سوميني سينغوبتا من نيو دلهي: يقدّمون الصلوات. يضعون بعض المال جانباً للرشوة. لكنّ لياليهم مضطربة.
انه شتاء القلق بالنسبة إلى أهل الأطفال الصغار في الهند، لا سيّما هنا في العاصمة المزدهرة والمتزايدة النمو، حيث تصطدم المطالب الطموحة وعدد السكّان بالنقص في عدد المدارس المرغوبة.
في هذه السنة، يبدأ التسجيل في صفوف ما قبل الروضة في دلهي للأطفال ابتداءً من عمر الثلاث سنوات. ويغلب الظن أن المدرسة التي سيدخلونها اليوم ستحدّد مصيرهم التعليمي.
في هذا الإطار، أسرع رجل أعمال، كان قد قدّم طلبات تسجيل إلى 15 مدرسة خاصّة لتعليم ابنه البالغ 4 سنوات، إلى أبواب أكاديمية مرموقة في جنوب دلهي، في صباح أحد الأيام، ليرى إذا كان اسم ابنه مدرجاً على لائحة التلاميذ المقبولين.
للأسف لم يقبل ابنه في المدرسة؛ وعندما عاد أدراجه نحو سيارته، تساءل الوالد المضطرب أليس من الأفضل للثنائي الهندي ألا يرزق بطفل قبل تأمين مقعد له في المدرسة. وصرخ قائلاً: quot;ترزق طفل ولكن ما من مدرسة ترسله إليها. هذا جنون. لا يسعك النوم في الليل.quot;
ولعلّ الإشارة الواضحة إلى مدى خوفه، رفض الوالد، البالغ 36 سنة من العمر، والذي يدير شركته الخاصة، أن يفصح عن اسمه الكامل مخافة تعريض حظوظ ابنه لدخول مدرسة جيدة للخطر. بيد أنه وافق متردّداً على إعطائنا اسمه الأول، وهو أميت.
ويشكّل القلق حول إدخال الأطفال إلى المدارس حكاية رغبة وإحباط في دولة يتمتّع سكانها بأعلى نسبة من الفتوة في العالم، فنحو 40 بالمئة من سكّان الهند، البالغ عددهم 1.1 مليار نسمة، لا يتعدّى عمرهم 18 عاماً. وثمة آخرون كثر انتقلوا إلى حالة الأبوة ولم يتعدّ عمرهم العشرين أو الثلاثين سنة، وقد رزقوا أطفالاً بلغوا سنّ ارتياد المدارس.
لا تعتبر المدارس الحكومية اليوم خياراً جيداً إلا لمن يعيش في فقر مدقع، لأن مستوى التعليم فيها ضعيف، فيما تشتد المنافسة على اختيار المدارس الخاصة.
ويشكّل هذا التدافع جزءاً من الاندفاع الهندي الكبير نحو التعليم، وهو يتفشّى في أرجاء البلاد وعبر الطيف الاجتماعي الاقتصادي بأسره. والحال ان الطبقات الكادحة تنفق مبالغ كبيرة من المال أو تقترضه لإرسال الأطفال إلى مدارس خاصّة. وفي بعض الحالات، يتنقل الأولاد من البلدات الصغيرة لمسافة تتعدّى 60 كلم يومياً للوصول إلى مدارس جيدة أو على الأقل مقبولة. والجدير بالذكر أن عدد المدارس الخاصة الجديدة يتزايد في ظل اهتمام الشركات الصناعية وشركات التطوير العقاري وحتى بعض الشركات الأجنبية في السوق التعليمي الهندي.
سوق التعليم في الهند يشبه إلى حد بعيد الأسواق الأخرى. فالعرض أدني بكثير من الطلب بفعل نمو المدن، وتزايد المداخيل، ورغبة الأهل الذين واجهوا صعوبات في طفولتهم في توفير حياة أفضل لأولادهم.
وقد وصف الأب واسمه أميت ما تتوق إليه الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها بهذه الطريقة: quot;لقد سيطرت الماركات سيطرة تامّة. فالجميع ينظر الآن إلى نوع السيارة التي تقودها، وإلى الثياب التي ترتديها، وإلى اسم المدرسة التي يرتادها ابنك.quot;
وأقرّ فير سينغ، وهو موظف حكومي متقاعد يبلغ 68 سنة من العمر، بوجود هذا التحوّل في عائلته. فقد تعلّم أحد ابنائه في مدرسة حكومية وانتقل إلى الولايات المتحدة ليعمل كمهندس، فيما قصد الثاني مدرسة خاصّة مقبولة في دلهي وانتهى به المطاف بالعمل في شركة متعددة الجنسيات. بيد أنه اليوم يرفض إرسال ابنته إلى المدرسة التي تعلّم فيها. ويقول سينغ إن ابنه يريد أن تتعلّم ابنته في أفضل مدارس العاصمة.
وفي صباح أحد الأيام، وخلال بحث سينغ عن مدرسة مناسبة، وصل إلى فرع من فروع مدرسة دلهي الرسمية المرغوبة ndash; وكما هو الحال في بريطانيا، فإن تعبير quot;رسميquot; يعني quot;مدرسة خاصةquot; ndash; ليرى إن كان اسم حفيدته قد ورد على لائحة المقبولين. ولكن الحظّ لم يكن من حليفه.
تأفّف سينغ من المعايير التي تعتمدها المدرسة لإدراج الأسماء على اللائحة؛ فقد صُعق لمعرفته أن طفل أب وحيد أو أم وحيدة يحظى بالأفضلية، وسأل متعجّباً: quot;أيريدون أن ينفصل الأهل؟quot;
ولم تكن يوماً عملية القبول سهلة في نخبة المدارس الهندية. ففي السابق، كان قبول التلاميذ في المدارس الخاصة يعتمد على مزيج غير واضح من المعارف والمال وتفضيل بعض أنواع العائلات لبعض أنواع المدارس. أما اليوم، ونتيجة المحاكمات، وضعت المحاكم في دلهي قوانين تفرض عملية أكثر عدلاً وشفافية، أقلّه على الورق.
ويحقّ للمدارس أن تضع معايير القبول الخاصّة بها، ولكن يجب توضيح هذه المعايير للأهل واتبّاعها باستمرار. وقد ابتكر الكثير من المدارس هذه السنة نظام نقاط يكافئ الفتيات، والتلاميذ الذين لديهم أخوة أكبر منهم ويتعلّمون في المدرسة ذاتها، وأطفالَ قدامى هذه المدارس، وأولئك الذين يعيشون بالقرب منها، وذلك لتشجيع الالتحاق بالمدرسة في الأحياء المجاورة.
وعلى مرّ الأسابيع القليلة الماضية، كان من الصعب جداً العثور على أهالٍ لا يتذمّرون من هذه القواعد الجديدة.
وقد اعتبر سريدهار ونوبور كانان اللذان يرغبان في إدخال ابنهما البالغ 4 سنوات من العمر في مدرسة دلهي الرسمية أن مكافأة الفتيات سخافة، مع أنهما يعتمدان على نعمة يحسدهما عليها الآخرون: فسريدهار كانان من قدامى هذه المدرسة، وقد تذكّره أحد أعضاء لجنة الاختيار بأنه تلميذ مجتهد.
أما جهود ألوك أغاروال باستغلال معارفه فلم تنفعه أبداً في تأمين مقعد لابنه البالغ 4 أعوام من العمر. وفيما أسِف أشوك غوبتا لافتقاره إلى المعارف فقد وضع أكثر من 2500 دولار أميركي جانباً لعلّ باب quot;التبرّعاتquot; سيفتح.
ويقول الكثير من الأهالي أنه على الرغم من المعايير الجديدة استمرّت بعض المدارس بالقيام ببعض الاستثناءات لقاء تبرّعات لصناديق المدرسة.
بيد أن الضغط يبرز أيضاً في الجهة المقابلة.
ففي هذا العام، تسلّمت سومان ناث، مديرة مدرسة طاغور الدولية التي تقع في حيّ مكتظّ من الطبقة المتوسطة، 2014 طلباً على 112 مقعداً لمرحلة ما قبل الروضة. وقالت إنه ذلك اليوم، أتت خياطة تحيك الثياب لعائلتها إليها لتطلب منها إدخال طفلها إلى المدرسة. كما اتصل بعض الوزراء لدعم قبول بعض الأطفال. ويذكر مدير مدرسة أخرى أنه تلقّى مكالمة هاتفية من مجلس إدارة شركة الكهرباء يهدّده بقطع التيار عن المدرسة إن لم يتمّ قبول أحد الأطفال.
بيد أن التغيير الوحيد الذي رحّب به الكثير من الأهالي ومدراء المدارس هو عدم ضرورة خضوع الأطفال لمقابلات لقبولهم في المدارس. فالآن على الأقل quot;لا يختبر الأطفال الرفضquot;، بحسب ناث.
لكن هذا لم يجلب الكثير من الراحة عندما عرضت مدرسة طاغور الرسمية لائحة الأطفال المقبولين. فقد تناحر الأهالي عبر حشد ضخم لإلقاء نظرة إلى اللائحة، وعاد الكثير منهم مقطّب الحاجبين.
وتقول ساريكا شيتواني، البالغة 28 عاماً والتي تقدّمت بطلبات إلى 12 مدرسة لابنتها التي تبلغ 4 أعوام من دون أن تتكلّل جهودها بالنجاح: quot;عليهم أن يفتحوا مدرسة جديدة للأطفال الذين لم يتمّ قبولهم في أي مدرسة. لقد فشلت فشلاً ذريعاً، ولا أعرف ماذا أفعل الآن.quot;
أما شايلاجا شارما، 26 سنة، فقالت إن أملها الوحيد يكمن في العثور على شخص نافذ لكي يضغط على شخص نافذ آخر يملك المال. وعضّت مانديرا ديف سينغوبتا، التي تحمل ابنها ريو البالغ 4 سنوات، شفّتها وحاولت منع دموعها من الانهمار. فبعد تقديم 17 طلب، لم يتمّ قبول ريو سوى في مدرسة واحدة، وهي ليست من المدارس التي تفضلها.
حتى قبل انتهاء سباق الدخول إلى الحضانة بدأ سباق آخر. إذ كان طلاب الصف الثاني عشر يجرون امتحانات آخر السنة التي تحدّد إن كان التلاميذ سينالون المقاعد الجامعية التي يرغبون فيها والجامعات التي يرغبون في ارتيادها.