ترميم المخطوطات بالامارات علمٌ وفن وإبداع (2)
الترميم الآلي والتدعيم الحراري
مروة كريدية: عالم العناية بالاوعية الورقية يخفى عن كثير من الناس، وقد يجهل الباحث والقارئ الجالس في مكتبة عامّة، ان آلية الحفاظ على وعاء ورقي
ويعدّ نظام الترميم الآلي من الأعمال المهمة جداً، التي يجب أن تتوافر في كل المكتبات الكبيرة المعنية بالحفاظ على اوعيتها الثقافية، وكنّا قد تناولنا في الجزء الاول من التحقيق المرحلة الاولى من العملية التي تبدأ بالتعقيم لطرد الامراض والبكتيريا إضافة الى معالجة الاوراق من يبوستها منعا لها من التفتت.
وسنتابع في هذا الجزء جولتنا في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، الذي ينفرد بتصنيع اجهزة خاصة بترميم المخطوطات والعناية بها وهي تنفذ بالكامل داخل الاتحاد الاماراتي، حيث قدم المركز نظاما آليا للترميم بدأ العمل به منذ عام 1996 واعتمدته منظمة الإيسيسكو كاملا في عمليات ترميم المخطوطات للدول العربية والإسلامية، ووضعته ضمن برامجها لحفظ التراث وصيانته، وقد أهديَ هذا الجهاز مع كل مستلزماته من مواد معززة بالتدريب الى عدد كبير من المراكز العربية والإسلامية، منها مركز الملك فيصل في الرياض و جامعة أم القرى في مكة المكرمة، و دار الكتب الوطنية في القاهرة و مكتبة الإسكندرية و مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، ومؤسسة إحياء التراث في القدس، وغيرها الكثير من المكتبات وخزائن المخطوطات العامة مما يضيق المقام لذكرها في هذا التحقيق.
الترميم الآلي انتشر في السبعينيات في الدول الاوروبية ومركز جمعة الماجد أطلق البديل للدول العربية
بشرى دخوج من قسم الترميم في المركز شرحت لنا استخدامات جهاز الترميم الآلي :quot;نستخدم هذا النوع من الترميم في مجال المطبوعات بشكل واسع وفي مجال المخطوطات بشكل أضيق، و بخاصة المخطوطات ذات الأحبار الثابتة مع الماء، حيث يعتمد هذا النوع على استخدام جهاز خاص يعمل آليا و مزود بشبكة توضع عليها الأوراق المراد ترميمها، حيث تسكب فوقها الألياف السللوزية المحضرة، ومخلوطة بالماء، ثم يتم شفط الماء وترسيب الألياف السيللوزية فوق سطح الورق المصاب فيتجمع في أماكن التلف والنقص، وتكون كمية العجينة المستخدمة متناسبة طرديًا مع شدة الاهتراءات الموجودة في الورقة آخذين بعين الاهتمام لون الورقة وسماكتها، ثمّ تأتي بعد ذلك عملية التجفيف تحت المكبس لنحصل على النتيجة النهائية.quot;
حول تاريخية هذا النظام نجد ان الترميم الآلي من العلوم الحديثة في عصرنا الحالي، حيث بدأ في الظهور مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وقد تطور هذا النظام من بداية السبعينات من القرن الماضي إلى اليوم تطوراً كبيراً، حتّى وصل إلى ما هو عليه من دقة وإتقان وسرعة وبخاصة في الحالات التي يكون فيها المخطوط شديد الاهتراء إلى درجة يكاد ترميمها بالطرق التقليدية المعروفة مستحيلاً.
بسام داغستاني رئيس قسم الترميم والمشرف على تصنيع الاجهزة وعملها يقول:quot;ان هذا النظام انتشر في البلاد الغربية وتعذر انتشاره في البلاد العربية والإسلامية لأسباب عديدة منها : القيمة المرتفعة لثمن الجهاز وغلاء ثمن الألياف السيللوزية النقية التي تستخدم في الجهاز،وعدم توافر الصيانة وقطع الغيار إلا من بلد المنشأ. علاوة على قلة الخبراء المختصين في هذا المجال. quot;
ويضيف :quot;ونظرا لتلك الأسباب، وللأهمية التي ذكرناها سابقا، كان لابد من إيجاد البديل المناسب، الذي يؤدي الغرض نفسه، ونستطيع نحن و كل من المراكز التي سبق ذكرها اقتناءه بسهولة ويسر، لذلك أخذ قسم الحفظ والمعالجة والترميم في المركز، وبتوجيه من مؤسسه السيد جمعة الماجد، على عاتقه تحقيق هذا الهدف لإيمانه المطلق في خدمة تراث هذه الأمة؛ ليخرج إلى النور سليما معافى، وليجد طريقه إلى أيدي الباحثين والدارسين لنشره والاستفادة منه، فكان أن استطعنا إنجاز هذا المشروع الرائد بكل ما يحتاج إليه محليا، وعلى أحسن صورة ممكنة، حيث قمنا بالأعمال الآتية : تصميم جهاز الماجد للترميم الآلي وتصنيعه،واستخراج الألياف السيللوزية النقية من خامات طبيعية.،وضع نظام حساب للكميات الخاص بالترميم الآلي وبصناعة الورق الخاص بالترميم اليدوي. quot;
وعن مميزات الجهاز أشار لنا quot;بأنه خالي عن التعقيد الميكانيكي وقطع الغيار متوافرة ولا يحتاج إلى خبير صيانة، إضافة الى ان نسبة أعطاله قليلة، وتكاد تكون معدومة. وهو سريع فوحدة العمل الواحدة تستغرق خمس دقائق. quot;
التدعيم الحراري يعيد متانة الاوراق المتهالكة.
انتقلنا فيما بعد للاطلاع على جهاز يعيد للورق متانته، وسؤالنا المبدئي تمحور حول العمر الافتراضي للورق، وعن سبب تهالكه، فأشار نضال قواف من سم المعالجة، بأن السبب الاساسي هو المواد التي يصنع منها الورق فإن كانت المواد طبيعية مثل خامات القطن والكتان فإن عمر الورقة يكون طويلا، اما ان كانت المواد المستخدمة تحمل شوائب ضارة فإن الورقة سرعان ما تتهالك.
فبعد انتشار الطباعة على نطاق واسع في العالم زاد الطلب على الورق بشكل هائل، ولم تعد مصانع الورق التقليدية، التي تستخدم خامات القطن والكتان قادرة على سد حاجة الطلب المتزايد لهذه المادة، لذلك لجأت المعامل إلى صناعة الورق من الأخشاب مباشرة، وبالطريقة الميكانيكية دون الاهتمام بما تحدثه من ضرر بالغ للورق بعد مدة من الزمن لوجود العديد من الشوائب المدمرة للورق، التي تتأكسد مع الضوء، وتتفاعل مع الحرارة والرطوبة، محدثة إصابات خطيرة في الورق مثل :تكسر الروابط بين الألياف وارتفاع نسبة الحموضة وتحول لون الورق إلى اللون القاتم.
كل هذه الإصابات مجتمعة تؤدي إلى هشاشة الورق وسهولة تفتته وتكسره، حيث لا ينفع معه أي علاج كيميائي أو طبيعي، لإعادة متانته ومرونته، لذلك لجأ العلماء إلى طريقة التدعيم الحراري. quot;
وعن هذه الآلية يقول داغستاني بان quot; التدعيم الحراري يهدف إلى تقوية نسيج الورق التالف وغير المتآكل أو المهترىء من خلال إضافة شرائح مصنوعة من ألياف مختلفة الأنواع (طبيعية وصناعية ) على وجهي الورقة باستخدام الضغط والحرارة بقيم ثابتة ومحددة.quot;
لمخطوطات لا تدعّم حراريًّا والأضمن ترميمها يدويا
على الرغم من النتائج الطيبة في تقوية الورق بهذه الطريقة إلا أن هذه الطريقة لا يزال استخدامها قاصرا على ورق الجرائد والدوريات والكتب بعيداً عن الوثائق والمخطوطات.
والسبب في ذلك بحسب داغستاني quot; كون أكثر المواد المستخدمة في التدعيم الحراري مواد صناعية حديثة الإنتاج وغير معروف مدى التغيرات الكيميائية التي يمكن أن تصيبها مع مرور الزمن، مما قد يسبب ضرراً للمخطوط أو الوثيقة مما يتحتم علينا التأكد من صحتها وسلامتها قبل الاستخدام. quot;
ويضيف quot;ولهذا تستخدم معظم مراكز المعالجة والترميم في العالم الطرق اليدوية التقليدية في علاج أوراق المخطوطات والوثائق ذات القيمة العالية و ترميمها، واستخدام التدعيم الحراري لورق المطبوعات.
التعليقات