يلجأون للسحرة حينما تكون الأحلام أكبر من الإمكانات
فضائيات السحر تجتاح العالم العربي

سكينة اصنيب من نواكشوط: تداوم فئات عريضة من الجمهور العربي على مشاهدة جلسات قراءة الكف والحظ في فضائيات تخصصت في السحر وروجت للوهم والدجل علانية على ثلاث قنوات، تدعي علم الغيب ومعرفة المستقبل والقدرة على إيجاد حلول ناجعة لكافة المشكلات. وفي موريتانيا التي يزداد اللجوء فيها إلى الشعوذة للتداوي من الأمراض العضوية والنفسية تعرف هذه الفضائيات اقبالا كبيرا وتسجل نسبة مشاهدة عالية مقارنة بالفضائيات الأخرى.

ويربط علماء الاجتماع انتشار ظاهرة مشاهدة قنوات السحر بانعدام الوعي وتجذر الفكر الخرافي في المجتمع الموريتاني الذي ما زال يؤمن بهذه الظاهرة كممارسة متبعة منذ آلاف السنين، ويقول محمد سالم (باحث اجتماعي) إن quot;ظاهرة اللجوء إلى السحرة والدجالين تعرف انتشارا لافتا في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة، في إشارة إلى اتساع تدهور مستوى التفكير الموضوعي والعلمي، في أوساط المجتمع، وانحداره إلى درجة الجهل والتشبث بالوهم والدجل، ولذلك ازداد عدد المشعوذين والدجالين، وصار أصحاب الشهادات والمناصب العليا وبعض المثقفين أيضا زبائن للمشعوذينquot;.

وأشار الى أن تأثير قنوات السحر أخطر من المشعوذين الذين يعملون بشكل فردي في السر خوفا من رجال الأمن وتقصدهم أعداد معينة من الناس، بينما quot;المذيعونquot; من السحرة يدخلون كل بيت ويشاهدهم الملايين ويستقبلون اتصالات من الزبناء بأضعاف مضاعفة من العدد الذي كانوا يحققونه في أوكارهم المظلمة.
وحذر الباحث من سيطرة هذا التوجه على فكر عدد كبير من شرائح المجتمع على اختلاف فئاتهم، وقال إن quot;الارتباط بالمعتقد الخرافي وسيطرة الهواجس والوساوس على الناس تحولهم الى عبيد لهؤلاء الدجالين فلا يجد بعدها المرء سبيلا إلا سلك هذه الطريق والبحث عن إجابة شافية لدائه في مجال الخرافات والشعوذةquot;.
ويرى الباحث أن quot;تدخل المشعوذين في الحياة الحميمية للناس كحل مشكلات العنوسة والعقم ونفور الزوج وعقوق الأطفال يزيد من خطورتهم على المجتمع، خاصة حينما تكون الأحلام أكبر من الإمكاناتquot;.

وأكد أن quot;ما يكرس خرافات المشعوذين والدجالين الأرضية الهشة المتمثلة في طغيان ثقافة الإيمان بمعتقدات بالية، نتيجة استفحال الجهل، ومظاهر التخلف، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا وأن المشعوذين يلعبون على المتناقضات وحالات الضعف النفسي لدى الأفراد، إضافة إلى غياب الدور التربوي للإعلام الذي يفترض فيه أن يقوم بدور فعال في تنبيه وتنوير المواطنين، لفضح ممارسات المشعوذين الاحتيالية، وغياب دور رجال الأمن في الكشف عن هؤلاء الأشخاص المنحرفين الذين لا يهمهم إلا تحقيق الربح الماديquot;.
وتقول عائشة (ربة بيت) إن quot;هذه القنوات تخصص أرقاما هاتفية وتدعو مشاهديها الى الاتصال لتجيبهم عن استفساراتهم فالدجالون الذين يعملون بها يدعون قدرة على قراءة الحظ والمستقبل، وشفاء الناس واسعادهم واغنائهم وهي كلها ادعاءات كاذبة تقوم على أساس استغلال مأساة الناس وحاجتهم وفقرهم وجهلهمquot;.
وأضافت أن quot;أغلب الذين يدمنون على مشاهدة هذه القنوات يعانون مشاكل اجتماعية معينة كالفشل في الحياة الزوجية وعدم الانجاب والعنوسة فيهربون من مواجهتها والبحث لها عن حل بالاتصال بدجالي هذه القنوات الذين يبتزون أموالهم بالاتصالات التليفونية الباهظة الثمن للمشاركة في برامج القناةquot;.


وتبدأ الوصفة كما تقول عائشة بأن يفصح المتصل عن اسمه واسم والدته أو زوجته وبعد أن يخطط الشيخ بعض الكلمات على ورقة يبدأ بسرد تفاصيل مشكل هذا المتصل والحلول التي يقترحها عليه أو العلاج الذي يصفه له وهي في الغالب طلاسم وحجاب يأمر الساحر المتصل بوضعها في فراشه أو في فراش من استشار الساحر بخصوصه وينهي الساحر حديثه مؤكدا للمتصل أن جميع الأبواب سوف تفتح له ولن يغلق في وجهه أي باب.
وتؤكد عائشة خطورة هذه الظاهرة قائلة : quot;هؤلاء السحرة لا يكتفون بتقديم وصفات بل يُعلمون الناس كيفية عمل السحر والطلاسم وكيفية كتابتها، وأصبحت النسوة يتبادلن وصفات السحر بينهن للتفريق بين الآباء والأبناء وبين الأزواجquot;.

ويقول محمد العلوي إنه quot;من الواجب أن نقوم بحملة إعلامية مكثفة على قنوات السحر والشعوذة ونواجه انتشارها وندعو إلى عدم الاتصال بها أو الإعلان فيها، ونبين خطورتها على الناس، ونحذر المجتمع منها، ونفند أكاذيبها، فمن خلال هذه الخطوات نستطيع تقليص تأثيرها ونحد من خطورتهاquot;.
ويصف العلوي هذه القنوات بأنها quot;فضائيات شيطانية تستهدف العقول وتوقع الناس في الأوهام وفي الشرك بالله من خلال ادعاء الدجالين والنصابين الذين يعملون بها أنهم خبراء في السحرة وقراء الكف والنجوم والأبراج والحظ، وهذا كذب وافتراءquot;.

ويشير العلوي الى أن quot;جمهور هذه القنوات في تزايد مستمر مما يحتم علينا مواجهة هذا الانتشار السرطاني والوقوف في وجه الكفر الأكبر الذي يدخل الى بيوتنا من خلال القنوات الفضائيةquot;. وأكد أن هذه القنوات ستعرف انتشارا كبيرا إذا لم نقف بوجهها لأن تكلفتها بسيطة وأرباحها من الاتصالات كبيرة.
ودعا شركات الاتصالات التي تخصص أرقاما لهذه القنوات من كل الدول العربية تقريبا الى قطع صلتها بهذه الفضائيات، وطالب وزارات الاتصالات في الدول العربية بحجب الأرقام الدولية المخصصة لهذه القنوات ومنعها من البث عن القمرين عرب سات والنايل سات، ودعا الشركات ورجال الأعمال الى سحب الاعلانات التجارية من هذه القنوات لأنهم باعلانهم فيها سيساهمون في نشر الكفر والفساد في العالم العربي.


وأكد الشيخ محمد سالم (عالم دين) حرمة مشاهدة هذه القنوات والاتصال بها والإنفاق فيها، لضررها الكبير على العقول والنفوس وثبات العقيدة، ويقول quot;هذه القنوات ضالة ومضلة لا خير في مشاهدتها وكل ما تقدمه كذب وتضليل فعلم الأجل والأرزاق علم استأثر به المولى عز وجل، كما أن مشاهدتها تضعف إيمان المسلم فعن الرسول صلى الله عليه وسلم (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وفي رواية أخرى (من أتى كاهنا أو عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما)quot;.


وطالب الشيخ محمد الناس بالابتعاد عن هذه القنوات ومثيلاتها التي لا تقدم الخير والصلاح للفرد والمجتمع، quot;بل هي تنشر الشر والفساد وتدعو إلى الرذيلة، لذلك فعلى المسلم أن يختار ما يناسبه من القنوات والابتعاد عن تلك التي تنشر السحر وتدعو إلى تعلمه، ومن يريد الفرج والذرية والتوفيق في الحياة فليلجأ إلى اللهquot;.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 16 نيسان 2007