على مدى أيام رمضان الماضي، تابع المشاهد العربي مسلسل باب الحارة الذي أخرجه المخرج السوري بسام الملا.
وإن كنا قد تابعنا هذا المخرج بكل اهتمام في مسلسله أيام شامية الذي كتب السيناريو له الكاتب أكرم شريم، فإننا تابعنا الجزء الأول من مسلسل باب الحارة باهتمام أيضاً. لأن المخرج جعلنا نطل تراثياً واجتماعياً وسياسياً، وإنسانياً على بيئة لا نعرف عن خفاياها الكثير.
لكن مسلسل باب الحارة الذي استطاع أن يجذب جمهوراً لا يستهان به على مساحة الوطن العربي، جاء في جزئه الثالث على غير ما يرغب المشاهد العربي منه، رغم استمرارية جمهوره العريض.


والسؤال هنا: هل يمكننا اعتبار متابعة عملاً درامياً من قبل جمهور واسع، معياراً لنجاح هذا العمل؟
قطعاً، وبعيداً عن ضرورة الاحتمالات في اللغة النقدية أقول: لا.
فمسلسل باب الحارة قد وقع في النمطية، ولم يستطع أن يخرج عن الجزأين الأول والثاني في شيء، بل إن المسلسل لم يقدم جديداً في إطار حلقاته، أو إضافة للشخصيات التي تجسده، ما خلا الدخول في تفاصيل حياة أبو حاتم صاحب المقهى، وزواج العقيد أبو شعاب من ابنة أبو حاتم.


فلو توقفنا عند شخصية معتز على سبيل المثال، لوجدنا أن هذه الشخصية بقيت على حالها دون تقديم جديد فيها، كذلك هو الحال بالنسبة لشخصية فريال وابنتها لطفية، وباقي شخصيات العمل الدرامي، مروراً بأبي جودت رئيس المخفر المرتشي، وليس انتهاء بشخصية أبو غالب الذي لا نعرف في الجزء الثالث لماذا استمر في شروره اتجاه حارة الضبع، على الرغم من إنقاذ حياته على يد أبو عصام في الجزء الثاني وندمه على ما كان يقترف من شرور.
ولئن كان هناك شخصيات جديدة في المسلسل، فإن هذه الشخصيات لم تشكل فرقاً، أو تضيف بعداً درامياً للعمل. فعلى سبيل المثال: شخصية أندريه سكاف الجاسوس للفرنسيين، لم تقدم جديداً للعمل، بل لعل التشويق الذي أحاط بشخصية الأعمى الجاسوس في الجزء الأول كان أكثر جملياً ودرامياً.
فنحن بقينا طيلة حلقات المسلسل نتابع تفاصيل حارة دمشقية شبيهة بتلك التي كانت في مسلسل أيام شامية لنفس المخرج، ولو اختلفت بعض الأحداث قليلاً.
ولعل كل من الكاتب والمخرج أرادا استثمار نجاح الجزء الأول والثاني نسبياً فقدموا الجزء الثالث، ووعدوا بتقديم جزء رابع وربما خامس.
والسؤال الذي يمكن أن نطرحه على كل من المخرج والكاتب: هل عرفتم ما آل إليه الجزء الخامس من ليالي الحلمية، على الرغم من قدرة الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، أو ما آل إليه حال الأجزاء التالية للجزء الأول من مسلسل حمام القيشاني؟
إن الأداء المتميز للفنان سامر المصري، والفنانة صباح جزائري، والفنانة وفاء موصللي، لا يشفع لعمل درامي، لم يستطع أن يخرج عن جزئيه السابقين في شيء، ولعل فنانين كهؤلاء لا يستطيعون حمل عمل درامي وقع كل من كاتبه ومخرجه رهينة العمل التجاري، واستثمار نجاح لا يتعدى شعبوية العمل، عبر شخصياته الشعبية.
أما إذا أردنا التوقف عند الصورة، أو المشهدية البصرية، فلا جديد، ولم يستطع المخرج بسام الملا أن يقدم خصوصية له، فالصورة هي شبيهة بتلك التي قد نشاهدها في مسلسلات أخرى تتناول نفس البيئة.
ولا أتجنى إذا ما قلت أن مشهدية بصرية في أيام شامية، أو أهل الراية المسلسل الذي نال نصيباً أوفر من النجاح، أو بيت جدي، قد تشابهت.
ولعل البعد السياسي الذي أضافه الكاتب للعمل، ولا أقصد هنا تلك المتعلقة بمقاومة الاحتلال الفرنسي، بل تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كانت أشبه بكولاج نافر عن العمل. وكأن بالثوار في فلسطين هم رهن بما تقدمه حارة الضبع من معونة في العتاد في إطار إضرام الثورة.
ولعل رصد واقع المرأة في تلك المرحلة، وأقصد هنا المرأة الشامية لأن العمل يدور في حارة دمشقية، فيه الكثير من التجني، فنحن نرصد في التاريخ السوري دورأ للمرأة يختلف في جوانب كثيرة عن تلك التي قدمت في باب الحارة، فهناك نساء كان لهن دور بعيد عن الثرثرة المجانية واختلاق المشاكل كما هو الحال في زوجة بدر، أو فريال التي لا هم لها سوى كيد سعاد ونساء الحارة. ولو تطرق الكاتب إلى نماذج أخرى من تلك النساء اللواتي كان لهن دور سياسي، ودور في الثورة ضد الفرنسيين، لكان أكثر إنصافاً.
كما أن صورة المرأة في العمل في أجزائه الثلاثة كانت متشابهة، مخلا فروق قليلة بين امرأة وأخرى، فكل النساء مستلبات وخاضعات للرجل، ويمثلن صورة امرأة أكثر من تقليدية. بل لعل إنصاف المرأة الشامية يكون حين يظهر حقيقة أنها هي صاحبة القرار، حتى لو كان إعلان هذا القرار أو الموقف من الرجل.
أخيراً يمكننا القول أن باب الحارة هو مسلسل وقع في فخ النمطية، ولم يقدم جديداً في جزئه الثالث، بل لعل الجزء الثالث قد شكل عبئاً على الجزأين الأول والثاني، ولئن كان أحد أبعاد الدراما البزنس إضافة إلى المتعة والفائدة، فإن باب الحارة لم يتعد البزنس في جزئه الأخير.