جعلها الرومان (جمهورية الحصن القديم)


كامل الشيرازي من الجزائر: على مبعدة (430 كلم شرق الجزائر)، تتبدى لك أقواس وأعمدة المدينة الأثرية quot;تيديسquot; أو ما كانت تسمى في الماضي quot;قسنطينة القديمةquot;، وquot;تيديسquot; يعود تاريخها إلى ما قبل التاريخ، وأكدت حفريات قام بها علماء آثار، إنّ الرجل البدائي تواجد بهذه المنطقة قبل مليون سنة، كما جعلها الرومان الأوائل (جمهورية الحصن القديم)، لكنها اليوم باتت معزولة ويٌنظر إليها كذاكرة منسية برغم صنوف الاهمال والتناسي التي نالت من واجهاتها، لكنها لم تنل من وهجها وترميزاتها الصامدة في وجه الزمن.
في هذا التحقيق تسلط quot;إيلافquot; الضوء على quot;تيديسquot; غير المصنفة عالميا كتراث إنساني ينبغي حمايته من الزوال.
بانوراما أثرية

تختفي quot;تيديسquot; في جبل مهجور، وتمتاز بكثـرة الكهوف التي كان الأهالي يتعبدون بها، وعٌرفت بأسماء عديدة مثل : قسنطينة العتيقة، رأس الدار، ومدينة الحرفيين، لما عرفته من إنتاج مكثّف للخزف والفخار ذي اللون البرتقالي، أما الرومان فأعطوها اسم quot;كاستيلي روسبيبليكا quot; وهو المكان المحصن المتمتع بتنظيمات بلدية، إلى أن استقرت تسميتها عند quot;تيديسquot;(وهو اسم محلي نوميدي).
ويجمع خبراء، إنّه لا يمكن اختزال آثار تيديس في حضارة واحدة فحسب، إذ تعتبر بمثابة بانوراما أثرية لا مثيل لها، كونها شاملة لكل الحضارات التي تعاقبت على شمال افريقيا بداية من الليبية والبونيقية والرومانية والبزنطية ثم الإسلامية والحقبة العثمانية، ويتجلى عصر ما قبل التاريخ في مجموعة من القبور تسمى quot;دولماناتquot; ومعناهاquot; المناضد الصخريةquot;، وكذا مقبرة قديمة تقع على منحدر الجانب الشمالي وتجمع عدداً من المباني الأثرية الدائرية المتأثرة بطريقة الدفن الجماعي والتي تسمى quot;بازناسquot;، وتدل النصب والشواهد الموجودة على العصر البونيقي، فيما يتجلى الطابع الروماني في المناهج المتعلقة بنظام تخطيط المدن، ويكفي quot;تيديسquot; احتواءها على أصغر (كاردو)
-معناه:الشارع الرئيسي-، وأصغر ساحة (فوروم) في مجمل المواقع الأثرية الرومانية.
قرية أمازيغية من العهد النيوليتيكي
بحسب وثائق تاريخية، كانتquot;تيديسquot; قرية أمازيغية تتربع على 41 هكتارا، ونمت منذ العهد النيوليتيكي، لتتطور وسط ما كان يٌعرف بـ(الدولمانات)، وكان يطلق عليها اسم quot;كستلوم تيديتانورومquot; الذي يعني quot;البرج أو الحصن القديمquot;، تبعا لتموقعها كقلعة حصينة كانت تحمي إقليم quot;سيرتا العتيقةquot; من الهجمات الأجنبية، وما تزال شواهدها موجودة إلى اليوم.
وتجد بين أطلال تيديس، كتابات في العراء لأقوام تعاقبوا على هذا المكان، يعود بعضها ndash;استنادا إلى دراسات- إلى حقب بعيدة تمتد إلى آلاف السنين، وتجد وسط سهل تيديس الشاسع، كهوفا ومقابر، احتوت أيضا على كتابات ونصب فينيقية ونقود نوميدية ما تزال تشهد بدورها على معالم حضارة سبقت الحضارة الرومانية، رغم أنّ تيديس جرى تحويرها، استنادا إلى آراء مهندسين معماريين، حيث سعى الرومانيون إلى منحها نمطهم العمراني، وسموها quot;كاستلي ريبوبليكا تيديتانورومquot;- -castelli respublica tidditanorum أي (جمهورية الحصن القديم)، وهو ما تؤكده وثيقة أرشيفية متوفرة.
ويقول quot;نوار ساحليquot; الخبير الجزائري في التاريخ القديم لـquot;إيلافquot;، إنّ أولى الحفريات تمت العام 1941، بإدارة عالم الآثار الفرنسي quot;أندريه برتييquot; الذي كان مديرا لمتحف مرسيليا آنذاك، وسمحت الحفريات التي أجريت بقيادة باتي، في الفترة ما بين (1942/1970)، باكتشاف آثار وبقايا أثرية كانت مدفونة، وأثرت رصيد بعض المتاحف الفرنسية، إلى جانب متحف محافظة قسنطينة الذي يضم رواقا يسمى quot;الحياة اليومية في تيديسquot;.
وتشهد طلاليات quot;تيديسquot; على الحضارة الفينيقية التي أصبحت فيما بعد بونيقية، بحكم انصهار الفينيقيين مع سكان شمال إفريقيا الأصليين، بحكم روابط المصاهرة والاختلاط وممارستهم المقايضة مع سكان مدن ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وثمة شواهد تبيّن هذا الارتباط، في صورة جداريات وعينات من أواني فخارية وحلي وبعض المنتجات التي كان يتميز بها الفينيقيون، تبعا لاشتهارهم بالتجارة وعشقهم للمغامرات البحرية.