منبرج ايفلإلى تاج محل للأهرام
الصينيون يأكلون الضفادع ويتحدّون العالم في التقليد

محمد الخامري من صنعاء: كنت وحتى عهد قريب أعتقد أن الحديث عن مأكولات الصينيين يدخل في إطار النكت والمزاح عندما يقال إنهم يأكلون الفئران والثعابين والضفادع وغيرهم إلى أن رأيت بنفسي وتقززت بمشاعري واقشعر بدني حين شاهدت أحدهم يتلذذ بـ quot;قزقزةquot; أرجل الضفدعة المشوية بالزيت ويتلذذ بها كما لو كان يأكل جمبري أو كابوريا quot;أبو مقصquot; أو ما يسمى بالسرطان البحري.


اقترح عليّ عددٌ من الزملاء أن اكتب عن رحلتي الأخيرة التي شملت كل من الصين وماليزيا واندونيسيا في إطار أدب الرحلات الخفيف الذي سبق وكتبت به عن رحلتي إلى عاصمة الضباب لندن عندما رافقت الرئيس علي عبدالله صالح إلى مؤتمر المانحين منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 الماضي فوجدتها فرصةلعرض ما لمسته فيتلك البلاد الغريبة التي تقطع يوميًا آلاف الأميال في مجال النهوض التنموي والاقتصادي مقارنة بنا كدول عربية.

مطار كوالالمبور زنك
وصلنا إلى كوالالمبور في تمام الساعة الثامنة والنصف بتوقيته والثالثة والنصف بتوقيت صنعاء، والطريف أن أحد الركاب الذي معنا فوجئ بضخامة مطار كوالالمبور فتنهد وقال: quot;ما حلا إلا وفيه quot;آحquot; فقلت له كيف قال: quot;أبصر هذا المطار كله زنك... لكن مطار صنعاء حجر وقيصquot; مع الإشارة إلى الجودة بيده التي كدت أن اكسرها له من الغيظ، إذ كيف له أن يقارن ذلك المطار المكون من 5 طوابق مجهزة بأحدث الاليكترونيات والقطارات الناقلة من البوابات إلى كونتوار ختم الجوازات والأمتعة الشخصية والمصاعد الفخمة جدًا... في مطار صنعاء!

جوانزو... جنوب الصين
رافقني مضيفي وهو زميل لنا الىمطعم عبدالله الإسلامي المعروف

مراسل ايلاف في احد المطاعم الاسلامية الصينية
كثيرًا في هذه المدينة بإعتباره أول مطعم إسلامي قبل أن يزاحمه العرب واليمنيون تحديدًا في فتح مطاعم يمنية إسلامية كمطعم سبأ والسدة ومارو وحضرموت والهنا وسيئون والسندباد وغيرها من المطاعم العربية، ويتفرد هذا المطعم في تقديم بعض الأكلات الصينية quot;الحلالquot; على مائدة الغداء وهي المأكولات التي لم أجدها في بقية المطاعم العربية واليمنية المتخصصة في السلتة والفحسة واللحم الكثير الذي ضحك علينا الصينيون على اعتبار أن غالبيتهم إن لم يكونوا جميعهم نباتيين باستثناء وصلة صغيرة من لحم الخنزير quot;النتنquot; التي لا تعتبر لحماً!!.
مطعم عبدالله الإسلامي يتميز كغالبية المطاعم الإسلامية بالنساء المسلمات اللائي يعملن فيها، حيث وجه صيني طفولي جميل لفتاة رائعة تفتح الباب وتقول quot;السلام عليكمquot; بلكنة غريبة فيها من التكلف ما لله به عليم.. رددنا التحية بأحسن منها وجلسنا أنا وصاحبي إلى إحدى الطاولات الأنيقة وتناولنا طعام الغداء الذي تميز كما سبق بأصناف صينية حُرمت منها فيما بعد بسبب سفر صاحبي إلى بلاده وعدم إجادتي للغة الصينية وعدم معرفتي بأسمائها فكان لزامًا عليّ المداومة عند مطاعم الخبرة حيث تسمع عبارة quot;باشره ياليدquot; بنبرتها المميزة والصوت اليمني المجلجل الذي يصعق الأذن على اعتبار انه نشاز في بلاد يسودها الهدوء وميزتها العمل بصمت، وفجأة يخرج لك صوت رقيق quot;هل تريد سلته أو ملقةquot; وهو صوت فتاة محجبة quot;شعار المسلمينquot; وتقصد مرقة وهي تجيد التحدث بالعربية في أسماء المأكولات فقط ولا تعرف غيرها كأنها مبرمجة كعادة الصينيين.

الضفدع الشهي وليمة الصينيين
أكثر شيء يلفت النظر بالنسبة إلى الشعب الصيني هو أكلهم الذي يحتوي على كل ما يطير ويسبح ويمشي على الأرض دون التقزز من شئ، إذ كنت والى عهد قريب اعتقد أن الحديث عن أن الصينيين يأكلون الثعابين والضفادع والفئران والقطط نوع من المبالغة في وصفهم إلى أن تأكدت بنفسي ورأيت بأم عيني أنهم فعلاً يأكلون هذه الأشياء، وأكثر منها أيضًا. اذ يعتبر الضفدع السمين من أفضل ولائمهم فتجد أن غالبية مطاعمهم تعمل أحواضًا وصناديق للحيوانات الحية أمامها quot;كما في الصورةquot; وبالتالي يقوم الزبون باختيار النوع الذي يفضله منها بعد تفقده وتحسسه وكأنه يختار خروفًا أو دجاجة أو سمكة، ثم يطلب كيفية طباخته ويقدم له بالهناء والغثاء!!

وجدت صينيًا يتفقد الثعابين ويتحسس اجسادهم كما لو كان يبحث عن لحمة ضائعة، وبعد أن اخرج له نادل المطعم عددًا منها، إختار أسمنها وكان غاليًا إذ قيل له انه 200 يوان أي بما يعادل 5300 تقريبًا إلا أنه وافق على الفور وطلب كيفية طباخته وراح يعبث بجلده ويداعب الطباخ الذي سلخه في الشارع امام المارة وكانه ينتظر وليمة بعد حبس أربعة أشهر quot;أجارنا الله وإياكمquot;.
يعتبرون أرجل الدجاج التي نرميها نحن من ألذ أجزاء الدجاجة اذ لها عدة طرق في الطبخ فمنهم من يفضلها مشوية ومنهم مسلوقة على مرقة ومنهم من يفضلها على الفحم كالكباب، أما الضفادع فحدث ولا حرج في ذلك.

المواصلات... دراجة أفضل من التاكسي
السيكل او الدراجية الهوائية الوسيلة الأولى للتنقل في الصين بحسب ما قيل لنا إلا أنني فوجئت بأن الصينيين،

مراسل ايلاف قرب عدد من الدراجات الهوائية

يمتلكون أفخم السيارات وأغلاها، إذ تجد سيارات البورش والهمر الأميركية والجاكوار ومختلف السيارات اليابانية التي طغت على الشوارع الصينية ولا تكاد ترى من السيارات الصينية إلا القليل جدًا مقارنة بغيرها.
وحتى لا نظلم السيكل فإنه يبقى هو الحل الأول لزحمة المواصلات، على الرغم من أني لم اركبه إلا انه المفضل لدى جميع الصينيين، بل وهناك من يتعامل معه كتاكسي ولا تستغرب عندما ترى شابة أنيقة جميلة تخرج من عملها لتنادي الـ quot;موتوسيكلquot; ليأخذها إلى وجهتها الثانية سواء المنزل أو غيره.


المواصلات الصينية مريحة كما بدا لنا في أكثر من 10 مدن ومقاطعات صينية بوساطة الباص بإعتباره أسرع من القطار، إذ إن رحلة القطار من جوانزوا إلى إيوو قرب شنغهاي تأخذ 24 ساعة بينما في الباص 17 ساعة فقط وباصات الصين مريحة جدًا لسبب بسيط ، أنها ليست كراسي بل أسرة. فبمجرد أن تركب الباص لا بد من أن تستلقي على سرير لتخلد إلى النوم أو ممارسة القراءة أو مشاهدة الأفلام التي يعرضها الباص quot;الحافلةquot;.

شعب مبرمج
أكثر ما لفت نظري في الشعب الصيني انه شعب مبرمج تلقائيًا وحياته مكررة كما لو كنت تعيد شريط كاسيت او سيديCD كمبيوتر، وإذا حاولت أن تدخل عليها أي شيء من خارج تلك البرمجة، فإنك بذلك ترتكب جرمًا في حق ذلك الصيني الهادئ حيث quot;يتلخبطquot; عنده quot; النظام السيستمquot; كامل وبذلك أنت محتاج إلى تهيئة quot;فرماتquot; كاملة له لإعادته إلى ما كان عليه في السابق.

شنزن.. 20 عامًا من البناء
شنزن التي تعد المدينة البكر في الصين، إذ إن عمرها لا يتجاوز العشرين عامًا فقط وهي مدينة كبيرة تتركز فيها بشكل أساسي صناعة الالكترونيات، وقد بنيت بناءً على توجيهات رئيس الانفتاح الذي زار هونج كونج قبل أن تعود إلى السيادة الصينية فانبهر بها كثيرًا، ثم عاد برًا وبعد خروجه منها بعدة كيلومترات وجد شنزن، وكانت عبارة عن أراض زراعية فقط فقال لا بد من أن نعمل هنا هونج كونج أخرى، وفعلاً بدأت فيها حركة البناء والتشييد إلى أن أصبحت تضاهي هونج كونج الآن وتشعرك بمزاحمتها من خلال المباني الضخمة والفنادق الجديدة.
مكثت في شنزن خمسة أيام وتحديدًا في فندق صغير اسمه فندق المسلم أو quot;مسلم بنجوانquot; كما يطلق عليه باللغة الصينية بانتظار المؤتمر الذي ذهبت من اجله والذي انعقد يومي 14 -15 نيسان (أبريل) فقط ولم يخرج برؤية واضحة لما تم الاجتماع من اجله بسبب مشاغبة دولة خليجية أغضبها أن يلمح مسؤولو المؤتمر بحصول اليمن على وسام الديمقراطية للعام 2006، فاستنفرت أسلحتها ضد الفكرة من أساسها. ولا أريد أن أسهب كثيرًا حول هذا الموضوع حتى لا افسد على القارئ متعة التجول في مدينة شنزن الجميلة والتمتع بأدب الرحلات غير المعكر بـquot;ساس ويسوسquot;.

إحذر.. عملة مزورة!!
أول ملاحظة تلفت نظرك في الصين هي تزوير العملة، إذ إن اغلب المطاعم والمحلات لديها آلات صغيرة لكشف النقود المزورة، ومن كثرة انتشار هذه النقود وتداولها بين المتعاملين بها، أصبح الأمر وكأنه لا يعنيهم. إذ إنه وعند حصول احدهم على عملة مزورة لا يكلف نفسه عناء الإبلاغ أو أي شيء من ذلك بل يكتفي بإعادة النقود إليك، طالبًا تغييرها لأنها مزورة بكل برود أعصابوهدوء، والدولار الأميركي يساوي 7.68 يوان صيني أو ما يسمى ريممبي.
الصينيون بطبيعتهم وديّون ومن كثرة الود الذي يبدونه للعربي أو الغريب بشكل عام، قال زميل عربي أنهم ممتهنون في بلادهم وخارجها وquot;هذا غير الحقيقةquot; لكن هذامن وجهة نظره.. تجدهم يبتسمون كثيرًا ويلقون التحية quot;نيخاوquot; او quot;نيهاوquot; عند بعضهم وتعني مرحبًا، تسمعها كثيرًا منهم سواء كنت الجالس أو الواقف، القادم أو المستقبل.

صيني.. نو اي سبك انجليش
ما يفتقده الصينيون كثيرًا هو اللغة الانكليزية التي لا يجيدها إلا 10% تقريبًا منهم واعتقد أنها اقل من هذه النسبة بكثير إذ إن 10% تعني 140 مليون تقريبًا إذا قلنا انه وصل تعدادهم إلى مليار و400 مليون شخص، وهذا متوسط إذ إن هناك من يقول أنهم بلغوا مليار و600 مليون نسمة.
في الصين عمومًا، لا تجد من يجيبك بالانكليزية إلا بعد شق الأنفس، كما أن لافتات الشوارع والمحلات والمرافق كلها باللغة الصينية وغير مترجمة إلى أي لغة أخرى باستثناء بعض الكلمات المستخدمة من قبل العرب المسلمين الذين يبحثون عن أكل حلال ككلمة quot;إسلاميquot; أو quot;حلالquot; فقط.
إضافة إلى جهل الصينيين اللغة الانكليزية أو أي لغة غير لغتهم فهم حتى اليوم شعب غير حضاري في العديد من سلوكياته، على الرغم من أنهم أصبحوا قبلة العالم في التجارة إلا أنهم ما زالوا يتمتعون بسلوكيات خاطئة ومقززة إلى حد كبير، إذ لا تستغرب أن تجد خمسة صينيين واقفين يتحدثون quot;مثلاًquot; فيقوم احدهم بالبصق على الأرض بينهم دون أي شعور بالخجل، كما أنهم يأكلون بطريقة مقرفة ولا يردعهم أن تنظر إليهم أو حتى تضحك من طريقة أكلهم وهم يصدرون أصواتًا أثناء الأكل ويتكلمون والأكل في أفواههم، يتكلمون بصوت عالٍ جدًا طوال الوقت ويتكلمون في الموبايل بطريقة مزعجة، لا يعتذرون إذا داسوا على قدمك أو دفعوك في الزحام أو في المترو.
في الصين لا يمكنك أن تجد شاي احمر ليبتون أو غيره، إذ لا يشرب الصينيين غير الشاي الأخضر من دون سكر، كما أنهم لا يأكلون الأجبان ولا يعرفونها كما انك لا تجد مفكًا quot;للتونةquot; ولا يمكنك أن تطلب ملعقة في المطعم ولابد أن quot;تتكعفquot; أكل الرز حبة حبة بالعيدان التي تعطى لك مع كل وجبة.

احذر الغشاشين.. أنت في تشاينا
هذه ملاحظة قالها لي حرفيًا صيني مسلم وجدته في مصلى quot;مسلم بينجوانquot; وهي quot;احذر الغشاشين.. أنت في تشايناquot; ما في إسلام.. ما في أخلاق.. مافي حب في الله.. مافي أي شيء يمكن أن يخاف منهquot;، وعلى هذا فقد أخذت درسًا كبيرًا واستفدت منه، إذ من الملاحظ في التعامل مع الشعب الصيني هي أن كل واحد منهم يريد أن يضحك عليك ويغشك بأي طريقة فلا دين ولا أخلاق يمكن أن تحجزه عن ذلك وكأنك غنيمة لا بد أن يغتنمك لمرة واحدة فقط، واغلب التجار يصيحون من أن البضاعة الأولى تأتي جيدة وإذا كررت الطلب فتأتي الثانية رديئة وهذه سياسة يتخذها أصحاب المصانع الصينية في جلب الزبون بحيث يعطيه بضاعة جيدة في البداية وبسعر معقول ولكنه يُعوّض هذا السعر في الصفقة الثانية التي لابد أن تكون رديئة حتى يعوض ما خسره معك في المرة السابقة لذلك انصح كل من يريد أن يتاجر من الصين أن يعمل بالمثل الذي يقول quot;انقر وطيرquot;.

الصينيون يُقلدون عجائب الدنيا
مدينة شنزن جميلة بشوارعها وناطحات السحاب والكباري المرتفعة وبعض النصب التذكارية في بعض الشوارع، إلا أنها تشتهر بحديقة عجائب الدنيا التي تمثل قدرة الصينيين على تقليد أي شيء في العالم بإتقان شديد، قل أن تجد له نظير شأنه شأن البضائع والماركات التي يمكن أن يقلدوها دون أي خوف أو خجل.
عند خروجك من محطة الميترو الذي ينقلك إلى تلك الحديقة تجد نفسك داخل قالب زجاجي ما إن تخرج منه حتى تتخيل نفسك في العاصمة الفرنسية باريس وتحديدًا أمام برج إيفل الشهير ولا يمكنك أن تجد فروقًا كثيرة بين البرج الذي أمامك وهو المقلد الصيني والبرج الحقيقي في باريس.


وعند التجول في الحديقة، تذهل من دقة التقليد في عجائب الدنيا الحقيقة المعروفة كأهرام مصر ومعابدها الأثرية القديمة، وقصر تاج محل الهندي ومعابد اليونان واليابان وبابل والهند وغيرها من المعابد والمعالم المهمة المقلدة لدول العالم من أميركا للبرازيل لمصر للعراق لإيطاليا وفرنسا واستراليا و فينيسيا وأفريقيا والهند وتايلاند وروسيا، ما عدا صنعاء القديمة لم أجدها وكنت ابحث عنها بالفعل حتى أني ركبت القطار المعلق الذي يلف بك أرجاء الحديقة لتطلع على معالمها كاملة من الأعلى واقترح على وزارتي السياحة والثقافة أن تتحركا في هذا الجانب لدى السفارة الصينية بصنعاء أو نظيرتيهما في الحكومة الصينية لإضافة ركن صنعاء القديمة في هذا الحديقة التي يزورها أكثر من 50 مليون شخص سنويًا، حسب ما قيل لي.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 7 حزيران 2007