رغم تحذير المراقبة الصّحيّة من خطورتها
التّونسيّون يقبلون على محلاّت الوجبات الخفيفة


إسماعيل دبارة من تونس: يدفع الشاب منير عبيدي 19 سنة (تلميذ) يوميّا ما مقداره دينارا و ثلاثمائة مليم نظير quot;السندويتشquot; اليوميّ الذي يشتريه من بائعة المفضّل 'نضال' بمنطقة quot;باب الجزيرةquot; الشعبية وسط العاصمة تونس.
يلتفت البائع 'نضال' إلى الحريف الموالي، يجد في انتظاره التلميذ منير الذي يبادله برفع حاجبيه دون أن يهمس بأيّ حرف لأنه متعوّد على الإقبال يوميّا إلى هذا المحلّ،لينطلق بائع الأكلة الخفيفة في إعداد quot;الساندويتشquot; المعروف محليّا باسم quot;الملاويquot;.
يقول التلميذ منير لإيلاف:quot;أمرّ يوميا بعد انتهاء الدروس لشراء quot;الملاويquot; من عند صديقي و بائع الحيّ الشهير نضال، وعلى الرغم من أنّ والدتي تراقبني باستمرار و لا تريديني أن أتردّد على هؤلاء الباعة لأسباب مختلفة، إلا أنّني لا أقدر على مقاومة رغبتي الشديدة في شراء هذا السندويتش اللذيذquot;.
منير لم يسمع قطّ بالتحذيرات التي يطلقها مسؤولو المراقبة الصحة و أخصائيّو التغذية في تونس إلاّ عن طريق والدته التي quot;تهوّل من كلّ شيءquot; على حدّ تعبيره، فهو يتناول باستمرار quot;الملاويquot; الشعبية و لم يحصل أن أصيب بأيّ مكروه كما حذّروه من ذلك.
الصعوبة التي تحدّث عنها التلميذ منير في مقاومة رغبته في التردّد على محلات الأكلة الخفيفة التونسيّة، بدت سمة غالبة في المجتمع التونسي اليوم، إذ يقبل النساء كما الرجال،و الشباب خصوصا، على أكل الفاست فوود الذي يعدّه باعة منهم المتجوّل ومنهم القارّ في ظروف صحيّة تحذر منها باستمرار الجهات المعنية في البلاد.


ينتهي عمل السيّدة نجلاء رحومة عند الساعة الخامسة مساء من كلّ يوم، تمرّ على المدرسة التي يرتادها ابنها فهمي، و تنطلق بسيارتها عائدة إلى محلّ سكناها لإعداد وجبة العشاء للعائلة الصغيرة.
لكنها تعرّج في الطريق على أحد الباعة و تشتري quot;سندويتشاquot; للصبيّ على الرغم من أنها تسرع لإعداد وجبة العشاء في الإبان.

تقول لإيلاف:quot;أعرف أنه يضرّ به كثيرا، فلا هو صحيّ و لا يمكن أن يحوي ذات القيمة الغذائية التي نجدها في الأغذية التي نطهيها بأنفسنا، لكن ما العمل؟، لا يمكنني أن أترك ابني يتضوّر جوعا حتى التاسعة ليلا موعد العشاءquot;.
باعة الأكلات الخفيفة في تونس هم المستفيد الأكبر من عصر السرعة الذي يجعل من ربّة البيت عاجزة عن طهي وجبتي الغداء و العشاء في المنزل، إما بسبب العمل أو لأسباب أخرى تختلف من زوجة إلى أخرى.
وعلى الرغم من أنّ الصيف الماضي حمل أخبارا محزنة إلى العائلات التونسيّة خصوصا في جهتي المرسى و بنزرت بعد رصد حالات تسمّم غذائي خطيرة أدت إلى وفاة بعض المتضررين و معاناة العشرات الآخرين في شهري يونيو و يوليو الماضيين، فإنّ العادات الغذائية الاستهلاكية لم تتغيّر إلى حدّ اليوم.
فالحشود الغفيرة التي تنتظر دورها أمام كلّ بائع quot;فاست فوودquot; بالعاصمة تدلّ على أنّ التحذيرات التي تطلقها إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بخصوص التسمّمات الغذائية الجماعية لم تجد لها آذانا صاغية بعدُ.


و يرى مختصّون أنّ التطور الحاصل في مجالي الصناعات الغذائية والمطاعم دفعت بالمستهلك إلى تناول الطعام خارج المنزل والإقبال على محلات الأكلة الخفيفة اختصارا للوقت و المسافة التي يتطلبها الرجوع إلى المنزل.
و تحذر الجهات المختصة باستمرار من أنّ إعداد الأطعمة والأكلات الخفيفة التي لا تستجيب في غالب الأحيان إلى شروط حفظ الصحة من حيث الخزن والتبريد والإعداد يمكن أن يتسبب في حدوث حالات تسمم غذائي قد تؤدّي إلى الوفاة في بعض الحالات.
وتكثّف فرق المراقبة الصحيّة من دورياتها على امتداد السنة مسنودة بحملات إعلامية و تحسيسية عبر وسائط مختلفة أملا في التقليل من شدّة الإقبال على محلات الأكلة الخفيفة التي لا تخضع للشروط الصحية و التي أغلق منها العشرات في السابق بعد وُرود عدد من الشكاوى بخصوصها.
و يرى الدكتور عبد الجبّار فرحات المختصّ في التغذية إنّ التسمّم الغذائي هو حالة مرضية تصيب الفرد نتيجة تناوله طعاما يحتوى على جراثيم، أو سموم تفرزها بعض الجراثيم.
و اعتبر فرحات إنّ حوادث التسمّم الغذائي الجماعية التي تطالعنا بها الصحف في عديد الأحيان quot;تحدث بصفة مفاجئة خلال فترة زمنية قصيرة بين أشخاص اشتركوا في تناول طعام واحدquot;.

اما أعراض التسمم الغذائي فتتمثّل في غثيان شديد وقيئ ومغص وإسهال وفي بعض الأحيان ارتفاع في درجة الحرارة.
و يتابع الدكتور فرحاتquot; المواد الغذائية سريعة التعفن والأكلات التي تستهلك طازجة كالتي تباع في شوارعنا عبر العربات الجوّالة أو في المحلات الضيّقة و المتسّخة تحتلّ المرتبة الأولى ضمن الأكلات التي تتسبب في حالات التسمّم.
فالبيض و مستحضراته والخضر ومشتقات اللحوم والمرطبات الحاملة لمستحضرات البيض والحليب هي مواد تحتاج إلى رعاية وطرق تحضير خاصة للغاية و لا يمكن لمن هبّ ودبّ بيعها لأبنائنا بهذا الشكل الذي لا يخضع لضوابط أو معاييرquot;.
و يُعتبر إعداد الأكلات بصفة مبكرة و بقائها لفترة طويلة تفصل بين الإعداد والبيع ومن ثمة الاستهلاك سببا في فساد تلك الأغذية و إمكانية إفرازها لجراثيم تسبب التسمّم.
و ينصح الدكتور عبد الجبار فرحات بالتأكّد من جودة المحلّ الذي نشتري منه الغذاء و المواد المعروضة و نظافة البائع و مدى ملائمته للشروط الصحية المتعارف عليها.
ويقول:quot;بالنسبة لي الأمر لا يتعدّى في الأصل كونه مسألة ثقافية، وثقافة استهلاك quot;الفاست فوودquot; ربحا للوقت أثبتت خطرها على الصحّة، وجب على ربات البيت تعويد أزواجهنّ و أبنائهنّ الأكل في البيت وممّا يطهينه بأياديهنّ حفاظا على سلامة الجميع، و اعتقد أنّ التضورّ جوعا لساعة أو ساعتين قبل العودة إلى البيت، أفضل بكثير من تعريض حياتنا للخطر عبر التردّد على باعة و محلات لا تتوفّر فيهم أبسط شروط النظافة quot;.


*صور: إسماعيل دبارة