عراقيون يتحدثون عن التدخل الإيراني في العراق
غسان الياسري من بغداد: في الوقت الذي يتهم فيه بعض السياسيين العراقيين إيران بأنها المسيطر الحقيقي على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في العراق وأن الحكومة العراقية تعمل على تنفيذ الأجندة الإيرانية، يرى آخرون أن الحديث عن التدخل الإيراني يدخل في باب إرضاء الجانب الأميركي والحصول على بعض المكاسب السياسية.
ويعود الحديث عن تدخل إيران في العراق إلى زمن نظام الرئيس السابق صدام حسين الذي دخل معها في حرب لثماني سنوات 1980-1988 وكان يتهمها بدعم الأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق والعمل على إسقاط نظامه.
إلا أن سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأميركية في نيسان عام 2003 جعل الحديث عن التدخل الإيراني في الشأن العراقي يتطور إلى الحد الذي اتهم فيه بعض السياسيين العراقيين إيران بأنها المسيطر الحقيقي على الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في العراق وأن الحكومة العراقية تعمل فقط على تنفيذ الأجندة الإيرانية على اعتبار أن هذه الحكومة تتكون من جميع الأحزاب الشيعية التي كانت تدعمها إيران إبان حكم نظام صدام حسين.
النفوذ الإيراني يسحب البساط من تحت النفوذ الأميركي
ويرى النائب عن القائمة العراقية في البرلمان العراقي أسامة النجيفي أن quot;الهيمنة الإيرانية أصبحت كبيرة جدا خلال السنوات الخمس الماضية التي تلت سقوط نظام صدام حسين عام 2003، يتمثل بنفوذها الكبير على بعض الأحزاب والشخصيات السياسية الموجودة حاليا في الحكومة العراقيةquot;.
ويقول النجيفي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;النفوذ الإيراني موجود في المؤسسات الأمنية العراقية من خلال بعض الميليشيات التابعة لبعض الأحزاب التي تم دمجها في الأجهزة الأمنية العراقية خلال السنوات الماضية، فضلا عن تدريبها لعناصر ميليشيات أخرى لغرض القيام بعمليات مسلحة ضد القوات الأميركيةquot;.
ويشير النجيفي إلى أن quot;النفوذ الإيراني في العراق أصبح أكبر من النفوذ الأميركي في العراق وبدأ سحب البساط من تحت الجانب الأميركي الذي يتواجد بقواته على الأراضي العراقية، ما جعله يدعو إلى إجراء مفاوضات مع الجانب الإيراني لغرضإرضاء طهران وتقديم بعض الوعود لها إن تعاونت مع الجانب الأميركي في القضية العراقيةquot;.
ويؤكد النجيفي أن quot;العمليات العسكرية الأخيرة التي جرت في محافظات البصرة وميسان ومدينة الصدر وعدد من مدن العراق خلال الأشهر الماضية كشفت عن وجود مخابئ كبيرة للأسلحة أظهرتها وسائل الإعلام كانت كلها من صنع إيراني حسبما ما أعلن بعض المسؤولين الأمنيين، إلا أن ما حصل بعد ذلك من تراجع عن هذه التصريحات يؤكد وجود النفوذ الكبير لإيران على الحكومة العراقية وهيمنتها على بعض الشخصيات الحكوميةquot; حسب تعبيره.
ويلفت النجيفي إلى أن quot;السلطات العراقية تغاضت عن الأدلة التي تشير إلى تورط إيران في الشأن العراقي، ولو كانت دولة غير إيران تتدخل في الشأن العراقي لأدينت وطرد سفيرها من العراقquot;، ويضيف أن quot;ما حصل مع إيران كان العكس تماما إذ زاد عدد زيارات المسؤولين العراقيين إلى طهران وارتفع معدل التجارة بين البلدين إلى مليارات الدولاراتquot;.
إيران.. العلاقات معها ضرورية
يقول رئيس منظمة بدر التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى والنائب عن قائمة الائتلاف الموحد هادي العامري إن الحديث عن التدخل الإيراني في العراق بشكل مستمر من قبل بعض الشخصيات السياسية quot;يأتي في سياق إرضاء الجانب الأميركي والحصول على بعض المكاسب السياسيةquot;.
ويضيف العامري في حديث لـ quot;نيوزماتيكquot; أن quot;اتهام الأحزاب الشيعية بالشعوبية وإنها تابعة لإيران هو احد مخلفات نظام صدام حسين التي كان يرددها باستمرار، فضلا عن كونه شماعة للعديد من السياسيين الذين يحاولون تحميل جميع مشاكل العراق لجارته الشرقيةquot;.
ويؤكد العامري أن quot;الحكومة العراقية حريصة على إقامة أفضل العلاقات مع إيران لأنها اكبر جارة للعراق وأقوى دولة الآن في المنطقة، ولهذا فإن علاقات جيدة معها تمثل ضرورة للعراقquot;.
ويشير العامري إلى أن quot;لجوء بعض الشخصيات السياسية العراقية إلى إيران أثناء حكم نظام صدام حسين كان لظروف استثنائية، تتمثل بملاحقة هذا النظام لها، فضلا عن عدم سماح جميع الدول العربية لهذه الشخصيات بالدخول لأراضيها في ذلك الوقتquot;.
ويلفت العامري إلى أن quot;العديد من ثوار العالم ذهبوا إلى بلدان مجاورة لبلدانهم ولكن لم يتهمهم احد بالعمالة لهذه الدولة، فالديغوليون في فرنسا الذين يعتبرون بناة فرنسا الحالية ذهبوا في فترة من الزمن أثناء الحرب العالمية الثانية إلى انكلترا فهل هذا يعني أنهم تابعون لها؟quot;.
إيران مسؤولة عن تفجيرات رمضان
ويتهم عضو مجلس النواب العراقي عن جبهة التوافق طه اللهيبي إيران بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة التي حصلت في العاصمة العراقية بغداد خلال شهر رمضان وغيرها من المدن العراقية من خلال بعض الميليشيات التي تدعمها.
ويضيف اللهيبي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;إيران قامت في الآونة الأخيرة بإرسال فرق موت إلى الأراضي العراقية للقيام بأعمال إرهابية تهدف إلى عرقلة العملية السياسية، فضلا عن التأثير في نتائج انتخابات مجالس المحافظات لصالح مكون من مكونات الشعب العراقيquot;.
ويؤكد اللهيبي أن quot;التدخل الإيراني في العراق كبير جدا بحيث من الصعوبة التغاضي عنه، حيث إنه منتشر في جميع دوائر الدولة العراقية السياسية والأمنية والاقتصاديةquot;.
ويشير اللهيبي إلى أن quot;التحسن الأمني الحالي يأتي بسبب إيقاف إيران وبالاتفاق مع بعض الأحزاب السياسية الموالية لها لعمل الميليشيات المسؤولة عن أعمال القتل والاختطافquot; لكنه يرجح عودة هذه الأحزاب quot;إلى تنشيط عمل هذه الميليشيات إذا تعرضت مصالحها لأي ضربات من قبل الجانب الأميركي أو الحكومة العراقيةquot;.
إيران نجحت في زعزعة التواجد الأميركي في العراق
لكن النائب عن قائمة الائتلاف الموحد جابر حبيب جابر يؤكد أن التدخل الإيراني في الشأن العراقي quot;انخفض إلى حد كبير خصوصا بعد تعاون إيران مع الحكومة العراقية في ملاحقة بعض الجماعات المسلحة، كما حصل في العمليات العسكرية في عدد من المدن العراقية خلال الأشهر الماضيةquot;.
ويوضح جابر في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;إيران تدخلت لدى بعض حلفائها الذين كانوا ينتهجون منهجا مسلحا ضد الحكومة العراقية والقوات الأميركية لإقناعهم بالتوقف عن هذه الأعمال والتوجه نحو العمل السلمي والتعاون مع الحكومة العراقيةquot;.
ويرى جابر أن quot;الهدف من التدخل الإيراني كان لزعزعة التواجد الأميركي في العراقquot;، ويضيف quot;لقد نجحت إيران في هذا الأمر، ولهذا فإنها بدأت إيقاف تدخلها بشكل ملحوظ في الشأن العراقيquot;.
ويستبعد جابر أي دور لإيران في التفجيرات الأخيرة التي حصلت في العاصمة العراقية بغداد، ويشير إلى أن quot;هذه التفجيرات تحمل بصمات تنظيم القاعدة، خصوصا الهجمات الانتحارية الأخيرة في منطقتي بغداد الجديدة والزعفرانية والتي تهدف القاعدة من ورائها إلى تحريك ورقة النزاع الطائفي من جديد في العراقquot;.
الأدلة على التدخل الإيراني في العراق ضبابية ويلفها الغموض
من جهته يرى المحلل السياسي العراقي نجاح العطية أن quot;قضية التدخل الإيراني في الشأن العراقي ضبابية ويلفها الغموض وتفتقد إلى الأدلة الواضحةquot;.
ويشير العطية في حديث لـ quot;نيوزماتيكquot; إلى أن quot;الجانب الأميركي يسوق اتهاماته لإيران بالتدخل في الشأن العراقي بوجود أدلة لديه، لكنه في الحقيقة لم يعرض لحد الآن أي أدلة ملموسة على هذا التدخل تحدد شكله وطبيعتهquot;.
ويوضح العطية أن quot;واشنطن لم تعرض لحد الآن أي أدلة تدين إيران في العراق وتقنع المجتمع الدولي بأن كلامها عن تدخل إيران هو ليس بسبب الخلافات السابقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية حول العديد من القضايا في المنطقةquot;.
ويؤكد العطية أن quot;على الجانب الأميركي بصفته المسؤول عن الأمن في العراق عرض أدلته التي تشير إلى تورط إيران في العراق بشكل علني لإقناع الرأي العام العراقي والعالمي بوجود مثل هذا التدخلquot;.
ويلفت العطية إلى أن quot;إظهار أدلة تورط إيران سيتيح الفرصة أمام الحكومة العراقية والمجتمع الدولي للضغط على إيران بشكل سلمي ومن خلال وسائل عدة لإيقاف هذا التدخل وإيقاف الإرباك الحالي في العملية السياسية، بسبب الاتهامات المتبادلة بين طهران وواشنطن بشأن الجهة المسؤولة عن أعمال العنف في العراقquot;.
وكان القائد العام لقوات التحالف السابق في العراق الجنرال ديفيد بترايوس قال في وقت سابق إن العراق يرتبط بعلاقات تجارية وثقافية كبيرة مع إيران ويستورد الكثير من البضائع، والوقود وحتى الكهرباء من جارته الشرقيةquot;.
وأشار بترايوس في مؤتمر صحافي عقده في بغداد قبيل تركه منصبه، حضرته quot;نيوزماتيكquot; إلى أن quot;العراق حصل على وعود من القادة الإيرانيين بإيقاف أي نشاط له تأثيرات سلبية وضارة على شعب العراق وحكومتهquot;.
واتهمت القوات الأميركية في مناسبات عديدة إيران بالتدخل بالشأن العراقي ومحاولة تقويض الوضع الأمني في العراق من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة لتنفيذ هجمات ضد القوات الأميركية والعراقية والمؤسسات المدنية في العراق، وعرضت صورا لأسلحة إيرانية الصنع عثر عليها في مناطق عديدة من العراق.
وكانت جبهة الحوار الوطني بزعامة التائب صالح المطلك من أكثر القوى التي تحركت ضد التدخل الإيراني، فقد أعلنت من محافظة البصرة في شهر أيلول الماضي عن حملة جماهيرية لمقاطعة المنتجات الإيرانية، وقالت حينها إن quot;الحملة هي رسالة إلى الحكومة الإيرانية، مفادها أن سكان البصرة ما عادوا يتحملون المزيد من التدخلات الإيرانية في شؤونهم السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لأنها بلغت مرحلة يتصور فيها القادم إلى البصرة من خارج حدود الوطن، بأنه في محافظة إيرانيةquot;.
التعليقات