نعمة خالد من دمشق: في اليوم الأخير من عيد الفطر، استيقظت الحارة التي أسكن فيها على هرج ومرج، وقوات أمن تملأ الحي، الفضول دفعني للنزول، وتقصي أسباب الهرج والمرج هذه. سألت أقرب شاب إلي: ما الحكاية؟ أجاب جريمة قتل.

استهجنت الموضوع، فأنا لم أسمع شجاراً تصل حدة عنفه إلى حد القتل، ثم أن المغدور هو طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة، والقاتل لا يكبره بكثير، لذا هنا علي استبعاد أن تكون الجريمة هي جريمة شرف.
اقتربت أكثر من مكان الجريمة الذي كانت الشرطة قد سورته، فوقفت حي سمح لي، وراحت أسئلتي تنهال على طفل هو رفيق لكل من المغدور والقاتل، لألفي أيضاً أن كلاً من القاتل والمقتول هم أبناء عمومة، وأن جريمة القتل لم تتعد اللعب، ومحاولة تمثيل أدوار في مسلسل تحولت شخوصها إلى أبطال شعبية يتقمصها الأطفال، فالقاتل هو أبو شهاب العقيد، الذي لا يشق لخنجره الذي راح يباع في العيد تحت مسمى خنجر أبو شهاب كأحد ألعاب العيد، كما هو حال عصا معتز التي تحولت إلى لعبة تباع إلى جانب خنجر أبو شهاب.
على كل حال: كما أسلفت وقلت أن الجريمة لم يكن قد خطط لها، بل هي نتاج محاولة مجموعة من المراهقين تمثيل أدوار شخصيات باب الحارة، وكان أن خسر القاتل ابن عمه. وأن خسرت العائلة طفلاً، ربما حلم أهله أن يكون له شأن حين يكبر.

هذه الحادثة التي عرفت فيما بعد تفاصيلها من أهل المغدور، فأنا أعرفهم، دفعتني لإجراء تحقيق خاص بإيلاف، حول أثر الدراما السورية في الشارع السوري.
يسرى أم لأطفال ثلاثة وتعمل موظفة في مكتب للكمبيوتر: سألتها إن كانت قد تابعت الدراما السورية في رمضان: أجابت:
ليس كلها: تابعت أهل الراية، وليس سراباً، وباب الحارة
سألت: ما رأيك بتأثير هذه المسلسلات على الشارع السوري وخاصة المراهقين منهم:
قالت: مسلسل ليس سراباً هو مسلسل يفتح العقل على الواقع، ويحاول أن يبين خطورة الانقسام الطائفي، وأثره على السلام الاجتماعي، بينما أهل الراية، فإنه مسلسل، وقع في نمطية العلاقة ما بين زوجة الأب، وابنة الزوج، وإن كنت قد شدني العمل وأبكاني في بعض مشاهده نتيجة الظلم الذي وقع على ابنة الزوج. التي أنصفها الله أخيرا، الله الذي لا يرضى بالظلم، وعاقب منى واصف الداية بقرصة حية أدت إلى موتها، منى واصف التي حين اقترب الموت منها ارادت أن تبرىء ذمتها فاعترفت لوالد الابنة التي وئدت وأنقذتها سمر سامي من قبرها، أمام كبار الحارة.
هذا الكسلسل، اعتقد أن أثره سيكون إيجابياً على المجتمع، وسيقول لكل ظالم: أن الظلم نهايته وخيمة، وهو يدعو إلى التراحم الذي أمرنا به الإسلام.
أما باب الحارة، فقد كنت أنتظره، لأنه أمتعني، لكن واقع الحال في الشارع، وخاصة بين المراهقين والأطفال هناك من يتقمص هذه الشخصيات، وابني الوحيد، بالقوة أخذت منه عصا معتز التي اشتراها من ساحة العيد.

وفي الشارع، وأينما سرت، ستجدين أن البعض ينادي الآخر: عقيد أبو شهاب، معتز، حتى أبو عصام الذي غاب عن الجزء الثالث هناك من يتقمص شخصيته.
وحيد مدرس رياضة، سألناه إن تابع الدراما السورية في رمضان: أجاب: تابعت بعضها: مثل ليس سراباً، وباب الحارة، إضافة إلى أعمال مصرية
وحين وجهت له سؤال أثر هكذا دراما على الشارع السوري قال:
هناك دراما أضافت للدراما السورية، وتستحق أن تشاهد، فمسلسل بيت جدي، استطاع أن يبين لنا جوانب اجتماعية وإنسانية واقتصادية عن البيئة الشامية، مثل باب الحارة في جزئه الأول، كذلك مسلسل ليس سراباً، الذي ناقش الراهن في إطار الخلافات المذهبية التي علينا كعرب ومسلمين أن ننبذها. أما باب الحارة، فأنا لم أجد فيه جديد، لكني كنت أتابعه تحت وطأة أولادي الذين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر
سألته لماذا؟
أجاب هناك شخصيات استطاعت أن تتحول إلى شخصيات شعبية مثل العقيد أبو شهاب، ومعتز، حتى شخصية أبو بدر تحولت إلى شخصية للتندر، فنحن ننعت كل رجل ضعيف أمام امرأته: بأبي بدر، كما هو الحال في شخصية أبو جندل من زمان.

وحين سألته عن تأثير هذه الدراما على الشارع السوري قال:
عناك مسلسلات كان لها أثراً إيجابياً على الشارع، مثل مسلسل ليس سراباً كما أسلفت، لكن هناك بعض المسلسلات التي أثرت سلباً خاصة على الأطفال والمراهقين، وفي ظل غياب وعي جمعي يستطيع أن يضع هكذا أعمال في إطار يحولها إلى قراءة أخرى، سنجد أن التأثير السلبي هو الغالب. فشخصية العقيد تحولت إلى حلم لكل مراهق وطفل، كذلك شخصية معتز، ولا أبالغ إذا قلت أن شخصية الإدعشري التي جسدها بسام كوسا في الجزء الأول ما زالت حاضرة بين الأطفال والمراهقين.

إذاً على القيمين على الدراما السورية، أن يدرسوا الأبعاد الاجتماعية والنفسية لما يقدمون.
أم أحمد امراة تجاوزت الستين من عمرها سألتها إن كانت قد تابعت الدراما السورية فأجابت: لأ أنا شفت مسلسلات سورية. شفت مسلسل والله نسيت اسمه، بس يا ويلها من الله هالخالة مرة الأب كيف حطت بعرض البنية، وضحكت هي والداية بعقل الزلمة، حتى دفنهاللمسكينة حية، لكن الله كبير، وبعثلها مين يخلصها من الظلم، وهاي الداية إن شاء الله مفكرة إنه إذا حكت إنه البنت مظلومة رح ترتاح، صحيح الله غفور رحيم، لكن والله لتظل تقلب بنار جهنم لأبد اللآبدين.
تقصدين أهل الراية ياحجة.

يمكن. وفي مسلسل ثاني، يمكن اسمه باب الحارة، أي نعم باب الحارة، تنادي حفيدتها: أسما يا أسما: شو اسم مسلسل أبو عصام؟ تجيب الحفيدة باب الحارة. هذا المسلسل عجبني، صحيح النسوان فيه بارحات، وبتمنى الله يحكمني بفريال خرابة البيوت، لكن الشهادة لله إنه حلو. وعم بشوف دعاية محارم اسمها باب الحارة، قلت لأولادي لايشترولي غير منها. بس هالوليدات اللي صار كل واحد منهم بدو يصير أبو شهاب، ولا معتز، والله يا بنتي هالشي ما هو عاجبني، لأنه صار من ورا هالشي مشالكل. حتى ولاد ابني بتمشكلوا من ورا مين رح يكون أبو شهاب، ومين معتز، وإذا واحد سموه باسم الجاسوس، قامت الدنيا.

لكان يا بنتي: كله بدو يصير عقدا.
هذه تماذج مختلفة، استضافتها إيلاف، لتأخذ رأيها في أثر الدراما السورية على الشارع السوري. وكلها أجمعت على الأثر الخطير الذي تركه مسلسل باب الحارة على الشارع، ولعل البزنس الذي كنت قد وصفت به المسلسل في قراءة سابقة: قد تجلى كما وأشار التحقيق: في خنجر أبو شهاب الذي صنع بعضه من البلاستيك، وبعضه قد حول خنجراً عادياً غلأى خنجر أبو شهاب وتزنر به، كما هو الحال في عصا معتز، التي أينما سرت في العيد ستجد لأأن عدد من الأطفال يضربون بها على أيديهم كما كان يفعل معتز.

وهنا أتفق مع الأستاذ وحيد وأقول: على الدراما قبل أن تصور أن تخضع لتحليل نفسي من قبل مختصين ليروا أبعادها وتأثيرها على الشارع السوري والعربي. ومن يظن أن الهدف من الدراما هو المتعة فقط، فهو مخطىء، فالدراما هي أحد المؤثرين في المسار السياسي والإنساني والاجتماعي، ولها دور كبير في صنع المقولات والمواقف على كافة الصعد. فهل من متعظ من قتل شاب لم يتجاوز الرابعة عشرة من تأثيرات مسلسل درامي؟