ميرفت أبو جامع من غزة: تجلس أم صابرين على احد الأرصفة في جنوب قطاع غزة مفترشة على الأرض بضاعتها المكونة من أكياس من الحليب والحمص، التي حصلت عليه كمساعدة من مؤسسة اغاثية وتقوم ببيعها نظير بعض quot;الشواكلquot; لتستطيع تامين احتياجاتها غير المدرجة في قائمة المواد الغذائية التي تتلقاها من المؤسسات المساعدة.

ورغم أن المبلغ الذي تكسبه من البيع غير مجد ولا يتعدى quot;شواكلquot; محدودة، إلا أن أم صابرين تحقق هدفا آخر من وراء ذلك وهو رؤية المواطنين والشعور بعجلة الحياة تدور من حولها،بدل رتابة الحياة التي تشعر بها في بيتها الساكن سكون القبور وذو البيئة غير الصحية.

وتعيش أم صابرين برفقة والدتها الثمانينية في أحد مخيمات جنوب قطاع غزة وسط ظروف معيشية صعبة، ناهيك عن إصابتها بالغضروف ومشاكل صحية لا حصر لها على حد قولها.
وتشير أم صابرين في العقد الخامس من عمرها :quot; لم نستطع العيش في ظل ارتفاع الأسعار وتضيف :quot; قبل شهر اهتديت إلى بيع هذه المساعدات،فنحتاج إلى الغاز والخضروات والفواكه وهذه غير مدرجة فقائمة المساعدات،،لماذا لا نأكل مانشتهيه،كباقي الناس تتساءل بمرارة؟.

وتوضح الأرملة أم صابرين أن لا معيل لها ووالدتها كما لا احد يسأل عنهن أو يساعدهن لافتة أن المخصصات التي تاخدها من وكالة الغوث كل 3 شهور لا تكفي لسد حاجتهن وان هناك التزامات أخرى يحتاجها البيت لا تقوى بسبب ظروفها المتردية على توفيرها من الغاز و الخضروات.

حال أم صابرين يعكس تردي أوضاع الكثيرات من المسنات، فلم تكن في السوق وحدها بل تنتشر كثير منهن، ممن تسعفهن صحتهن إلى بيع خضروات وبقوليات والمساعدات في الأسواق من اجل تلبية احتياجاتهن من علاج وإعالة أسرهن.


ارقام واحصائيات
وتشكل فئة كبار السن أو المسنين نسبة ضئيلة من حجم السكان الفلسطينيين لما يمتاز به المجتمع الفلسطيني من انه فتي، و بلغت نسبة كبار السن في منتصف العام 2007 (الأفراد 60 سنة فأكثر) 4.3% من مجمل السكان، وترتفع نسبة المسنات الإناث عن المسنين الذكور فبلغت نسبة المسنين الذكور حوالي 3.7% مقابل 4.9% للإناث،. ويعود الإحصاء الفلسطيني ذلك لأسباب بيولوجية وصحية، حيث يزيد العمر المتوقع للبقاء على قيد الحياة للإناث مقابل الذكور في معظم دول العالم.

وتعد نسبة كبيرات السن المصابات بأحد الأمراض المزمنة quot; ضغط،سكري...quot; أعلى بشكل واضح من نسبة الإصابة بين كبار السن من الذكور، حيث بلغت نسبتهم 56.5% مقابل 72.5% للمسنات.

وتشير الإحصائيات ان أكثر من نصف المسنين يعيشون في فقر وهذه النسبة ترتفع في قطاع غزة لتصل نسبة 75.9 % في حين نسبتها في الضفة بلغت39.5%، وتزداد نسبة الفقر في الأسر التي ترأسها امرأة مسنة عن الأسرة التي يرأسها الذكور المسنين.


بيع المساعدات مصدر دخل
وتجد كثيرات من المسنات في بيع المساعدات فرصة لتوفير دخل إلى بيوتهن من ناحية وللالتقاء بأخريات لتبادل هموم الحياة والشكوى والهروب من أجواء بيوتهن الساكنة إلى ضجيج الأسواق وصخب الباعة.


وتعزو أم العبد السبعينية التي تتربع على باب العيادة التابعة لوكالة الغوث جنوب قطاع غزة أمام بسطة من الحليب والزيت والبقوليات المعروضة للبيع، توجه المواطنين لبيع المساعدات إلى حاجتهم إلى النقود لشراء الخضار أو الدواء أو مصروف لطلاب الجامعات والمدارس، لافتة أن كثير من النساء اللواتي يحصلن على المساعدات لا يملكن ثمن مواصلاتهن فيبعن جزء منها لتأمين مواصلات عودتهن للبيت،
وتشير أم العبد أن ظروف الحياة تغيرت وأصبحت أكثر غلاء في ظل ازدياد متطلباتها لافتة أن لها أربعة بنات في الجامعات ويحتجنا كل يوم مواصلات ومصاريف تبيع منذ سنتين المساعدات بعد شرائها من المواطنين لتأمين لهن ذلك.
مخصصات الضمان الاجتماعي لا تكفي
و على مسافة قريبة تحجب الحاجة فاطمة 66 عاما أشعة الشمس العمودية على رأسها ببنطال لأحد أصحاب البسطات،و كلما تحاول التخفي من أشعة الشمس تلاحقها وتقول :quot; الحاجة والضائقة التي أعيشها وإخوتي التي دفعتني لتحمل كل هذه الظروف القاسية رغم مرضي، وحاجتي للراحة في مثل هذا العمر.


وتؤكد فاطمة أن 170 شيكل quot; أي ما يعادل 60 دولاراquot; ما تأخذه من الشؤون الاجتماعية من مساعدات لاتكفي لسد احتياجاتهن ويعيشن على الكفاف.لافتة أنها حاولت استثمار هذا المبلغ بشراء المساعدات من المواطنين، كي تبيعها وتكسب بعض شواقل تجلب بها الخضروات واحتياجات البيت.
فاطمة هي المسئولة عن أختين في العشرينات من عمرهما بعد وفاة والديها، ويعشن ظروفا صعبة، دفعت بفاطمة إلى الشارع كي تبيع المساعدات رغم تقدم عمرها، مشيرة انه ليس أمامها سوى هذه الوسيلة للعيش،
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع في قطاع غزة بشكل جنوني فان مصيرا مجهولا ومأساويا ينتظر هؤلاء المسنات، خاصة أن تقدم بهن العمر وأصبحن لا يقدرن على الحركة لبيع وإعالة أسرهن.