درعا: تعد مدينة درعا من المدن التاريخية المهمة وتمتاز بموقعها المهم على وادي الزيدي أحد روافد اليرموك وشهدت ازدهاراً كبيراً خلال عصور البرونز الوسيط والحديث 2000-1200 قبل الميلاد وكانت تسمى أذرعي حسب العهد القديم حيث أسفر التنقيب عن الكشف عن مدفن جماعي يعود إلى العصر البرونزي الحديث عثر فيه على حوالي 300 آنية فخارية وبرونزية وحجرية تؤكد حضور المدينة خلال عصور البرونز.

وعاشت مدينة درعا فترة الازدهار الكبيرة قبل وخلال العصور الرومانية حيث أصبحت بعد دخول الجيوش الرومانية إلى المنطقة إحدى المدن العشر الديكابوليس التي أقيمت فيها المنشآت الضخمة في مختلف أرجائها0

وقال المهندس حسين مشهداوي رئيس دائرة آثار درعا إن الدائرة عثرت حتى الآن في المدينة على منشآت هامة منها المدرج الروماني والحمامات الرومانية والمعبد المكتشف حديثاً والشارع الرئيسي والمقاطع مشيراً إلى أن أهم ما يميز المدينة عن المدن المعاصرة وجود مدينة تحت الأرض لها ممرات وغرف ومداخل تم الكشف عنها ورسمها وإنشاء مخططات تفصيلية لها خلال زيارة الألماني شوماخر من خلال كتابه المنشور عام 1886.

وأضاف أن مدرج /مسرح/ مدينة درعا يعتبر من المسارح متوسطة الحجم بالمقارنة مع المسارح المكتشفة والباقية في منطقة بلاد الشام والتي بنيت خلال العصر الروماني حيث يبلغ القطر الكلي للمسرح حوالي 43 متراً ويبلغ قطر ساحة الأوركسترا حوالي 23 متراً لافتاً إلى أن المدرج يتألف من 13 صفاً من أدراج المتفرجين التي تتسع لحوالي ثلاثة آلاف متفرج.

وأوضح مشهداوي أن المسرح يتألف من عدة أقسام منها ما طرأت عليه بعض الترميمات كالكواليس وواجهة المنصة ومنها ما بقي على حالته الأصلية لصعوبة الترميم الذي تتطلب إعادة بنائه من جديد مثل مقاعد المتفرجين الكافيا.

وأضاف أن مقاعد المتفرجين الكافيا كانت مبنية في الأصل من الحجر البازلتي على أرضية من الصخر الكلسي الأبيض المنحوت بشكل مدرج كما هو واضح الآن مبيناً أنه لم يبق من المقاعد الآن سوى جزء صغير في الجهة الغربية حيث يصعب الترميم في هذا القسم كونه سيفقد صفته الأثرية بسبب فقدان معظم الحجارة الأصلية.


وأشار رئيس دائرة آثار درعا إلى أن ساحة الأوركسترا مكتملة تقريباً الا أن هناك نقصاً في بعض الأماكن على الأطراف موضحاً أن ساحة الأوركسترا مبنية من الحجر الكلسي الأبيض حيث تأخذ شكل نصف دائرة وبقطر حوالي 22 متراً يتم الدخول إليها عبر المدخلين الرئيسيين في الجهتين الغربية والشرقية وأيضاً يتم من خلالها الصعود إلى المنصة وصعود المتفرجين إلى المدرجات.

وأضاف أن طول المنصة يبلغ 30 متراً وعرضها حوالي ستة أمتار يتم الوصول إليها من جميع الجهات وبشكل رئيسي عن طريق مدخلين كبيرين متفرعين عن المدخلين الرئيسيين في الجهتين الغربية والشرقية وأيضاً عن طريق ساحة الأوركسترا والكواليس من خلال ثلاثة أبواب مبيناً أن الدائرة أجرت بعض الترميم لواجهة المنصة حيث تم نسخ الديكور المتبقي بشكل نصف دائري ومضلع وإعادة بناء الأجزاء الناقصة من جديد بواسطة حجر البازلت.

وكانت المنصة في الأصل مغطاة بحجر البازلت وهي الآن دون هذه التغطية وتظهر من خلالها ممرات ضيقة قد تكون معدة لحمل أرضية المنصة والتي ترتفع إلى حوالي متر واحد تقريباً بالنسبة للأوركسترا أو ممرات الملقنين أثناء إقامة الحفلات المسرحية والفنية وهي الآن بعض أنقاض الحجارة المتناثرة وإجراء تغطية مناسبة.

وبين مشهداوي أن طول الكواليس يبلغ 30 متراً وعرضها حوالي ثلاثة أمتار حيث كانت أساسات الجدران واضحة عند بدء الأعمال في المدرج مشيراً إلى أن الدائرة قامت بإعادة بناء تلك الجدران إلى ارتفاع 5ر2 متر تقريباً وتبليط الأرضية خلال أعمال الترميم التي أجريت.

وأوضح أن المدخل الرئيسي الشرقي يؤدي إلى المسرح مباشرة من خلال قاعة الأوركسترا وله تفرع يؤدي إلى المنصة وهو على شكل حرف (ال) ويبلغ عرضه حوالي خمسة أمتار ويبلغ طول الضلع الطويل حوالي 15 متراً والقصير حوالي 11 متراً تقريباً لافتاً إلى أن الدائرة أعادت رصف أرضية هذا المدخل خلال أعمال الترميم الماضية حيث كانت البيوت متوضعة على هذا المدخل وفي داخله ما أدى إلى حدوث بعض التغييرات على شكل المبنى من إزالة أو إضافة كما هو ظاهر الآن.

وأكد رئيس دائرة درعا أن الشارع الروماني المقاطع يمتد باتجاه شرق غرب كما هي العادة في تخطيط المدن في العصر الروماني حيث كان هناك شارعان رئيسيان يقطعان المدينة شرق غرب ويسمى بالمقاطع وآخر شمال جنوب ويسمى بالطويل وتوجد على جانبي الشارعين المنشآت العامة كما هو الحال في المسرح مبيناً عدم ظهور هذا الشارع عند بدء الأعمال بسبب وجود بعض المنازل المتوضعة فوقه حيث توضح بشكل أكبر بعد إزالتها مشيراً إلى أن طول الشارع الآن حوالي 100 متر وعرضه حوالي خمسة أمتار تقريباً ويوجد على جانبيه رصيف بعرض ثلاثة أمتار تقريباً.

والشارع مجهز بقناتين على جانبيه لتصريف مياه الأمطار لكن هناك نقصاً كبيراً في بعض المناطق ويوجد الكثير من أنقاض الحجارة التي يمكن تعزيلها وإزالتها بالإضافة إلى استمرار كشف الجزء المتبقي منه في الجهة الشرقية.

وتم الكشف عن الشارع الطويل الواقع شرق المنطقة الأثرية الحالية تحت الشارع الإسفلتي الحديث أثناء إجراء ترميمات لواجهة الجامع العمري ويتوقع وجود المصلبة عند تقاطع الشارعين الحديثين أي عند الزاوية الشمالية الشرقية للمنطقة الأثرية الحالية.

وأضاف أن المعبد يقع إلى الشرق من المسرح وهو بأبعاد 14 ضرب 17 متراً تظهر منه الآن الواجهة الداخلية وربما تكون الغرفة المقدسة قدس الأقداس وتظهر أيضاً المحاريب الداخلية لوضع تماثيل الآلهة أو الأشياء النذرية أثناء إقامة الطقوس الدينية.

كما تظهر أيضاً الواجهة الخلفية بشكلها الأساسي دون إضافات مشوهة وتشاهد الأرضية المبلطة بحجر البازلت في مساحة صغيرة وأهم ما يميز المعبد هو وجود ملحق قبو تم الوصول إليه بصعوبة بسبب وجود الأنقاض من تراب وحجارة حيث تحمله أعمدة ذات طراز دوري وكورنثي ويحوي غرفاً صغيرة تفصل بينها ممرات ويمتد على مساحة المعبد العلوي.

أما بالنسبة لتاريخ المعبد فيبدو أنه ربما يكون معاصرا للمسرح خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديين أو في فترة قريبة له.

وأشار مشهداوي إلى أن الدائرة عثرت أثناء عمليات التنقيب خلال موسم 1994 على بقايا كنيسة مجاورة للمعبد وملاصقة له من الجهة الجنوبية مبيناً أن نتائج التنقيب أشارت إلى أن الكنيسة تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين حيث طرأت عليها إضافات وما يدل على الكنيسة وجود بقايا في الجهة الشرقية.

وأضاف أن التنقيبات الأثرية التي أجريت منذ عام 1991 حتى عام 1999 تركزت في الجهة الشرقية من المنطقة الأثرية من قبل ورشة التنقيب التابعة لدائرة آثار درعا بالإضافة لتنقيبات أخرى جرت في أمكنة أخرى تقع في الجهة الغربية غرب المسرح وفي الشارع الروماني أسفرت عن معلومات غاية في الأهمية عن العصور التاريخية التي شهدتها مدينة درعا منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام مضت.

فقد كشفت التنقيبات عن مدفن جماعي في الجهة الغربية من المسرح سلط الضوء على أقدم استيطان تم في مدينة درعا ليكون دليلاً كافياً على صحة المعلومات التاريخية التي أتت على ذكر مدينة درعا خلال الألف الثاني قبل الميلاد.

أما بالنسبة للحفريات التي أجريت في الجهة الغربية فقد أعطت فكرة وافية عن السويات الأثرية الكلاسيكية التي مرت على مدينة درعا والتي وجد من خلالها سوية تعود إلى العصر الروماني وهي الفترة التي بني خلالها المسرح وربما المعبد بدلالة العثور على جدار ضخم يقع في أقصى الشرق من المنطقة الأثرية قد يكون على أحد جانبي الشارع الطويل على شكل حرف (ال) أبعاده 30 ضرب 40 متراً وبسماكة 5ر1 متر تقريباً.

وتم العثور أيضاً على سويات أخرى تعود إلى العصر البيزنطي وأكبر دليل على ذلك هو اكتشاف الكنيسة التي تؤرخ ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين.

ووجدت سويات أثرية تعود إلى الفترات الأموية والمملوكية والأيوبية والعثمانية.

وأثبتت التنقيبات الأثرية أن الاستيطان البشري مازال مستمراً في مدينة درعا منذ ما يقارب الألفي عام وحتى الآن أي منذ العصر الروماني وحتى يومنا هذا.

وتتميز مدينة درعا بغناها بالآثار الرومانية والإسلامية والممتلكات الثقافية والمباني التاريخية والذكريات الروحية التي تعد شاهداً على أن هذه المنطقة كانت موطن الحضارة الأولى منذ أقدم العصور التاريخية.

وتقع مدينة درعا جنوب سورية وتبعد عن العاصمة دمشق حوالي 100 كيلومتر وتتمتع بمناخ متوسطي ممطر شتاء وحار صيفاً تلطفه الرياح الغربية المشبعة بالرطوبة وتبلغ كمية الأمطار حوالي 263 مم وتغطي أرضها تربة بركانية خصبة.