أسامة العيسة من نهر الأردن: يشعر القائمون على موقع المغطس في الجانب الأردني من نهر الأردن، بزهو الانتصار بعد تمكنهم، من تثبيت الموقع كما أرادوه أن يكون، بأنه المكان المعتمد الذي شهد قصة تعميد السيد المسيح وهو ابن ثلاثين عاما في نهر الأردن، على يد يوحنا المعمدان، ولينطلق بعدها مبشرا برسالته.
وطوال قرون كان المكان المعتمد هو الضفة الغربية لنهر الأردن، ولكن اكتشافات أثرية مهمة، أعلنت في نهاية تسعينات القرن الماضي، في وادي الخرار على الضفة الشرقية للنهر، جعلت الأردن يبدا حملة لتثبيت الموقع باعتباره المكان الذي شهد تعميد المسيح، وجرت معركة غير معلنة مع الإسرائيليين الذين يحتلون الضفة الغربية للنهر، ولا يسمحون بالدخول إلى موقع المغطس هناك إلا في أوقات محددة من العام، باعتبار المنطقة منطقة حدودية عسكرية مغلقة.
ووسط الجدل الذي اندلع آنذاك، حول الموقع الحقيقي للمغطس، بين الأردن وإسرائيل، في ظل غياب من قبل الفلسطينيين، أصحاب الموقع على الضفة الغربية، حقق الأردن ما اعتبر الخطوة الحاسمة في تثبيت مكان المكتشفات الجديدة كموقع للمغطس، عندما ادرج الموقع على قائمة الأماكن التي زارها البابا يوحنا بولس الثاني التاريخية للأراضي المقدسة عام 2000.
ولم تنه الزيارة الجدل في بعض الأوساط الكنسية حول موقع المغطس، وما زال الموقع على الضفة الغربية للنهر يستخدم في المناسبات الدينية، عندما تسمح إسرائيل بذلك، ووسط إجراءات أمنية مشددة، وتقيم الكنيسة الأرثوذكسية قداسا مشتركة في عيد الغطاس للمؤمنين الذين يتجمعون على ضفتي النهر المقدس.
وتعنى الحكومة الأردن بشكل كبير في موقع المغطس الجديد، ويقول القائمون على الموقع بان من دلائل ذلك ترؤس الأمير الهاشمي غازي بن محمد لمجلس أمناء هيئة موقع المغطس، ويشيرون بأنه الموقع الأثرى الوحيد

نهر الاردن
في الأردن الذي يشرف عليه بشكل مباشر شخصية اعتبارية مثل الأمير غازي.
ويشهد الموقع إقبالا من قبل الحجاج والسياح الأجانب الذين يزورون الموقع ضمن إجراءات أمنية معينة، لكون الموقع يعتبر منطقة حدودية فاصلة بين الأردن والضفة الغربية المحتلة من قبل الإسرائيليين.
وتستوجب زيارة الموقع، مرافقة موظفين إدلاء، والحصول على تصريح أمني من مكتب الاستخبارات العسكرية في الموقع.
ولا توجد من الآثار الموجودة وما كشف عنها، ما يعود إلى فترة المسيح، ولكن ما عثر عليه آثار تعود للفترة ما بين القرنين الثالث و السادس الميلاديين، خصوصا للحقبة البيزنطية، التي شهدت بعد تبني الإمبراطور قسطنطين للمسيحية، حملة بناء للكنائس في المواقع التي يعتقد أنها شهدت أحداث الكتاب المقدس.
ومن بين هذه الآثار التي عثر عليها، كنيسة بيزنطية بنيت في عهد الإمبراطور اناستاسيوس (491-518 م)، يقول القائمون على الموقع أنها بنيت ككنيسة تذكارية لحدث التعميد، عرفت باسم كنيسة يوحنا المعمدان، وتسمى أيضا كنيسة الرداء، وتم إعادة بناء الكنيسة عدة مرات بعد دمارها بسبب الزلازل وفيضانات نهر الأردن.
وكشفت الحفريات عن بقايا كنائس أخرى ذات أرضيات فسيفسائية ملونة ورخامية، ودير يعود إلى القرن السادس الميلادي، وهو محاط بجدار خارجي، وكنيسة يطلق عليها الكنيسة الشمالية، فيها أرضية فسيفسائية، ونقس باللغة اليونانية يقول quot;بهمة وعظمة السيد المسيح تم بناء هذا الدير بزمن الكاهن روتوريوس المحب لله يمنحه الله الرحمة quot;، وعثر أيضا على ما يطلق عليه الكنيسة الغربية، والتي تعود أيضا للفترة البيزنطية، وهي من جزئين، الأول محفور في الصخر.
بقايا كنيسة قديمة
واقدم اثر عثر عليه في المنطقة ما يطلق عليه قاعة الصلاة، التي تعتبر أقدم قاعة عبادة وصلاة أقيمت بالقرب من الزاوية الجنوبية الشرقية من تل الخرار، وتؤرخ إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي، رصفت أرضية القاعة المستطيلة الشكل بالفسيفساء الأبيض، ومن المرجح أن السقف كان من الأخشاب، وطريقة وموقع البناء توحيان بأن المبنى قد استخدم كمصلى في الفترة البيزنطية المبكرة.
ومن الأمور المثيرة التي كشفت عنها الحفريات النظام المائي في الموقع الذي يتكون من بئر أسطواني وخزان، وكلاهما محفورين في الصخر، يربطهما قنوات مكشوفة، جلبت المياه إليها من الأودية المجاورة عبر أنابيب فخارية، يبلغ طولها نحو الكيلو متر.
والمكتشفات التي ترتبط اكثر من غيرها بطقس التعميد ثلاثة برك، منها بركة يوجد فيها بئر مبني من الحجر الرملي، بالإضافة إلى صوامع استخدمها الرهبان خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين، بنيت من الحجارة والطوب الطيني والأخشاب، ومرتبطة بالكهوف المنحوتة في الصخر الطبيعي على أطراف الوادي.
وتوجد في الموقع كنيسة صغيرة، تعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين، ذات أرضية فسيفسائية ملونة ومزخرفة بأشكال هندسية يتوسطها شارة الصليب، وتحمل الان اسم البابا يوحنا بولس الثاني تخليدا لذكرى زيارته ومباركته للموقع بتاريخ 20/3/2000.
وبالإضافة إلى المكتشفات الأثرية ووجود نهر الأردن، يولي القائمون على الموقع أهمية لما كتبه الرحالة عن
تغسل وجهها في النهر
الموقع، معتبرين ذلك دليلا ثالثا على أن مكان المغطس على الضفة الشرقية لنهر الأردن.
ولذا فانهم يشيرون إلى موقع يطلقون عليه (محطة الحجاج) مر بها الحجاج المسيحيون، الذي زاروا منطقة عماد السيد المسيح، ومنها إلى مواقع أخرى في منطقة مؤاب الأردنية.
ويشيرون أيضا إلى موقع (القديسة مريم المصرية) ذات العلاقة بأشهر الأساطير المرتبطة بالمغطس، وحسب القائمين على موقع المغطس فان القديسة مريم المصرية quot;عاشت حياة سيئة في الإسكندرية، ولكنها تركت ذاك النوع من الحياة المليئة بالخطيئة عند زيارتها للقدس، وأصبحت أنموذجا للتوبة، حين أخبرها صوت القديسة مريم العذراء بأن تعبر نهر الأردن لتلقى الراحة، فاستمعت إلى هذا النداء وقدمت إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وعاشت 47 سنة من عمرها متعبدة وصائمة تطلب التوبة والمغفرة، وقبل وفتها قابلها الراهب زوزيما من الدير المجاور واقام الصلاة معها، واستمع إليها وأعطاها المناولة المقدسة قبل أن يتوفاها الله، فدفنها الراهب زوزيما بمساعدة أسد حفر قبرها بمخالبهquot;.
والان توجد في الموقع كنيسة حديثة باسم يوحنا المعمدان تتبع طائفة الروم الأرثوذكس، تتميز بالرسوم الايقونية المتقنة، ويبقى أهم واقدم معلم في المكان نهر الأردن، الذي يهرع إليه الحجاج يغتسلون بمائه الأخضر الجاري، والذي يصب في البحر الميت، في طقس لا يعرف مدى بدأ او متى سينتهي.