيع المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبالنظر إلى حجم التغطية الكبير الذي أولته التايمز لهذا الصراع (ما يفوق الألف خبر)، فإنه من المقلق أن يتم حجب معلومات مهمة تتعلق بالضحايا الفلسطينيين عن القراء الأمريكيين. وتشير معطيات المؤسسة إلى نسق من التشويه الواضح للنيويورك تايمز في تغطيتها للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بشكل لا يتماشى مع الأعراف الصحافية المعتادة.
وحثت المؤسسة صحيفة النيويورك تايمز، على اتخاذ خطوات وتغييرات من شأنها أن تضمن تغطية دقيقة ومتوازنة لهذا الموضوع الحساس، على افتراض أن التايمز منزعجة بقدر انزعاج المؤسسة من وجود مثل هذه التباينات والتي قد تؤثر على سعيها لتقديم تغطية ممتازة للقارئ.
ودعت مؤسسة "لو كان الأمريكيون يعلمون" النيويورك تايمز، من أجل الوصول إلى تغطية كاملة ودقيقة، إلى نشر معطيات هذا التقرير وتوعية قرائها بنتائجه، كما دعتها أيضاً لنشر الاستراتيجيات التي تنوي تبنيها من أجل معالجة الأخطاء الجسيمة التي أثبتتها هذه الدراسة في تغطية التايمز للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
التعليقات