إيلاف في الضاحية الجنوبية لبيروت

أطفال الضاحية يتحدون القصف بابتساماتهم البريئة

حسن المصطفى موفد quot;إيلافquot; إلى لبنان: في زقاق فرعي من ضاحية بيروت الجنوبية، تطل عليك من سطح المنزل، ثلاث صبايا بعمر الزهور يبتسمن بحبور وكأن شيئا لم يكن في لبنان. كأن الطائرات الإسرائيلية لم تُغر على مجمع quot;سيد الشهداءquot; القريب من منزلهم، ولم تدك العمارات السكنية التي تقع في الحي المجاور.
ما أن تقصف البوارج البحرية الإسرائيلية الضاحية الجنوبية، إلا وتسمع صوت قنابلها وأنت في منطقة رأس بيروت، فما بالك بمن جاور الدمار، وأحس باهتزاز الأرض تحت قدميه، وامتلأت رأتاه برائحة البارود، وغطى سماء أحلامه سواد الموت المباغت. الحال لن تكون سهلة أبدا حتى على من عايشوا الاجتياحات السابقة والحرب الأهلية، فكيف بأطفال لم يتجاوز عمر أكبرهم 12 سنة!.
ستكون غير قادرٍ على مواصلة طريقك. كنتُ سائرا بسيارتي بغية الخروج من الضاحية تحسبا لأي قصف إسرائيلي محتملٍ قد يصطادني في أي وقت. لكن العيون المبتسمة من أعلى الشرفة للحوريات الصغار تجبرك على التوقف، والترجل لقراءة ما تقوله، وفك شفراتها الساحرة.
ندى في الثامنة من عمرها، أتت إلى بيت الجيران، حيث زهراء التي تماثلها في العمر، وأختها مريم ابنة الثالثة، لتجلس الصغيرات مع بعضهن، يمرحن، ويلعبن، وينسجن صداقة ومحبة، لم تستطع طائرات الأباتشي نقض غزلها.
الصغيرات يبتسمن لك وأنت تلتقط لهن صورا. واثقات بجمالهن، وفتنتهن وهن في بُرعمِ الأنوثة، فكيف بهن، إذا استوى عودهن، وأصبحن أميرات متوجات يتسابق الشباب على كسب ودهن.
ما تستشعره وأن تلتقط الصورة، مزيج من الفرح، والغبطة، والمرارة، وسؤالٌ عن مجهول قد يخاتلك ويكون مفجعا. فمثل هاتين الصغيرات معلقات على حد السيف الإسرائيلي، بين موت ترجحه الغارات المتتالية، ونجاة محتملة، قد يكتبها الرب لهن.
تكون واثقا من أن حدسك عن حُسنهن في السنين القادمة، عندما تشاهد quot;أميرةquot; الصبية في ربيعها الثاني عشر. غصنُ البان، الشعرُ الأسودُ النازلُ كشلالٍ من سحرٍ وشِعرٍ، وعينان بسعة البحر...لكنها، وعندما أردنا اصطياد صورة لها، هربت كالغزالات النافرات بعيدا عن قوس الصياد.
أميرة، كانت فاتحة الخير لإبي إبراهيم. كانت وردته الأولى التي أهدتها له ولزوجته السماء، لتتجاور معها زهور أخرى: إبراهيم الذي يصغرها بعام واحد، وزهراء، ومريم.
في ساحة منزله الصغيرة، وتحت عريش مخضر، كان عبد الوهاب الدباغ يحكي لنا عنه وعن عائلته التي رفضت أن تغادر quot;الرادوفquot;، الحي الفقير المتواضع في الضاحية الجنوبية، مفضلا quot;الصبر والصمود، ودعم المقاومة ببقائي هناquot; على المغادرة لمكان أكثر أمنا.

أبو ابراهيم مع عائلته - عدسة ايلاف
أبو إبراهيم، يشرح موضحا quot;لقد كان بمقدوري الخروج مع عائلتي من هنا، لكننا رفضنا المغادرة، رغم أن لدينا أطفالا صغار. البقاء هنا رغم خطورته، لكنه أهون بكثير من ذل التهجير ومهانته. لقد عشنا طوال فترات الحرب الأهلية، وحروب إسرائيل على لبنان، وجربنا التهجير، وصبرنا، ولكننا هذه المرة لن نغادر مكاننا، ونحن مؤمنون بالله، وأنه خير حافظ وحارسquot;، مضيفا quot;نحن نعتبر حالنا جزءً من المقاومة ولا بد أن نكون إلى جانبهاquot;.
الأطفال الصغار، ماذا عنهم؟ يقول أبو إبراهيم: quot;أطفالي لم تمر عليهم حروب من قبل، ولذا فهم غير معتادين على هذا الجو، وهذا الوضع الخطر. في البداية كانوا خائفين جدا وفزعين، ولم يكونوا يستطيعون النوم في الليل بسبب أصوات القصف وتحليق الطائرات. لكنهم فيها بعد، تأقلموا شيئا فشيئا مع الوضع. لا أقول أن الأمور طبيعية بالنسبة لهم، لكنهم بالتأكيد أفضل حالا من قبلquot;.
عبد الوهاب، لا يخرج من بيته هو وعائلته إلا نادرا، من أجل توفير الحاجيات والمسلتزمات الضرورية، والتي وبحسبه quot;يوفر لنا شباب الحزب كل ما نحتاجه من غذاء ومسلتزمات حياتيه، ولا ينقصنا شيئا أبدا. لدينا الخبز والماء وما يكفينا من طعام، والشباب موفيين ومكفيينquot;.
تتسمر عائلة أبو إبراهيم أمام شاشة quot;المنارquot; وباقي الفضائيات اللبنانية تتابع ما يجري من أحداث، وعندما تنقطع الكهرباء، تدير المذياع مستمعة إلى إذاعتي quot;النورquot;، وquot;صوت الشعبquot;، ما يجعلها غير منعزلة عن محيطها الخارجي، متابعة الحدث وهي في قلبه.
إبراهيم الصغير، رفع شارة النصر ونحن نلتقط صورة له. فيما أميرة، وعدتنا أن تسمح لنا بالتقاط صورة لها وهي مرتدية فستان زفافها، ووعدناها بأن نرقص ليلتها معها فرحا بتتويجها عروسا تغار منها الوصيفات. حلمٌ يراود الصغيرة، وأمل بالنصر يراود الصغير، ومرحلة صعبة يأمل أبو إبراهيم أن يتجاوزها بسلامٍ ليتوج صبرهم بالظفر.