حيدر عبدالرضا من مسقط: تحتفل سلطنة عمان في الثامن عشر من نوفمبر بعيدها الوطني السادس والثلاثين منذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد جلالة السلطان قابوس بن سعيد في يوليو من عام 1970. وقد ولد السلطان قابوس في 18 شوال عام 1395 هـ الموافق 18 نوفمبر 1940 بمدينة صلالة بمحـافظة ظفار حيث يبلغ من العمر حاليا 66 عاما، وقد مضى على حكمه لعمان اليوم 36 عاما شهدت فيها البلاد خطوات واسعة نحو تطوير مفهوم الدولة الحديثة وتطوير مؤسساتها فى مختلف المجالات. وقد حققت على أرض السلطنة اليوم نقلة كبيرة فى شتى المجالات في محتلف المناحي الحياتية شملت القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية والرياضية وغيرها الأمر الذى جعل من السلطنة نموذجا تنمويا ناجحا يشار إليه إقليميا ودوليا.
الحاكم الثامن في أسرة أل بو سيعد
ويعد السلطان قابوس الحاكم الثامن المنحدر رأسا من سلالة الإمام أحمد بن سعيد المؤسس الأول لأسرة آل بوسعيد التي حكمت عمان سنة 1744م. وفي سنواته المبكرة تلقى السلطان تعليم اللغة العربية والمبادئ الدينية على أيدي أساتذة مختصين، كما درس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة والتي كانت ضمن ثلاث مدارس حكومية في عهد والده في جميع أرجاء عمان قبل عام 1970 ليرتفع عددها اليوم نحو 1200 مدرسة حكومية بجانب عدد كبير من المدارس الخاصة.
وفي سبتمبر 1958م أرسله والده السلطان سعيد بن تيمور إلى انجلترا حيث واصل السلطان قابوس تعليمه لمدة عامين في مؤسسة تعليمية خاصة (سافوك). وفى عام 1379هـ الموافق 1960م التحق بالأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية (ساند هيرست) كضابط مرشح، حيث أمضى فيهـا عـامين درس خـلالها العلوم العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية العاملةآنذاك في ألمانيا الغربية حيث أمضى ستة أشهر كمتدرب في فن القيادة العسكرية بعدها عاد إلى بريطانيا حيث درس لمدة عام في مجال نظم الحكم المحلي، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة. ثم هيأ له والده الفرصة، فقام بجولة حول العالم استغرقت ثلاثة اشهر، عاد بعدها إلى البلاد عام 1383هـ الموافق 1964م حيث أقام في مدينة صلالة.
وقد وضع السلطان قابوس المعظم منذ توليه مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970م رؤية واضحـة، ودقيقة ومحددة سواء لواقع المجتمع العُماني ومجمل الظروف المحيطة به محليا واقليمياً ودولياً، أو سبل ووسائل النهوض به والأولويات التي ينبغي السير فيها، فإنه كان من الأهمية بمكـان تقوية القاعدة التي تنطلق منها وترتكز عليها كل الجهود وذلك بتحقيق وترسيـخ الوحدة الوطنية واستعادة سيطرة الدولة على كل شبر من ترابها الوطني، وبعث روح التضامن

صورة للسلطان في شبابه

والتكـافل والتماسك في اطار الهوية العُمانية. وقد تحقق ذلك بفضل رؤيته وإرادته بدءاً من تسمية البلاد بإسم سلطنة عُمانفي التاسع من أغسطس 1970 م وحتى إنهاء حركـة التمرد في ظفار في 11 ديسمبر1975 لتتكرس الوحدة الوطنية ولتنطلق عُمان بكل طاقاتها لبناء حـاضرها والتخطيط لمستقبلها.
ولم تكن المراة العمانية بعيدة عن موضع اهتمام السلطان بل كانت موضع اهتمام كبير ومتواصل فلم تكن مصادفة ان تكون المراة العمانية في موقع الريادة على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في التمتع بحقوقها السياسية بما في ذلك عضوية مجلس الدولة وحق الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس الشورى وشغل مختلف الوظائف في الجهاز الاداري للدولة وكذلك عضوية مجلس الوزراء. وقد دعا السلطان المراة العمانية في كل مكان في القرية والمدينة في الحضر والبادية في السهل والجبل ان تشمر عن الساعد الجد وان تسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويقوم السلطان كل عام بجولات ولقاءات مباشرة مع المواطنين وينتقل إليهم حيث يقيمون في القرى والسفوح والوديان والتجمعات الصغيرة للإستماع إليهم وإلى اقتراحاتهم وقضاياهم حيث يشارك فيها أبناء تلك المناطق ليعرضوا خلالها مختلف القضايا والموضوعات التي تهم الوطن والمواطن دون حواجزأو مراسيم.

اهتماماته بالدين واللغة والأدب والتاريخ
وتشير الأدبيات العمانية حول حياة جلالته أنه علـى امتداد السنـوات الست التـالـيـة تعمّق السلطان قابوس في دراسة الدين الإسلامي، وكـل ما يتصل بتـاريـخ وحضارة عُمان دولة وشعباً على مر العصور. وقد أشار السلطان في أحد أحـاديثه قائلا: ((كان إصرار والدي على دراسة ديني وتاريخ وثقافة بلدي لها عظيم الأثر في توسيع مداركي ووعيي بمسؤولياتي تجاه شعبي والإنسانية عموماً. وكذلك استفدت من التعليم الغربي وخضعت لحياة الجندية، وأخيراً كانت لدي الفرصة للاستفادة من قراءة الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من مفكري العالم المشهورين)). وللسلطان قابوس اهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريـخ والفلك وشؤون البيئة، حيث يظهر ذلك جليا في الدعم الكبير والمستمر من لدنه للعديد من المشروعات الثقافية، وبشكل شخصي، محليا وعربياً ودوليا، سواء من خـلال منظمة اليونسكو أم غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية.
ومن أبرز هذه المشروعات على سبيل المثال لا الحصر، موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية، وكذلك بعض مشروعات جـامعة الأزهر، وجـامعة الخليـج وعدد من الجـامعات والمراكز العلمية العربية والدولية، فضلاً عن (جـائزة السلطان قابوس لصون البيئة) التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونسكو، ودعم مشروع دراسة طرق الحرير.. وغيرها.


هواية ركوب الخيل والمشي
وعن هواياته يتحدث السلطان قائلا: ((منذ طفولتي كانت لدي هواية ركوب الخيل، فقد وُضِعت على ظهر حصان وأنا في الرابعة من عمري، ومنذ ذلك الحين وأنا أحب ركوب الخيل، ولكن في الآونة الأخيرة ولكثرة الأعمال أصبحت الممارسة قليلة جداً، إلا أن هذه الهواية لاتزال قريبة الى نفسي.. الرماية أيضاً من الهوايات المحببه كوني تدربت عسكرياً.. هذه الهواية جزء مهم لكل من يهتم بالنشاط العسكري وعاش في مجتمع كالمجتمع العُماني الذي يعتز بكونه يستطيع حمل السلاح عند الضرورة. كذلك عندي حب التجربة لكل ما هو جديد من أسلحة في القوات المسلحة، سواء بندقية أو مدفع رشاش أو مدفع دبابة، إلا أن الرماية بالمسدس والبندقية تبقى هي الأفضل، وكذلك ـ كنوع من الترفيه ـ أستخدم القوس والنشاَّب.
كما يضيف السلطان: quot;هناك هوايات أخرى كالمشي.. أحب المشي منذ الصغر، فأجد الراحة ـ قبل الذهاب الى النوم ـ حيث أقضي وقتاً بالمشي على البحر فهو رياضة جيدة للجسم وفرصة للتفكير، كذلك أحب التصوير، وكانت لدي هواية الرسم للمناظر الطبيعية في وقت من الأوقات، إلا أن الظروف والوقت أصبحا لا يسمحان بممارسة هذه الهوايات.. والقراءة أيضا كونها هواية، إلا أنها أصبحت جزءاً من العمل، وأصبح من الصعب مطالعة الكتب حسب الهواية إلا ما هو في مجال العمل والحياة اليومية. وأيضاً فإن الهوايات المحببة لدي علم الفلك ومراقبة الكواكب، حيث أملك مرصداً صغيراً آمل تحسينه مستقبلاً، وعندما تكون الفرصة سانحة في الليالي المناسـبـة حسب النشـرات الفلكيـة فـإنني أقـضي بعـض الوقـت في مراقبـة هذه الكواكـب السماويـة.. وكـرياضـة كنـت ولازلـت ـ إذا مـا وجدت الوقت ـ أمارس لعبة التنس، كما أحب متابعتها إذا علمت أنها على جهاز التلفاز، وكذلك أيضا بالنسبة لألعاب القوى، فـإنني أحب متابعتها)).


مسيرة التنمية الحديثة في عمان
والمتتبع لمسيرة العطاء في عمان سوف يدرك بلا شك بأن السلطنة شهدت الكثير من فرض التنمية العمانية في عهد جلالة السلطان قابوس، ونجاحات تجسدت فى العديد من الصروح المنتشرة على كل بقعة من أرض عمان، بحيث وصلت إنجازاتها إلى مستويات عالية لدى الكثير من المنظمات الدولية المتخصصة. كما استطاع الاقتصاد أن يبني له قاعدة راسخة نابعة من السياسات الاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة العمانية للاستفادة من جميع المقومات التي تتمتع بها البلاد بجانب النفط، وذلك من خلال المشاركة فى العديد من مشروعات التنوع الاقتصادى التى يجرى تنفيذها حاليا وفقا لبرنامجها الزمني خلال سنوات الخطة الخمسية السابعة/2006 2010/ والمتمثلة فى تشجيع استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي وتنمية قطاعات السياحة والاسماك والصناعة وتشجيع عمليات التصدير إلى جانب تحسين مستوى معيشة المواطنين والمحافظة على استقرار الأسعار التى تخدم جميع الاطراف وتلبي فى الوقت نفسه الكثير من المتطلبات. ويركز السلطان في جميع خطاباته وفي مختلف المناسبات على القضايا الوطنية التي تهم الفرد العماني، خاصة اهتمام الكبير بالموارد البشرية إيمانا منه أن الإنسان هو أساس وصانع التنمية الشاملة، ولا بد له أن يواصل الاهتمام بالتعليم والتدريب والتأهيل، بجانب اهتمامه بالتعليم العالي من خلال إنشاء الكليات والجامعات دعمها والارتقاء بمخرجات التعليم لارتباط ذلك بسوق العمل العماني.
ويعد جلالة السلطان رأس الدولة ورئيسها والسلطة العليا والنهائية لها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رمز الوحدة الوطنية والساهر على رعايتها وحمايتها، وقد حددتالمادة 42 من قانون النظام الأساسي للدولة المهام التي يقوم بها السلطان. ومن خلال تلك المسؤوليات أعاد السلطان للوطن تألقه وشموخه ودوره التاريخي والحضاري الذى وصل إلى أجزاء عديدة من العالم مما كان له الأثر الإيجابي فى ترسيخ التعاون فى جميع المجالات مع تلك الاجزاء من العالم فى المرحلة الحالية.


تحقيق السلام والأمن لكل دول وشعوب المنطقة
ولقد أصبحت السلطنة اليوم نموذجا يحتذى به اقليميا ودوليا بما انتهجته من سياسات حكيمة سمتها دوما الاعتدال والنظرة البعيدة، فهي تبدي كل الحرص في تحقيق السلام والأمن والاستقرار لكل دول وشعوب المنطقة وعلى حل مختلف قضايا المنطقة عبر الحوار وبالوسائل السلمية، وبما يتيح استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في اقامة دولته المستقلة، وكذلك استعادة الاراضي العربية المحتلة عام 1967 والحفاظ على وحدة ارض وشعب العراق واستعادة الاستقرار له. كما أن السلطنة لا تدخر وسعاً في العمل من أجل تحقيق أفضل مناخ ممكن بين الدول العربية وعلى صعيد المنطقة من حولها وبما يحمي دولها وشعوبها ضد كل انواع التهديدات بما فيها الارهاب وبما يوفر لها الأمان والطمأنينة لبناء حاضرها ومستقبلها على النحو الذي تريده. كما أن السياسة الخارجية التي يتبعها جلالة السلطان والحكومة العمانية ساهمت كثيرا في أن تجعل من عمان بلدا وواحة أمن وسلام واستقرار فى الوقت الذي تشهد اجزاء من العالم المزيد من التوتر والصراعات والحروب. ومما لا شك فيه فان الثامن عشر من نوفمبر سيبقى لدى كافة العمانيين من الذكور والإناث يوما مشهودا وتاريخيا ملئه الاحترام والتقدير والتفاني لباني نهضته الذي استطاع في غضون سنين قلائل في تحقيق مناخ السلام والأمن الاجتماعي للجميع على هذه الأرض الطيبة.